مكانة الحديث والسنة في الشريعةتعتبر السنة أو الحديث عند أهل السنة والجماعة هما المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم،
[49] فمكانة السنة رفيعة ولها قوة تشريعية ملزمة، واتباعها واجب،
[50] وعليها يقوم جزء كبير من كيان الشريعة،
[14] ومعنى المصدر الثاني أي في العدد وليس في الترتيب فإذا صحت السنة، أو إذا
صح الحديث - من حيث السند - عما ورد عن النبي، كان بمنزلة القرآن تماما في
تصديق الخبر والعمل بالحكم. وهذا ما أجمع عليه العلماء قديما وحديثا، من السلف ومن جاء بعدهم.
[51][52]وتتبين منزلة السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي في عدد من النقاط، أبرزها:
لآية:
يُوصِيكُمُ
اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن
كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن
كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ
يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ
لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما
حَكِيمًا - سورة النساء، قال الخطيب البغدادي:
«"فكان
ظاهر هذه الآية يدل على أن كل والد يرث ولده، وكل مولود يرث والده، حتى
جاءت السنّة بأن المراد ذلك مع اتفاق الدين بين الوالدين والمولودين، وأما
إذا اختلف الدينان فإنه مانع من التوارث."[54]»
وهناك نصوص قرآنية أخرى عديدة تلزم المسلم بطاعة الرسول وامتثال أمره فمن ذلك:
قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ - سورة آل عمران، و
إِنَّمَا
كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ - سورة النور، و
مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - سورة الحشر، وغيرها، فدلّت هذه الآيات على أن السنّة في رتبة تشريعية ملزمة.
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن العرباض بن سارية قال:
«وعظنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها
العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: «أوصيكم
بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،
عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة» [62]»
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان عن المقداد بن معد يكرب قال:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا
إني أوتيت الكتاب وما يعدله ويوشك بشبعان على أريكته يقول : بيننا وبينهم
هذا الكتاب، فما كان فيه من حلال أحللناه وما كان فيه من حرام حرمناه، وإنه
ليس كذلك» [63].»
ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري قال:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما
مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إني رأيت الجيش
بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا
فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش
فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب
بما جئت به من الحق» [64]»
وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة وأحمد والحاكم وغيرهم عن عدد من أصحاب النبي، منهم أبو ذر وأبو هريرة وعبد الله بن عمر:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله» [65].»
وقد أجمع الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وسائر علماء المسلمين من
بعدهم على حجية السنة النبوية ووجوب التمسك بها، ونقل هذا الإجماع الإمام الشافعي فقال:
«أجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس[66].»
وقال ابن تيمية:
«وليعلم
أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاما - : يتعمد مخالفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون
اتفاقا يقينياً على وجوب اتباع الرسول وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من
قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم[67]»