انور صالح ابو البصل
الادارة العليا
عدد المساهمات : 7858 تاريخ التسجيل : 26/10/2011 الموقع : https://anwarbasal.yoo7.com العمل/الترفيه : ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
| موضوع: جزء في الأصول ، أصول الدين ، مسألة القرآن ، لأبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي : الثلاثاء 04 يونيو 2013, 9:03 pm | |
| جزء في الأصول ، أصول الدين ، مسألة القرآن ، لأبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي :
بسم الله الرحمان الرحيم
عبد مذنب ورب غفور أما بعد ، فإن سبيل الحق قد عفت آثارها ، وقواعد الدين قد انحط شعارها ، والبدعة قد تضرمت نارها وظهر في الآفاق شرارها ، وكتاب الله عز وجل بين العوام غرض ينتضل ، وعلى ألسنة الطغام بعد الاحترام يبتذل ، وتضرب آياته بآياته جدالا وخصاما ، تنتهك حرمته لغوا وآثاما ، قد هون في نفوس الجهال بأنواع المحال ، حين قيل ليس في المصحف إلا الورق والخط المستحدث المخلوق ، وإن سلطت عليه النار احترق ، وأشكال في قرطاس قد لفقت ، إزدراء بحرمته واستهانة بقيمته ، وتطفيفا في حقوقه ، وجحودا لفضيلته حتى لو كان القرآن حيا ناطقا لكان ذلك متظلما ، ومن هذه البدعة متوجعا متألما ، أترى ليس هذاالكتاب الذي قال الله فيه وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقال إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون وقال : والطور وكتاب مسطور في رق منشور ..أو ليس الحبر والورق قبل ظهور الحروف المكتوبة لا يمنع من مسه المحدثون ، وإذا ظهرت الحروف المكتوبةصار ( لا يمسه إلا المطهرون ) أليس هذا الكتاب الذي قال فيه صاحب الشريعة تنزيلا وتجليلا : " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم " ، أليس الله تعالى يقول في كتابه يايحيى خذ الكتاب بقوة وقال في حق موسى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة أفترى من القوة تهوينها عند المكلفين ، والازدراء بها عند المتخلفين ، يزخرفون للعوام عبارة يتوقون بها إنكارهم ويدفنون فيها معنى لو فهمه الناس لعجلوا بوارهم ، ويقولون : تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء ، وكتابة ومكتوب ، هذه الكتابة معلومة فأين المكتوب ؟ وهذه التلاوة مسموعة فأين المتلو ؟ يقولون : القرآن عندنا قديم قائم بذاته سبحانه ، وإنما هي زخارف لبسوا بها ضلالتهم ، وإلا فالقرآن مخلوق عندهم لا محالة ، فقد انكشف للعلماء منهم هذه المقالة يقدمون رجلا نحو الاعتزال فلا يتجاسرون ، ويؤخرونأخرى نحو أصحاب الحديث ليستتروا فلا يتظاهرون ، إن قلنا لهم ما مذهبكم في القرآن ؟ قالوا : قديم غير مخلوق ، وإن قلنا فما القرآن أليس هو السور المسورة والآيات المسطرة في الصحف المطهرة ، أليس هو المحفوظ في صدور الحافظين ، أليس هو المسموع من ألسنة التالين ؟ قالوا : إنما هو حكايته وما أشرتم إليه عبارته ، وأما القرآن فهو قائم في نفس الحق غير ظاهر في إحساس الخلق فانظروا معاشر المسلمين إلى مقالة المعتزلة كيف جاءوا بها في صورة تنافي الصورة ...واسمعوا ما أقول من افساد دعواهم ..و البيان عن معتقدهم في القرءان من الزيغ و الضلالة ..و أنهم قائلون بخلافه لا محالة.. و هاأنذا أذكر من ءايات الكتاب ما يشهد أنهم بالاعتزال الصريح قالوا ..و بالقول بخلق القرءان دانوا ..قال الله سبحانه (ان هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ) وقال (لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) وقال ( وننزل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين ) و قال (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه )...فقد اجتمعت الامة على ان قوله : ( هذا) اشارة الى هذا المسموع بالاذان المتلو بالالسن...وقد قالت الاشاعرة ان هذا المشار اليه هوالمخلوق..فإن القديم قائم في النفس..فقد صرحوا بخلق القرءان ..إذ لله صفة تسمى قرءانا عندهم ..و ما في ذات الله تعالى غير مشار إليه لا منزلا ولا متلوا ولا ظاهرا لحس ولا مسموعا بأذن...فقد قالوا بخلق القرءان في المعنى ..وأرضوا العوام بأن اثبتوا شيئا سموه كلاما ..وأيضا من الدليل فإنهم قالوا بحدث القرءان ..والله يقول (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) ( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)...أفتراه سبحانه يقول ..قل فأتوا بمثل ما في نفسي مما لم يعرفوه ولم يسمعوه..وهل هذا الا بمثابة قوله : قل فأتوا بمثل علمي او بمثل عيني او بمثل قدرتي مما لم يدركه الاحساس و لم يظهر لادراكات النفس..فلما تحدى العرب وعجّزهم و قال بمثل هذا علمنا أنه إنما أشار إلى ما سمعوه و عرفوه ..وإلا فلا حجة عليهم عند عجزهم عن الاتيان بما جهلوه ..و ما في نفس الله تعالى لا صلة إليه ولا وقوف عليه و لا يقدر أحد على التحدي به ..قال سبحانه إخبارا عن بعض انبيائه : ( تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك )..ولم يُنكر عليه .. فإن قالوا : إنما أشار إلى حكاية ما في نفسه وعبارته..و هو هذا المتلو بالالسن المحفوظ في الصدور المكتوب في المصاحف ..فأما أن تشيروا إلى ما في ذاته فكلا .. قلنا لهم : أنتم أغلظ وأكفر منكم في الاول ..لان الحكاية هي المثل و الشبه والنظير ..فإن تنصلكم هو التشبيه..وإن ذراكم على أصحاب الحديث بالكذب والتمويه ..و إذا قلتم لله تعالى في نفسه صفة نعقل حكايتها وهي تلاوتنا ..ونأتي بمثلها و هي قراءتنا ..فقد صرحتم أن وصف الله تحكية..ووقعتم فيما تنصلتم منه من التشبيه ..ولان هذه التلاوات لو كانت حكايات لكان الناس قد أتوا بمثل كلام الله تعالى فأين عجزهم ؟ و لان كلام الله تعالى عندهم ليس بحرف و لا صوت ..فكيف تكون حكايته حرفا و صوتا ..وهل هذه الحكاية الا بمثابة من قال إن علومنا كعلم الله و سمعنا و بصرنا حكاية سمع الله و بصره ..وإن كان سمعه ليس بحاسة و أسماعنا حاسة ..و موّهتم على الناس أنكم من أهل السنة ..و ما أبعدكم من هذه التسمية مع تكذيبكم بنص القرءان ..و الله تعالى يقول : ( وكلم الله موسى تكليما ) ( و إذ نادى ربك موسى ) ( و ناديناه من جانب الطور الايمن و قربناه نجيا ) ..وقلتم إن الملك كلمه و الله ألهمه و فهّمه ..و قد أكذب الله من جعل كلام الملك كلاماَ له سبحانه فقال تعالى : ( و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ) ..و لم يسمّ أحدا من الانبياء كليما مع كونه أوحى إليهم و أرسل إليهم الملائكة فعلمنا أن التكليم حقيقة لم يحصل إلا لقسم منهم ..و هو الذي كلمه الله لا برسول و لا وحيا مثل موسى من وراء حجاب , و نبينا (ص) من وراء المعراج ..ولان الله سبحانه قد أفرد من أراد خطاب الملائكة عن من اختصه بالتكليم ..فقال سبحانه في حق زكريا و مريم : (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين ) , و قال في موسى : ( إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي ) ( وإذ نادى ربك موسى ) ( وناديناه من جانب الطور الايمن و قربناه نجيا )..وقال سبحانه ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق ويعقوب والاسباط و عيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وءاتينا داود زبورا. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ) ..وقال في حق زكريا عليه السلام : (فنادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب )..فذكر الله تعالى الانبياء الذين أوحى إليهم ولم يضف إليهم التكليم و لا أحدا منهم سماه بالكليم ..ثم أفرد موسى بالذكر ..فدل على أن الكلام كان لموسى بخصيصة ليست إلا بنفي الوسائط ..و كلامه بنفسه سبحانه أوجب له إسم كليم ..و إلا فمعلوم أن كثرة هؤلاء المذكورين لم يسم أحدا كليما ولا مكلما فانقطع عنهم موسى وأفرده باسم المكالمة منهم ..وهذا يدل ذوي العقول إلى تمييزه منهم بميزة هي المواجهة و المكافحة من غير واسطة . وقال في حق سليمان لما أراد أن بفهمه : ( ففهمناها سليمان ) ففرق بين التفهيم و التكليم. ...فمن سمى التفهيم تكليما فقد وضع لنفسه بدعة و لغة . و زعمتم أن غير الله يقول لموسى : إنني أنا الله ..و موسى يقول لغير الله : أرني أنظر إليك ..و يقال لغيره : تبت إليك..و تجلى غير الله للجبل فجعله دكا ..أترى الملائكة يتجلون للجبال على استمرار الزمن فلا تندك و لا تنهد ..أوليس الانبياء يسمعون كلام الملائكة فلا يصعقون و لا يفرقون ؟ وزعم أهل الزيغ و البدع أن الذي سمعه نبينا عليه السلام ليلة المعراج كلام الملك ..أترى أي الملائكة كلمه ؟..وهذا جبريل يتقاصر خطوة عن مقام نبينا عليه السلام لقوله : ( و ما منا إلا له مقام معلوم )..و انقطع جبريل حيث انقطع ..و نبينا عليه السلام يقول : هذا مقام يفارق الخليل خليله .. ثم زج بالنبي عليه السلام حيث لا ملك ولا واسطة ..فقال بعد ذلك : فسمعت الحق يقول : ( ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون )..و في حديث ءاخر : (فقال : فيم يختصم الملأ الاعلى )..و في حديث ءاخر : ( فألهمني الله عز وجل أن قلت : التحيات لله ) ..ففرّق بين كلام جبريل و مقامه و بين كلام الحق سبحانه . وزعمتم أن الله تعالى قد أرسل إليه بالملك فكلّمه فقد كلّمه الله تعالى ..والله قد أكذبكم في نص كتابه فقال في حق الكفار : ( ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة )..و معلوم أنه إنما نفى عنهم كلامه بنفسه ..أما الملائكة فقد أخبر عنهم أنها تكلمهم ..قال الله سبحانه : ( و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم ) ..و قال : ( وقفوهم إنهم مسؤلون ) ..وقال : ( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين . ويقولون حجرا محجورا )...فدل على أنه لا يكون مكلماً من كلمته الملائكة و نفى عنهم كلامه..و الذي نفى عنهم هو كلامه بنفسه على الوجه الذي كلّم به موسى . ومما خلف به السنة أهل الزيغ والبدع أنه ورد في الاخبار : ( أن الجبار جل جلاله إذا مات الخلق دحا السماوات و الارض و نادى : أين الجبارون ؟ لمن الملك اليوم ..فيجيب نفسه ..لله الواحد القهار ) ..أين هم لما قالوا في كلامه لموسى و غيره بأنه كلام الملك ..ففي ذلك الوقت حيث لم تبق عين تطرف و لا لسان ينطق؟ ..من القائل : أنا الملك لمن الملك اليوم ؟ وقوله تعالى : ( و لو أن ما في الارض من شجرةٍ أقلام ٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله ) ..فأثبت لنفسه كلمات منفردات غير متناهية الاعداد..و قال سبحانه : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً )...فأثبت لنفسه كلمات..و قالت الاشاعرة : إنه شيء واحد ..فيكون على زعمهم قوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى ) هو قوله : ( أقم الصلاة )..و معلوم أن تغاير ما بين الأمر والنهي و الوعد و الوعيد لا يزيد على معاني ما بين حرف و حرف .. و قال سبحانه ( الم . ذلك الكتاب لا ريب )..و قال ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ).. وقال ( فأتوا بسورة من مثله )..وقال (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات )..و قالت الاشاعرة : ليس هو آيات ولا سور مفصلات .. و قال سبحانه ( الم . ذلك الكتاب)..وقال ( حم ) ( طسم.تلك آيات الكتاب المبين ) ..وقد ذكر حروفا وآيات وكنى بها عن الكتاب ..و قالت الاشاعرة : ليس بحروف ولا أصوات . وقال الله سبحانه في الانبياء ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات ) ..و قالت الاشاعرة : كلهم كلمهم ..على قولهم بأن الوحي هو الكلام. وقال الله سبحانه : ( فالحق و الحق أقول ) ( ولكن حق القول مني )..وقال سبحانه : (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) وقال الله سبحانه : (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )..وقالت الاشاعرة : لا قول له ولا هو ممن يقول ..وإنما كلامه كالفكر والحفظ أو الخاطر أو العلم والارادة التي تقوم بالنفس ولا تظهر للحس ..وهذا هو الكفر وتكذيب القرآن عافانا الله. وقال النبي (ص) إذا كان يوم القيامة نادى الله بصوت فيسمعه أقصاكم كما يسمه أدناكم : أنا الملك أنا الديان وعزتي و جلالي لأسألن القرناء لم نطحت الجماء ) ..وقالت الاشاعرة : لا صوت له . وقال النبي (ص)-عن جبريل عليه السلام - إذا تكلم الله بالوحي سمع صوت كجر السلسلة على صفوان فتخر الملائكة للاذقان سجدا حتى إذا فزع عن قلوبهم قالت ملائكة كل سماء : ماذا قال ربكم ..فيقول قال الحق...)..وقالت الاشاعرة : لا صوت لكلام الله ولا حرف ..و تشغب على النبي (ص) بقوله ( كجر السلسلة على صفوان ) كيف يشبه القديم بالمحدث ..و لم يشنعوا عليه حيث قال : (ترون ربكم كما ترون القمر ) ..كان أوجب ذكر القمر تشبيها للكلام به ..لم يبق إلا تشبيه الرؤيا بالرؤيا و السماع بالسماع لا المرئي و لا المسموع. و قال الله سبحانه لنبيه : (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ..وقالت الاشاعرة : ما ألقي عليه إلا قول الملك..و قال الله سبحانه : (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى )..تقديره : لكان هذا القرآن .. وقالت الاشاعرة :ليس الكلام تسير به الجبال ولا تقطع به الارض لانه قائم في نفس الحق. و قال سبحانه : (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )..وقالت الاشاعرة : إنه لا يجوز عليه النزول. و قال الله سبحانه : (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذزين )..و قال الله سبحانه إنا أنزلناه في ليلة القدر)..و قال الله سبحانه و ننزل من القرآن ما هو شفاء )..و قال الله سبحانه : (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )..وقالت الاشاعرة : كلام الله لا ينزل.. ولا ينزل إلا حكايته أو عبارته أو كلام الملك. و قال الله سبحانه وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا )..قال الله سبحانه وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ) ..قال الله سبحانه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ...) و قال الله سبحانه : (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) ..و قال الله سبحانه وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ..فأثبت لنفسه كلاما مسموعا ..وقالت الاشاعرة : ليس المسموع كلام الله ولا هو القرآن ..وزعمت الاشاعرة أن المسموع مخلوق وليس المسموع إلا القرآن ..وليسهو القرآن المسموع ..قال النبي (ص) : (لاتسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ) ..وقال علي (عليه السلام ) : (والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن ..وإنماأشار إلى هذا المسموع...وقالت الاشاعرة :لا يصح أن يحكم بالقرآن ولا يسافر به.... و أجمع المسلمون أن من حلف بالله لا سمعت كلام الله ..وسمع القرآن..كان حانثا في يمينه ..و أجمع أهل اللغة أن الكلام ثلاثة أشياء : إسم وفعل وحرف ...وقالت الاشاعرة : ليس سوى القائم في النفس . وقال الله تعالى إخبارا عن مريم أنها قالت : (فلن أكلم اليوم إنسيا )..فنفت الكلام ..وقالت الاشاعرة :إنها كانت تتكلم بما كان في نفسها يتردد من حور الكلام. وقال الله تعالى في حق زكريا: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ) ..فنفى عنه الكلام لانتفاء الحروف و الاصوات ..وقالت الاشاعرة : هو متكلم بما كان في نفسه ولم ينف الكلام بإمساكه .. فقد خالفت الاشاعرة كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الفقهاء وأهل اللغة..فافهموا ذلك رحمكم الله وتدبروه ..واجتنبوا مقالتهم واحذروا بدعتهم وضلالهم تسلموا من خدعهم وأخبروا المسلمين مقالتهم واعتقادهم الفاسد ..والله ولي معونته وهو حسبنا ونعم الوكيل .
لله الكلمة الأزلية..
وأما دعوى الاشاعرة موافقة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فباطل..أين هم عن قول أحمد رضي الله عنه : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر..قال عبد الله بن احمد :قال أبي : تكلم الله بصوت ..وقال : لا ينكر هذا الا الجهمية.... وقال إمامنا أحمد لابي أحمد الاسدي : يوجه القرآن على خمس جهات : حفظ بالقلب وتلاوة باللسان وسمع بأذن وبصر بعين وخط بيد..فأشكل علي قوله وبقيت متحيرا في ذلك ..فقال لي : ما حالك ؟..القلب مخلوق و المحفوظ به غير مخلوق ..و اللسان مخلوق و المتلو به غير مخلوق والاذن مخلوقة والمسموع اليها غير مخلوق..واليد مخلوقة و المخطوط بها غير مخلوق ..و العين مخلوقة والمنظور اليها غير مخلوق..قال فقلت :يا ابا عبد الله .. العين تنظر الى السواد و الورق..فقال لي :مه..أصح شيء في هذا ...(لا تسافروا بالقرآن الى ارض العدو )..ولم يذكر حبرا ولا ورقا ..وهل نهاهم الا عن الحروف المضمنة فيه ؟ ... والاشاعرة تقول : إن جبريل لم يسمع كلام الله من الله ..و القراءة عندهم والتلاوة و الكتابة مخلوقة..و القرآن صفة قائمة في نفس المتكلم لا تظهر لاحساس المكلفين ..وانما الحروف والاصوات حكايتها ..واعتمدوا على نفي الحروف والاصوات بأن الحروف متغايرة مختلفة : الألف غير الجيم ..والميم غير الغين..و القديم لا يتغير ولا يختلف لانه ذات واحدة ..ولان الاصوات تحتاج الى اصطكاك اجرام..والحروف تحتاج الى مخارج مخصوصة من مجوفات الاجسام ..و الباري تعالى ليس بجسم ولا ذي آلات ولهوت..فبطل أن يكون الكلام الا وصفا قائما بنفس المتكلم .. وهذا باطل والجواب عنه من وجوه : احدها : من حيث اللغة .و الثاني : القرآن المرتب بظهوره على اللغة .و الثالث : السنة .والرابع : أدلة العقول. .أما طريق اللغة فإنه إجماع أهل اللسان على أن الممسك عن الحروف والاصوات من غير آفة ساكت ..وإن كان يمكن أن يكون متفكرا..فلو كان الكلام هو تصوير في النفس لكان المتفكر أحق باسم المتكلم من الذي تظهر منه الحروف والاصوات ..ولوجب ألا يسمى القارئ غير المتفكر فيما يقوله متكلما ..ولوجب ان يكون المعتبر متكلما ..لانه على أصلهم متكلم ..وسقط عنه تسمية الاعتبار و التفكر وإن لم يبد منه النطق وإنما قام فيه فكر في النفس..وأجمع فقهاء شريعة الاسلام على ان من حلف لا يتكلم ثم تفكر لم يحنث..وبخلاف هذا من ظهرت منه الحروف والاصوات سمي متكلما وان لم يكن له فكر ولا اعتبار ..ولهذا سمى الله الايدي والارجل متكلمة بقوله : (وتكلمنا ايديهم )..لكونها تنطق بالشهادة عليهم و ان لم يوجد منها فكر ولم يكن لها نفس يقوم بها الكلام الذي يشير اليه الاشاعرة . ولهذا قال الله عز وجل : (ولا يكلمهم الله يوم القيامة ) ..ولا يخلو انه عز وجل يريد ألاّ يسمعهم صوته ووليس ألاّ يكون في نفسه كلام لهم .. لان عند الاشعري أن كلام الله الذي هو وعيد الكفار وامرهم ونهيهم هو قائم في نفسه اليوم ويوم القيامة وكل يوم من ايام الابد لا يزول عنه..لم يبق إلا انه اراد ألاّ يسمعهم صوته ..فثبت أن كلامه تعالى هو الصوت المسموع بالمعاني المخصوصة ليقع به الفهم..فهذا دليل اللغة. وأما دليل الكتاب فقوله تعالى : ( حتى يسمع كلام الله ) فسمى الذي سمع من القارئ كلاما له .. وعند الاشعري ان المسموع ليس بكلام وانما الكلام هو المعنى القائم بالنفس..وهذا خلاف ظاهر لنصه سبحانه و تعالى. وقال تعالى ; ( و إذ نادى ربك موسى )..وقال : ( وانا اخترتك فاستمع لما يوحى )..الى قوله (انني انا الله )..فقرن النداء بالسمع ..ومعلوم ان السمع لا يحله شيء سوى الصوت ..سيما وقد قرن به النداء ..و النداء لا يكون إلا صوتا.. وفي سياق الاية (انني انا الله )...ولا يقول غير الله (انني انا الله ) إلا ويكون كاذبا..كيف وقد خص الله ذلك بقوله : (ومن يقل منهم اني اله فذك نجزيه جهنم ..وقد عنَّف نبيا من انبيائه بقوله : (آنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله ...)..وقال تعالى ; (طسم.تلك آيات الكتاب المبين )..فذكر سبحانه حروفا وكنى عنها بانها آيات الكتاب ..وفي الحديث : (لا تسافروا بالقرآن الى ارض العدو )..وما منع السفر به الا الحروف المكتوبة .. وأما من حيث المعقول ..فإن ما ليس بحرف ولا صوت وانما هو في النفس فقد انفرد في الشاهد بتسميته وهو كونه فكراً ووسوسة وخاطرا وغير ذلك مما يهجس في النفس ..ولأنه يستغنى بإرادة الأحداث للأصوات المضمنة الامر والنهي عن الكلام القائم في النفس..فإن الذي فإن الذي نشير إليه هو هذه الحروف المخصوصة و الاصوات المسموعة المتضمنة المعاني المفيدة ..فلا معنى لتسمية الشيء الواحد بإسميْن وقد يوجد الاجتزاء باحدهما عن الاخر ..وأما ما ذكروه من أن الحروف تتغاير وتختلف فذلك يوجب حدوثها ..يبطل على الاشاعرة بنفس الكلام لكونه أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا ..وليس الامر هو النهي ..بل هو ضده ..لان الامر استدعاء الفعل ..والنهي استدعاء الترك..فما هربت منه الاشاعرة وقعت فيه ..لانها هربت من اثبات الحروف خوف التغاير ..وقعت في تغاير الكلام بكونه خبرا و استخبارا وأمرا ونهيا ووعدا ووعيدا..فإن كابرت الاشاعرة وقالت ليسالامر غير النهي ..ساغ ان يقال لهم إن الالف ليس غير الجيم ..وهذا ركوب الجهالات.. ولان الاشاعرة فد أثبتت الصفات من العلم و القدرة والحياة والارادة والكلام و الوجه واليدين والسمع و البصر ..وكل واحد من هذه الصفات ليس هو الاخر ..ولم يدخل فيه التغاير والاختلاف..كذلك هاهنا .. وأما قول الاشاعرة إن إنكارنا الحروف و الاصوات خوفا أن يؤدي إلى إثبات الجسم و الادوات و المخارج المخصوصات وذلك مستحيل على القديم واستحال ا لا يحتاج إليه إثباته ..فغلط ..لانه قد لزم الاشعري مثل هذا في إثبات الكلام القائم بالنفس ..فإن ما يكون في انفسنا نحن انما هو محتاج الى الى محل يقوم به من آلات تخيل وفكر وهو القلب والرأس والشيء المخصوص الذي يتعاهد على إحداث الفكر فإذا أثبته في النفس ولم يخرج الى آلات التفكر في حقنا و ما يقوم بأنفسنا ..هذا ما نثبته كلاما على حد ما نعقله لا بآلات و أدوات ..و لا انفصال عن هذا إلا الهوس و التدليس على من يعجز عن إقامة البرهان..و الله الموفق للصواب. فصل : قالت الاشاعرة بالتهجم على تأويل المتشابه و صرف الاحاديث عن ظاهرها بالرأي و حكم العقل خلاف الشرع ..وذلك خطر عظيم و غرر جسيم وإثم موبق و دخول في من قال الله عز وجل في حقه : (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله )... فمذهب السلف وأئمة الخلف الايمان بالأسماء و الصفات توقيفاً لا يخرج عن ظاهرها إلى تأويل دليل العقول و شواهد النظر ..و لا يقومون بتفتيش صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله وتلقتها الصحابة و القرابة بالإيمان بها و التسليم لها من غير رد و لا تأويل لها كما ابتدعته الاشاعرة والكلابية ومن وافقهما من المبتدعة ..و قد علموا بأن النقل لما وصل إليهم ..أنه سئل عليه السلام عن الروح أهو شيء مخلوق يناله الحدوث ؟ ..قال الله له : (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )..فلما شذَّ عنهم علم باب صفة الروح من أوصافنا ..فبأن نمنع من تفتيش وصفه أولى و أحرى ..فوجب أن نتلقاه تسليما ..و لا نكيّف فنقول ما اليدان وما النفس وما المجيء وما الإتيان وما الوجه وما السمع وما البصر وما النزول وما الضحك؟..وجميع الصفات التي نقلها الثقات والأئمة الأثبات ..فيكون سؤالنا عن أوصافه بعد كتمه هذا وصفا من أوصافنا غباوة وجهلا..بل نقول كما قال و نمسك عما وراء ذلك ..ولو قدمنا على أخذها بقياس أفعالنا جاء من هذا الكفر المحض ..فإن من بنى فأتقن ثم هدم ..وجمع ثم فرّق ..وأمكن من مخالفته فأنظر إبليس مع علمه بأن انظاره يعود بفساد أكثر خلقه و مخالفة أكثر أوامره ..وهذا جميعه في الواحد منّا سفه وهو جل وعز منه حكمة ..فإذا كانت أفعاله كذا لا يقوم لها تأويل ولا يصح في العقل لها تعطيل ..كان غاية أمرنا التسليم ..فأوصافه أولى لان مفعولاته مخلوقة و أوصافه قديمة. ولأن الاشاعرة لا تخلو أن تقول صدقت النقلة فيما روته من أخبار الصفات أو كذبت ..فإن كانت صدقت وجب المصير الى ما قالته و نقلته و ترك تأويله وأُمِرَّ كما جاء على ما جاء من ظاهره..وإن كانت النقلة كذبت وجب ترك ما قالت ولم يجب تأويله .. ووجدنا رواة أخبار الصفات أئمة المسلمين و صدورهم و المرجوع إليهم في الفتاوى كسفيان الثوري ومالك بن انس و الحمادين وبن عيينة و الاوزاعي وأحمد و الشافعي ...الخ وغير هؤلاء من الحفاظ الاثبات هم والله سرج البلاد و نور العباد ..فغير جائز أن يكون خبرهم إلا صحيحا ..وقد ذكر ابن الانباري عن ابن مسعود و ابن عباس قوله تعالى : (و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به )..قالوا كلهم بأجمعم :الواو للإستئناف و ليست عاطفة ..وذكر ابو سليمان البستي أن الوقف التام في هذه الآية عند قوله : (إلا الله ) وما بعده استئناف . وقال إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه : لا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ..وقال ايضا : قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمان ..وقال : خلق آدم على صورته وخلق آدم بيده ..كل ذلك نقول به لورود الحديث به ...وذكر ابو عيسى الترمذي في كتابه : (و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة منها رؤية الرب يوم القيامة وذكر القدم و ما أشبه هذه الأشياء ..والمذهب في هذا كله عند أهل العلم مثل سفيان و مالك و ابن المبارك ووكيع و ابن عيينة و غيرهم أنهم قالوا : أمِّروها و لا تقولوا كيف ؟ و هذا أمر أهل العلم الذي اختاروه و ذهبوا إليه )..و بالله التوفيق . و الحمد لله على فضله و أياديه أولاً وآخراً ..و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.
الفصل لثالث
بسم الله الرحمان الرحيم :
اعلم وفقك الله وهداك ، أن من جملة ما ذهبت إليه الاشاعرة واستدلوا على صحته بما رمزوا : من ذلك نفيهم حقائق القرآن ، وقولهم : إنه مجاز . وإنما ذهبوا الى ذلك لأنهم قالوا : ( إن الله تعالى لم يكلم موسى ، وإنما اضطره الى معرفة المعنى القائم بالذات من غير أن يسمع صوتا أو يفهم حرفا ) .. وبنوا على ذلك أصلهم في حد الكلام ، وأنه المعنى القائم بالذات ، وأن كل ما يقرأ و يتلى إنما هو عبارة عما لم يفارق الذات ، وهو المعنى القائم في النفس ، وأنه لا يدرك بشيء من الحواس بحال ..وفرعوا على هذا الأصل فروعاً ... فمن ذلك : أن قالوا : إن كلام الله تعالى لا يسمع منه ولا يتكلم به غيره ، وإن الله تعالى يتكلم بلا حرف ولا صوت ، وإنه لا يجوز أن يقال : إنه تكلم أو خاطب أو قرأ أو لفظ ..ومن قال ذلك عندهم فقد كفر . ومن فروعهم الفاسدة وأقوالهم الباطلة أن منعوا نزول القرآن جملة واحدة من غير تفصيل ، وأن القراءة والتلاوة والأصوات والحروف عندهم مخلوقة ، وزعموا بعقلهم الفاسد أن المفهوم من ذلك غير مخلوق ، وأن المقروء و المتلو والمسموع و المكتوب غير مخلوق . وهذا من رموزهم أيضا التي أحادوا بها العامة و أضلوا بها الأمة .. فأما نفيهم للحقائق : فاستدلوا على ذلك بأن قالوا : ( إذا ثبت أن حد الكلام هو القائم بالذات ، وأن الكلام صفة للذات ، وقد ثبت أن الصفة لا تفارق الموصوف ، وأن الموصوف لا سبيل إلى تكييفه وحدّه ..وأنه لا يتقسم ولا يتبعض ، ولا يحويه مكان ، عُلمَ أن كلامه بيننا مجاز لا حقيقة ..لأننا لو حققنا وجوده بيننا كنا قد حكمنا بأن الصفة تفارق الموصوف ، ويحويها المكان ، وذلك لا يجوز..فلم يبق إلا أن كلام الله سبحانه لا حقيقة له بيننا ، وإنما بيننا العبارة عنه ..الدليل على ذلك أن كلام الله تعالى لا يتغير ولا يدخله اللحن ولا يقع عليه المدح والذم ، وكل ذلك يدخل على عبارتنا ، فثبت ما قلنا ). الجواب على ما استدلوه من وجوه : أحدها : أنهم حدوا كلام الله سبحانه بما حدوا به كلام المخلوقين ، وقد أثبتوا أن الباري عز وجل لا يحد ولا يكيف ، فبأن لا يحد كلامه أحرى وأولى ..ولما جاز أن يحد المخلوقون جاز أن يحد كلامهم . وخلافنا ليس في كلام المخلوقين ، وإنما هو في كلام الخالق ، فبطل تحديد كلامه بما حدوه به . والوجه الثاني من وجوه المنع للحد ، هو : أنه إذا حد الكلام بأنه هو المعنى القائم في النفس ، كان محدودا مدخولا بالفكر والمفهوم والمقروء والمتلو والمسموع
والمسموع والرمز والإشارة ..ومعلوم أن الاشتراك في الحد لا يجوز ، فبطل ما قالوه . الثالث : من وجوه المنع للحد هو : أن الحد من شرطه الطرد والعكس لئلا يتبعض الحد ، وإذا كان حد الكلام : المعنى القائم بالنفس ، فيجب أن يكون حد المعنى القائم بالنفس : الكلام ..فيكون الكلام هوالحد وهو المحدود ..وهذا بخلاف الأصول ..لأن الحد عندنا : إنما هو بعض المحدود ، ولا يجوز أن يكون الكل ، فبطل ما أصّلوه واعتمدوه ..ويجب أن يقال : كل ما في النفس كلام ، ويقال : كل الكلام ما في النفس ..فيؤدي هذا إلى أن الكلام لا يسمع بحال ..وهذا باطل . والرابع : من وجوه المنع للحد هو : أن الحد إذا كان هو المعنى القائم بالنفس من غير نطق ، فما الفرق بين الساكت و المتكلم ؟ ..ولأي فائدة وضع أهل اللسان صفة السكوت إذا كان يعد متكلما لأجل أن في نفسه كلاما ، وقد يكون في نفس الساكت كلام أيضا ، وما حد السكوت عندهم؟ ..وليس عن شيء مما ذكرناه انفصال بحال . وأما الثاني من وجوه الجواب عن الاستدلال عن نفي حقيقة القرآن بيننا هو : أنا اتفقنا على أن حد الحقيقة استعمال الشيء فيما وُضع له ، وحد المجاز استعمال الشيء فيما وُضع لغيره ..فمثال الحقيقة : الله ربنا ، ومحمد (ص) نبينا ، و الكعبة قبلتنا ..ومثال المجاز : تسميتنا للجد أباً ، وللرجل القوي أسدا ..وقد اتفقنا أن الحقيقة لا تنتفي ، والمجاز هو الذي ينتفي ..فيقول القائل : لي جد و ليس لي أب ، فلو كان الجد أبا على الحقيقة لم ينتف عنه اسم الأب ... ثم اتفقنا على أنا نقول : كلام الله تعالى على الحقيقة مقروء بألسنتنا ، على الحقيقة متلو في محاريبنا ، على الحقيقة مفهوم بقلوبنا ، على الحقيقة محفوظ في صدورنا ، على الحقيقة مسموع بآذاننا ، على الحقيقة مكتوب في مصاحفنا ، غير حالّ في شيء من ذلك ،ولاينفصل عن ربنا عز وجل، ولو كان ما بيننا مجازا لم يثبت به اسم الحقيقة لما ذكرناه ، لأن المجاز لا يعبّر عنه بالحقيقة . فإن قيل : لا نُسلّم ..بل يُعبّر عندنا بالحقيقة عن المجاز ، وذلك أن الغايط وهو المكان المطمئن من الأرض ينقله الاستعمال من الحقيقة الى المجاز، فصار ذلك المجاز حقيقة ، فيقول القائل : جئت من الغائط ، وحقيقته المكان المطمئن من الأرض ، وإخباره حال عن الحدث ،فيُعبّر بالحقيقة عن المجاز ..وكذلك الوضوء والصلاة و الزكاة يُعبّر فيها بالحقيقة عن المجاز لكثرة الاستعمال . فالجواب هو: أن هذا الكلام غير صحيح لوجوه : أحدها : أن اتفاقنا على أن الحقيقة لا تنتف بحال ، ومما يدل على بطلان هذا السؤال : هو : أن القائل قد يقول : جئت من الغائط ولم أحدث ..وفهمت القرآن لأصلي ولم أصل ، وكان يدعو ، أو يصلي على النبي (ص) ، ويقول كنت أتوضأ ولم أتوضأ ، وكان يغسل يده من الغمر . ولا يصح منه أن يقول : كنت أقرأ القرآن ولم أقرأه ، وكنت أتلو القرآن ولم أتله ..وحفظت القرآن في صدري ولم أحفظه .. وهذا كلام لا يذهب إليه ولا يعول عليه إلا من عدم التحصيل و طلب التعطيل . والثالث من وجوه الجواب عن الاستدلال عن نفي حقيقة القرآن بيننا هو : قولهم أن الموصوف وهو الباري سبحانه لا يكيف و لا يحد وأن الصفة لا تفارق الموصوف .. نقول لهم وعليه نناظر ، لأنا لا ندعي أن القرآن فارق ربنا عز وجل ، سبحانه وتعالى عن ذلك ، وإنما نقول إنه نور يفرقه الله تعالى في قلوبنا ، وتنطق به ألسنتنا ، وتسمع به أسماعنا ، ونكتبه في مصاحفنا ، غير حالّ في شيء مما ذكرناه ..قال الله عز وجل : (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) ، وقال عز وجل : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) ..والهاء راجعة الى القرآن ، لأنه لا شيء يحرك به لسانه إلا القرآن، لقوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه ) ، ولو كان القرآن هو القائم بالذات ، لكان قوله تعالى : ( لا تحرك به لسانك ) مستحيلا ، لأنه نهي لا معنى له ، لأن تحريك اللسان بما في الذات معدوم .. و قال الله عز وجل : ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى ) ، فالهاء راجعة الى الوحي ، والوحي راجع الى النطق .. وقال تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) ، ولا يسمع إلا القرآن ولا ينصت إلا له .. وقال تعالى : ( بل هو قرآن مجيد . في لوح محفوظ ) ..وقال تعالى : ( في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون ) . فإن قيل : كيف يكون القرآن بما ذكرتم غير حال ؟ قيل : يلزمكم هذا مثل ما يلزمنا ، لأنكم أثبتم المقروء ة المتلو والمكتوب والمفهوم بيننا ، ولم تسألوا كيف أثبتّموه حالّ أو غير حالّ . فإن قيل : نحن إنما أثبتناه مجازا لا حقيقة ، وأنتم أثبتموه حقيقة لا مجازا . قيل : فما فائدة ذكركم للحقيقة وقد أبطلنا عبارتكم بها عن المجاز ؟ ثم نقول : إذا نظر أحدكم في الماء وفي المرأة وفي الجسم الصافي الصقيل ، هل هي - أي صورة الرائي - هو ، أم هي غيره ؟ وهل هي صفة الناظر أو صفة غيره ؟ فإن قالوا : هي صفته ، أخطأوا ، لأنهما مفترقتان رأي العين ..وإن قالوا : لا نثبت أن الصفة ترى في غير محل الموصوف عن غير انتقال ولا طول . وإن قالوا : ليس هي صفة الناظر أخطأوا ، لأنها توجد وتعدم بعدمه ، ولا تخالف صفته ، فبطل ما قالوه . وإن قالوا : ليست هي هو ، ولا هي غيره . قلنا لهم : فما هذا المرئي فيهما ؟ ..وليس عن هذا انفصال بحال . ثم نقول لهم : أخبرونا عن شعاع الشمس إذا حل على الجدار واكتست منه الدنيا : هل انفصل ذلك الشعاع منها ، أم هو متصل بها ؟ فإن قالوا : انفصل منها ، أخطأوا . وإن قالوا : متصل بها : قيل لهم : فهل هو منفصل من الأرض ؟ فإن قالوا : نعم ، أخطأوا ، لأنه موجود رأي العين . وإن قالوا : لا ..قيل لهم : فهل هو صفة للشمس أم للدنيا ؟ فإنه متصل بهما جميعا . فإن قالوا : هو صفة للشمس ..قيل لهم : فقد فارقت الصفة الموصوف من غير انفصال ولا حلول .. فكذلك نحن نقول : إن القرآن هو حبل ممدود بين الله وبين خلقه ، غير منفصل من الله تعالى ، ولا حالّ في خلقه ، كما قال النبي (ص) : (القرآن حبل الله المتين طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ) ..والحبل هو السبب ، والسبب هو الحبل . والرابع من وجوه الجواب عن الاستدلال عن نفي حقيقة القرآن بيننا هو : أن ذكرهم المكان لامعنى له ، لأن المجاز لا يستغني عن المكان ، كما أن الحقيقة لا تستغني عن مكان ، والذي يلزمنا من ذلك يلزمكم مثله . ثم نقول لهم : أخبرونا عن الباري سبحانه ، هل هو معنا أو بيننا ؟ فإن قالوا : لا ، كفروا ..لأنهم نفوا آية من القرآن ، ومن نفى آية من القرآن فقد كفر . وإن قالوا : نعم ، طالبناهم بالمكان .. ليس عن هذا انفصال بحال . والخامس من وجوه الجواب عن الاستدلال عن نفي حقيقة القرآن بيننا هو : أن العبارة التي أسندوا إليها ظهورهم وعوّلوا عليها وجعلوها لهم أصلا ، وموهوا على العالم بها ، فإن حقيقتها غير ما ذهبوا إليه .. وذلك أنهم قالوا : (إن القارئ إذا قرأ القرآن أن العبارة التي أسندوا إليها ظهورهم وعولوا عليها وجعلوها لهم أصلاً ، وموهوا على العالم بها ، فإن حقيقتها غير ما ذهبوا إليه ، وذلك أنهم قالوا : (إن القارئ إذا قرأ القرآن ، لم يكن متكلما بكلام الله عز وجل على الحقيقة ، كما لا يجوز أن يتكلم بكلام زيد على الحقيقة ، فلم يبق إلا أنه يعبر عن كلام الله سبحانه ) .. وهذا كلام غير صحيح ، لأنه لا خلاف بين أهل هذا الشأن في أن العبارة لا تكون حقيقة إلا من طريق المعنى فقط ، ثم يجوز أن يعبر الرجل إلا عمن سمع كلامه وفهم معناه ، دون من لم يسمع كلامه ولا فهم معناه ..يدل على ذلك نقل الشهادة ونقل الأخبار .. ثم لم يبق إلا أن القارئ إنما عبر عن من سمع كلامه ، وهو الذي علمه، وكذلك صاعداً الى النبي (ص) ، ثم إن النبي (ص) عبّر عن جبؤيل ، وجبريل لم يعبّر عن رب العالمين لأنه لم يسمع كلامه ، ولا عن ميكائيل ولا عن إسرافيل ، لأنهم لم يسمعوا كلام الله تعالى عندهم ، فكيف يجوز أن يقال : عبارة عن كلام الله تعالى والله تعالى لم يسمع كلامه أحد ممن عبر عنه عندهم ؟ .. فبطل ما ادعوه من العبارة . فإن قيل : جبرل عبّر عن ميكائيل ، وميكائيل عن إسرافيل ، وإسرافيل أخذ من اللوح المحفوظ . قيل : فتكون العبارة عن اللوح ، واللوح لا يتكلم ، ولو تكلم لنسب الكلام إلى اللوح ولم ينسب إلى الله تعالى .. فلما لم ينسب الكلام إلى اللوح بطل حكم العبارة من كل الوجوه ، وثبت أن قارئ القرآن يتكلم بكلام الله عز وجل على الحقيقة ، لقوله تعالى : (لا تحرّك به لسانك لتعجل به ) ، ولقوله سبحانه : ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ) ، وقوله ( هو ) : راجع إلى النطق الذي نطق به النبي (ص) ، فأثبته الله تعالى أنه وحي علمه إياه ، ولم يقل إنه كلام محمد (ص) .. وقوله عز وجل : (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) ، فسمى الله تعالى ما يتلوه النبي (ص) وحياً ، ةلم يقل إنه كلام النبي (ص) ، ولا خلاف أن التلاوة والقراءة واحدة . فإن قيل : هما اثنان . قلتا لهم : ففرقوا بين القراءة والمقروء والتلاوة والمتلو ، ولا فرق ، وقد قال تعالى إخبارا عن من قال إن هذا إلا قول البشر : (سأصليه سقر ) ، فأوجب الله عز وجل بعدله جهنم لما قال إن هذا القرآن كلام محمد . وقوله تعالى : (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ..وهذا يدل على أن الميسر هو القرآن وليس هي للقراءة ، ولو كانت القراءة لم يكن لذكر القرآن فائدة .. وقوله عز وجل : (اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) ، فأمره أن يتلو القرآن الذي أوحى الله إليه ، ولو كان لا يمكن أحداً أن يتكلم بكلام الله تعالى لكان الله تعالى قد كلف رسوله ما لا يتأتى وقوعه منه ، وذلك محال . وقوله تعالى : (يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ، وما كان بذات الله تعالى لا يقدر أحد على تبديله . وقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ، والإشارة لا تكون لما بذات الله سبحانه لأنه لا يوصف . فإن قيل : فإنما تحداهم بالتلاوة والقراءة والفصاحة والبلاغة وحسن التأليف ، ولم يتحداهم بمثل الكلام القائم بالنفس . قيل : التلاوة والقراءة لا تسمى عندكم قرآناً ، ولا تعجز عنها فصحاء العرب ، وإنما عجزوا عن الإتيان بمثل المعجزة ..والتلاوة والقراءة ليست عندكم معجزة ، فبطل قولكم . فإن قيل : العبارة عندنا إنما تكون عن المعنى دون الصيغة ، كما لو أن رجلا قال لعبده : قل لفلان تعال ، ففال له العبد : بيون - كلمة فارسية معناها تعال - ، لم يحسن من السيد لومه ، لأنه قد أتى على الغرض والمقصود . فالجواب ، أن هذا كلام فاسد ، لأن المقصود بقوله قل لفلان تعال أن يجيء ، فلو مضى العبد وأخذ بيد فلان وجاء به من غير أن يكلمه ، لم يحسن من السيد لومه .. وليس كذلك المقصود بنقل كلام الله تعالى ، وإنما المقصود به معرفة الأحكام منه وإظهار المعجز الذي عجز الخلق عن الإتيان بمثله ، ولو كان المقصود به المعنى لم يعجز أحد عن ذلك ، ثم لم يلزمهم على هذا قراءته بالأعجمية وغيرها من اللغات . وأما قولهم (إن اللحن والذم لا يتوجه على كلام الله سبحانه ، وإنما يتوجه ذلك على عبارتنا) .. فهذا كلام غير صحيح .. لأن من لحن في القرآن عندنا لم يقرأ القرآن ، لقول النبي (ص) : (من قرأ القرآن باللحن فقد كذب على الله سبحانه ) ..واللحن هنا أيضا أردنا به ترك الإعراب دون التطريب و التلحين في القرآن . وأما قولهم : ( إن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله بحاسة أذنه ، وإنما اضطره الى معرفة المعنى القائم بالذات ) .. فهذا إنكار لكتاب الله عز وجل وجحد له . قال تعالى : (وكلم الله موسى تكليما ) ، وهذا مصدر ومعناه على الحقيقة ..وهذا لا خلاف بيننا وبينكم فيه . وقولهم (اضطره الى معرفة المعنى القائم بالذات ) خطأ ، لأن الإضطرار إنما هو الإلجاء والإكراه ، وذلك لا ميزة لموسى فيه على غيره . ... فإن قيل : اضطره الى سماع كلامه بلا حرف ولا صوت . قيل لهم : هذا ممتنع من كل الوجوه ، لأنا اتفقنا على أن كل ما وقع بقلب الانسان لا يعد كلاما لله ، وكذلك ما ألهمه لا يعد كلاما له ، فبطل ما قالوه ..لأنه لا بخلو أن يكون فهم ما سمع ، أو فهم ما لم يسمع ، وأي ذلك كان لا يصح ، لأن السماع لا يكون إلا بالأذن ، كما أن الفهم لا يكون إلا بالقلب
كما أن الفهم لا يكون إلا بالقلب ..وهذا إنما هو فيمن تنسب إليه الأذن والقلب ، دون من لا تنسب إليه الأذن ، قال الله تعالى : (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، ومعلوم أن الكافر لا يسمع كلام الله تعالى من الله ، فدل على أنه يسمعه من غيره ، وليس إلا القارئ . فإن قيل : فإن الله إنما نصّ على الكافر حتى يسمع كلام الله لا كلام غيره ، فإن قام دليل العقل على منع ذلك وعلى عدم سقوط فائدة الآية، فلم يبق إلا أن الكافر يسمع كلام الله . وجواب آخر : وهو أن الله تعالى لا يكلف رسوله ما لا سبيل إليه ، ولا يبعث به ولا يأمره بما لا فائدة له ..وذلك ممتنع بكل حال . فإن قيل : إنما أراد حتى يسمع العبارة عن كلام الله تعالى . قيل : العبارة معلومة على ما بيّنّاه ، ثم لو وُجدت لم تُسَمّ كلاما لله تعالى .. ولم يبق إلا أنه يسمع كلام الله تعالى . ثم نقول : إذا كان الله تعالى اضطره الى سماع كلامه من غير صوت ولا حرف ، فما المانع أن يضطره إلى أن يتكلم بكلامه بحرف و صوت؟ فإن قيل : قام الدليل على المنع من ذلك . قيل : وكذلك قام الدليل على منع ما قلتموه أنتم أيضاً ..قال الله سبحانه : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون ) فدل على أن المسموع القرآن ، والذي يُنصَت إليه هو القراءة . وقال تعالى : (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ومعلوم أن كلام الله لم يسمعوه ، وإنما سمعوا القراءة من القارئ وعقلوها دون كلام الله القائم بذاته الذي لا يصلون الى تحريفه ، كما أنهم لا يصلون الى العلم الذي بذاته ، فثبت أنه الكلام الذي نتلوه . وقال تعالى إخبارا عن الجن : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به ) ومعلوم أنهم لم يسمعوا كلام الله من الله، وإنما سمعوه من القارئ . وقال الله عز وجل إخبارا عن الجن : ( إنا سمعنا كتاباً أٌنزل من بعد موسى ) ولم يسمعوا الكتاب لأن الكتاب لا يُسمع ، وإنما سمعوا قراءة القرآن . وأما قولهم : (إن الله تعالى كلّم موسى بلا حرف ولا صوت ، وإن كلامه لا يجوز أن يقال إنه بحرف وصوت ) ، فخطأ ، لأنه قال تعالى : (وناديناه من جانب الطور الأيمن ) وقوله تعالى : (فلما أتاها نودي ) وقوله تعالى : (فلما جاءها نودي ) ومعلوم أن النداء لا يكون إلا بصوت ، والصوت لا يكون إلا بحرف ، فثبت أنه تعالى نادى بصوت وحرف ليس كمثل أصواتنا ولا حروفنا ، لأن أصواتنا لها آلة ، وحروفنا لها مخارج ،والله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك . فإن قيل : فهذا هو دليلنا عليكم ، لأنكم أثبتتم لأصواتكم آلة ولحروفكم مخارج ونفيتم ذلك عن الله تعالى ، ثم قلتم إن كلامكم بكلامه هو كلامه على الحقيقة ، وذلك لا يجوز ، إلا أن تثبتوا لصوته آلة و لحروفه مخارج ، وإن بلغتم الى هذا فقد كفرتم . قيل : يلزمنا من ذلك ما يلزمكم في إثباتكم أن السماوات والأرض قالتا أتينا طائعين ، وذك لا يخلو أن يكون القول بصوت أو بغير صوت ، فإن كان بصوت فيلزمكم أن تثبتوا لذلك الصوت آلة وحروفا ومخارج كما ألزمتمونا فما قلنا ، وإن لم يلزمكم ما قلنا لم يلزمنا ما قلتم ، وكذلك يلزمكم أن تثبتوا الآلة للذراع والأيدي والأرجل ، ولجهنم .. ويلزمكم أن تثبتوا للباري سبحانه آلة القرآن وآلة النداء وآلة الخطاب ، لأنه تعالى خاطب العالم فقال : ( يا آيها النبي ) و ( يا أيها الناس ) و(يا أيها الذين آمنوا ) ، وخاطب ذرية بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، وهم في العدم ، وهل سمع الله تعالى كلامهم ذلك الوقت في حين خطابه لهم أم لا ؟ ..وآلة القدرة وآلة النظر وآلة المنظور إليه ، لأنكم أثبتتم أن الله تعالى يرى يوم القيامة وأنه يرى ويسمع ، فيلزمكم أن تثبتوا له السمع و البصر ، وكل ذلك لا تلزموه أنفسكم فلم يلزمنا ما قلتموه .. ولو جاز أن يقال : إنا لم نجد في الشاهد حروفا إلا ممن له أدوات ، فيجب في الغائب مثله ، لجاز لنا أن نقول : إنا لم نعقل في الشاهد علماً إلا من أحد طريقين : إما ضرورة وإما استدلالا ، فكذلك يجب أن يكون علم الباري سبحانه ، ولك عين الخطأ . فإن قيل : إن المانع من أن يكون كلام الله تعالى بحروف ، هو أن الثاني من الحروف متأخر والأول متقدم ، والقديم لا يجوز أن يسبق بعضه بعضاً ، فثبت أن الحروف مخلوقة لأنها مترتبة في الوجود . قيل : هذا يبطل عليكم بقول الله سبحانه لآدم وعيسى : (كن) ، ومعلوم أن آدم خلق قبل عيسى . فإن قيل : إنما قال لآدم ولعيسى : كن في الأول ، وإنما تقدم الوجود لآدم قبل عيسى ، ولم يتقدم القول بعضه على بعض . قيل : هذا باطل ، لقوله تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ، ولا يخلو أن يكون جميع ماللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين منتدى انور ابو البصل الاسلامي https://anwarbasal.yoo7.com/ | |
|
ملك الحصريات
مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1018 تاريخ التسجيل : 27/02/2013 العمر : 44 الموقع : منتديات ميدو
| موضوع: رد: جزء في الأصول ، أصول الدين ، مسألة القرآن ، لأبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي : الجمعة 07 يونيو 2013, 8:25 pm | |
| شكراااا جزيلا على الموضوع سلمت جودة المواضيع ننتظر كل جديد منك بفاارغ الصبر | |
|
ملك الحصريات
مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1018 تاريخ التسجيل : 27/02/2013 العمر : 44 الموقع : منتديات ميدو
| موضوع: رد: جزء في الأصول ، أصول الدين ، مسألة القرآن ، لأبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي : الجمعة 07 يونيو 2013, 8:25 pm | |
| شكراااا جزيلا على الموضوع سلمت جودة المواضيع ننتظر كل جديد منك بفاارغ الصبر | |
|