أدلة أهل العلم القائلين بأن اسم الله هو اسم الله الأعظم:
1- خصوصية هذا الاسم من بين أسمائه:
أيها الأخوة, اسم الله الأعظم هو الله وحول هذا الموضوع بحوث كثيرة، البحث جمعه بحوث ومباحث والبحوث أولى, فهذا الاسم كما قال علماء التوحيد: عَلَمٌ على الذات أو عَلَمٌ على واجب الوجود, وأن أعظم الأسماء هي قولنا " الله " واحتج القائلون بأن كلمة " الله " هي اسم " الله " الأعظم لوجوه عديدة:
الحجة الأول: أن هذا الاسم ما أُطلق على غير الله فإن العرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله سبحانه وتعالى والدليل قوله تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 61)
فكلمة الله: تعني عندهم خالق السموات والأرض وما سُمي أحدٌ على وجه الأرض بهذا الاسم حتى ولا الآلهة التي زُعمت من دون الله لم تسمَّ بهذا الاسم أبداً وقال تعالى:
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾
( سورة مريم الآية: 65)
ولما كان هذا الاسم في الاختصاص بالله تعالى على هذا الوجه وجب أن يكون أشرف الأسماء كلها، فاسم الله: هو اسم الله الأعظم الجامع لكل الأسماء الحسنى والصفات العظمى الجامع للكمالات كلها المنزّه عن النقائص كلها عَلَمٌ على الذات واجب الوجود.
2- الأصل في الأسماء الحسنى هو اسم الله وجميع الأسماء مضافة إليه:
الحجة الثانية: وهي أن كلمة الله هي اسم الله الأعظم وهذا الاسم هو الأصل في أسماء الله سبحانه وتعالى وسائر الأسماء " الرحمن, الرحيم, الملك, القدوس, السلام, المؤمن, المهيمن, العزيز, الجبار " وجميع الأسماء مضافة إليه قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
( سورة الأعراف الآية: 180)
أما الأسماء الحسنى أضيفت إلى الله سبحانه وتعالى, ولا محالة في أن الموصوف أشرف من الصفة لأنه يقال: " الرحمن الرحيم، الملك القدوس" كلها أسماء لله تعالى ولا يُقال: الله اسم الرحمن الرحيم بل الرحمن الرحيم اسم الله فدلّ على أن هذا الاسم هو الأصل.
شيء آخر قال تعالى:
﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110)
خصص هذان الاسمان بالذكر قال تعالى:
﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110)
وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما, ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن والدليل بأنه قدمه في الذكر قال الله:
﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾
( سورة الإسراء الآية: 110)
فلأن اسم الرحمن يدل على كمال الرحمة ولا يدل على كمال القهر والغلبة والعظمة والقدس والعزة, بينما اسم الله سبحانه وتعالى يدل على كل هذه المعاني اسم الذات الأعظم الجامع لكل الأسماء الحسنى.
هذا الاسم من عجائبه أنه كلما أسقطت منه حرفاً فالحروف الباقية اسم من أسماء الله مثلاً (كتب) فعل ماضٍ احذف الكاف (تب) لا معنى لها, (سقط) فعل ماض احذف السين (قط) تغير المعنى, أما لفظ الجلالة الله كلما حذفت منه حرفاً الباقي اسم من أسماء الله الحسنى كيف ؟ لو حذفت الهمزة قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 189)
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾
( سورة المنافقون الآية: 7)
فإن أسقطت اللام الأولى بقي " إله " وهو أيضاً من صفات الله تعالى:
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 63)
﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
( سورة القصص الآية: 70)
فإن أسقطت اللام.
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾
( سورة الإخلاص الآية: 1-4)
يعني إن حذفت الهمزة بقي (لله), وإن حذفت الهمزة واللام الأولى بقي (له), وإن حذفت الهمزة واللام الأولى واللام الثانية بقيت (هـ) هذه من خصائص هذا الاسم العظيم.
الآن لو أنّ الكافر قال: " لا إله إلا هو " لم يصح إسلامه, و لا يصح إسلامه إلا إذا قال " لا إله إلا الله " لأنه إذا قال الأولى: قد يُضمر معبوده الوثني فيجب أن يقول " لا إله إلا الله " إذن الله اسم الذات الأعظم والله سبحانه وتعالى قال:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية: 19)
لم يقل: " لا إله إلا هو " قال الله:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ﴾
( سورة محمد الآية: 19)
وقال عليه الصلاة والسلام:
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
( أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر في الصحيح )
3- قدسية هذا الاسم وشرفه من بين أسمائه:
الحجة الثالثة: بأن كلمة الله هي اسم الله الأعظم قوله تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 91)
فإن الله أمر عبده بالإعراض عن كل ما سِوى الله, والإقبال بالكلية على عبادته, وذكر هذا الاسم فدلّ على أن هذا الاسم أشرف الأسماء كلها, أحياناً يشتد النقاش حول الدنيا وحول موضوعات كثيرة نقاشات ومحاورات ومشاحنات وحظوظ وأهواء ومصالح واتجاهات وانقسامات فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾
( سورة الأنعام الآية: 91)
أي كل ما سِوى الله لهوٌ باطل قال الله:
﴿ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾
( سورة الأنعام الآية: 91)
والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾
( سورة النمل الآية: 79)
من خصائص هذا الاسم اسم الذات الأعظم: أن كل اسم إذا دخل عليه النداء أسقطت عنه الألف واللام, تقول: يا رحمن, يا رحيم فلا تقول: يا الرحمن يا الرحيم, إلا اسم الله الأعظم تقول: " يا الله " فالألف واللام في هذا الاسم صار كالجزء الذاتي منه فلا جرم أنه لا يسقط حالة النداء وفيه إشارة لطيفة، وذلك أن الألف واللام للتعريف فعدم سقوطهما عن هذا الاسم يدل على أن هذا التعريف لا يزول عنه أبداً، قال له: يا إمام, متى كان الله ؟ أجابه: ومتى لم يكن ؟! قال: الألف واللام " ألف التعريف ولام التعريف " لا تقطعان عن هذا الاسم إطلاقاً لأنه إذا ظهر في الوجود ظهر في كل شيء وما خلا منه شيء.
4- عجز العقل البشري معرفة كنه هذا الاسم:
الحجة الرابعة: أن الأصح عند أكثر العلماء أن كنه هذا الاسم لا سبيل للعقل إلى معرفة كيفية اشتقاقه, وثبت أن كنه الحق سبحانه وتعالى لا سبيل للعقل إلى معرفته, أي أن ذات الله لا يستطيع أحد أن يعرفها وأن يعرف كنها, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
" تفكروا في خلق الله ولاتفكروا في ذاته فتهلكوا ", إذن هذا هو الاسم الأعظم الذي يأخذ خصائص الذات الإلهية.
5- يعد أول آية في القرآن الكريم:
الحجة الخامسة: أن أول آية في القرآن الكريم هي قوله تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم " على قول بعض العلماء، وعلى قول الباقين هي قوله تعالى: " الحمد لله رب العالمين " وهذا الاسم الأعظم مذكور في هاتين الآيتين اللتين تعدان أول آيتين في كتاب الله.
6- يعد آخر اسم من الأسماء المذكورة في القرآن الكريم :
الحجة السادسة: كما أنه أول الأسماء المذكورة في القرآن الكريم, فذلك هو آخر الأسماء المذكورة في القرآن الكريم:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾
( سورة الناس الآية: 1-3)
آخر اسم ورد في كتاب الله, قال الله:
﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾
( سورة الناس الآية: 3)
7- شمولية هذا الاسم:
الحجة السابعة: أن لفظ الإله على قول كثير من العلماء مشتق من العبادة على ما سيأتي بيانه، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون هذا الاسم أعظم الأسماء لأن العبادة غاية التواضع والخضوع, وذلك لا يحسن إلا إذا كان المعبود في غاية الجلالة والعظمة، وجّه بعض العلماء على أنَّ هذا الاسم مشتق من العبادة والذي يستحق العبادة وتمام الخضوع لاشك أنه في غاية الكمالات كلها، إذن كأن اسم الله جل وعلا جمع كل المحامد، وجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العظمى, هذا من قبيل الحديث على أن الله سبحانه وتعالى اسم الله الأعظم.