كان في قديم الزمان ، ملك يسمى ((يونان)) وقد أصيب بالبرص ، وإحتار الإطباء في علاجه ، ولم ينفع معه لا شرب أدوية ولا سفوف ولادهان . ثم جاء الى المملكة الحكيم ((رويان)) ، وكان عارفا بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية ، وعلم الطيب والنجوم وعالما بأصول حكمتها وقواعد أمورها ، والنباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافعة .
سمع ذلك الحكيم عن مرض الملك ، فقال :
- يمكنني أن أشفيك دون أن أسقيك دواء ولا أدهنك بدهان .
فصنع له ((صولجان)) مغموسا في الدواء النافع لهذا المرض ، وطلب منه أن يمسك بالصولجان ويدق الكرة وهو يجري بالصحان.
ففعل الملك حتى عرقت يده ، فسرى الدواء في عرق جسده كله إلى لون صافي .
فرح الملك بالحكيم رويان وأعطاه من المال الكثير ، وقربه إليه وأجلسه بجانبه . لكن الوزير - كان حسودا بغيضا - استكثر هذا على الحكيم .
فقال الملك :
-- لقد قالت الحكماء من لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب وقد قربت إليك عدوك .
- ومن هو عدوي ؟؟
- الحكيم رويان .
- كيف وقد شفاني وعفاني من المرض الذي لم يقدر عليه أحد سواه .
- إنه يا مولاي قد شفاك من المرض بشيء أمسكته بيدك ، فلا تأمن من أن يهلك بشيء تمسكه أيضا .
فتأثر الملك من كلام الوزير الشرير ، فقال :
- صدقتك فقد يكون كما ذكرت ، فعله جاسوسا جاء في طلب هلاكي ، وقد يهلكني بشيء أمسكه .
فسعد الوزير أن رأى الملك وقد استجاب له ، فقال مسرعا :
- أطلبه يا مولاي الآن واقتله قبل أن يقتلك .
فتعجب الحكيم رويان وقال :
- لماذا تقتلني ، وأي دنب فعلت ؟؟
- قيل لي إنك جاسوس ، وإنك أتيت الى مملكتي لتقتلني .
ثم نادى على السياف :
- اضري عنق هذا الغدار وأرحنا منه .
- لا تقتلني ، أٍجوك .
- إنني لا آمن على نفسي إن تركتك .
- هذا جزائي منك ، تقابل المليح بالقبيح ؟؟
حاول بعض الحاضرين أن يطلب العفو للحكيم ، خاصة بعد أن رأوه يبكي ، لكن الملك أصر على قتله فعندماأحس الحكيمأنه مقتول لا محالة ، قال :
- أيها الملك ، إنكان لابد من قتلي ، أمهلني حتى أنزل إلى داري فاخلص نفسي ، وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني ، وأهب كتب الطب ، وعندي كتاب خاص أهديه إليك هدية تدخره في خزانتك .
- وما هذا الكتاب ؟
- به أشياء كثيرة ، أقل ما فيه إنك قتلتني وعددت ثلاث صفحات ، ثم تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك ، فإن الرأس تكلمك وتجاوبك جميع ما سألتها عنه .
فتعجب الملك و أهتز من الطرب وقال له :
- هل إذا قطعت رأسك ، تكلمت ؟
- نعم أيها الملك .
في اليوم التالي جاء الحكيم إلى الديوان وطلعت الأمراء والوزراء و الحجاب وأرباب الدولة جميعا ، وصار الديوان كزهر البستان ، وإذا بالحكيم يدخل الديوان ومعه كتاب عتيق ومحبرة فيها سائل يستخدم في لصق الأشياء وجلس وقال :
- أتوني بطبق .
فأتوه بطبق فسكب فيه السائل الأسود وقال :
- أيها الملك ، خذ هذا الكتاب ، وافتح صفحاته ،ثم أقطع رقبتي وامر بكبسها على ذلك السائل الأسود ، فستلتصق بالطبق ، فإذا فعل ذلك فإن دمها ينقطع .
حاول الملك أن يفتح الكتاب ، فوجده ملصوقا ، فحط أصبعه في فمه وعمل ريقته وفتح أول ورقة والثانية والثالثة ، والورق ينفتح إلى بجهد ، ففتح الملك ستة أوراق ونظر فيها فلم يجد فيها كتابة ، فقال الملك :
- أيها الحكيم ما فيه شيء مكتوب .
فقال الحكيم :
- افتح زيادة على ذلك .
ففتح ثلاثة آخرين ، فما كان إلا قليل من الزمان إلا والدواء حاق فيه لوقته وساعته ، فقد كان الكتاب مسموما .
سقط الملك من وقته ميتا .
يمنع نقل الموضوع دون وضع المصدر
منتديات انور ابو البصل الاسلامي