بسم الله الرحمن الرحيم
المدخل إلى دراسة العقيدة الإسلامية
الفصل الأول
العقيدة الإسلامية
1- أسماؤها .
2- موضوعاتها .
3- أهمية دراستها .
4- مصادرها .
5- علاقة العقيدة بالعقل والفطرة .
العقيدة الإسلامية
إن أشرف العلوم على الإطلاق ، العلم بالله . لأن شرف العلم مبني على شرف المعلوم ،
والله تعالى أشرف معلوم ، فالعلم به ، إذاً ، أشرف العلوم . وهو أفضل ما أدركته العقول ،
وانطوت عليه القلوب . وتحصيل هذا العلم الشريف من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ،
ولهذا أمر الله به قبل القول والعمل،
فقال : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ).
قال ابن أبي العز الحنفي-رحمه الله- في مقدمة شرحه للعقيدة الطحاوية:
(
وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع . ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة ، رحمه الله ،
ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين " الفقه الأكبر" . وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة ،
وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة ، لأنه لا حياة للقلوب ، ولا نعيم ، ولا طمأنينة ، إلا أن تعرف ربها،
ومعبودها، وفاطرها، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه ،
ويكون سعيها فيما يقربها إليه ، دون غيره من سائر خلقه ).
أسماؤها :
يسمى هذا العلم الشريف ، لدى السلف ، بأسماء متعددة ، منها :
1- العقيدة ، أو الاعتقاد :
والعقد لغةً : الربط والجزم . واصطلاحاً : حكم الذهن الجازم .
وأصله مأخوذ من عَقَد الحبل إذا ربطه ، ثم استعمل في عقيدة القلب وتصميمه الجازم .
ومن شواهد هذه التسمية في مصنفات السلف :
- اعتقاد أهل السنة . لأبي بكر الإسماعيلي (277-371 ) .
- الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد . للبيهقي (384-458) .
- لمعة الاعتقاد . لموفق الدين ابن قدامة (541-620 ) .
2- السنة :
وهي لغةً : السيرة والطريقة . واصطلاحاً :
ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتقادات ، والأقوال ، والأعمال .
ثم اختصت عند السلف المتقدمين بالاعتقادات ، السالمة من البدع والشبهات .
ومن شواهد هذه التسمية في مصنفاتهم :
- كتاب السنة . لأبي بكر الأثرم ( ت 273 ) .
- كتاب السنة . لعبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل (213-290 ) .
- كتاب السنة . لأبي أحمد الاصبهاني العسال (269-349 ) .
3- الإيمان : وهو لغةً : التصديق . واصطلاحاً :
التصديق القلبي بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره .
هكذا عرفه النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن عرَّف الإسلام بالأعمال الظاهرة .
وعند الإطلاق : قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان . ومن شواهد هذه التسمية :
- كتاب الإيمان . للإمام أحمد بن حنبل (164-241) .
- كتاب الإيمان . لأبي بكر بن أبي شيبة (195-235) .
- كتاب الإيمان . لمحمد بن إسحاق بن منده (310-395) .
4- الأصول :
الأصل لغةً : ما يبنى عليه غيره ، كأصل الجدار ، وأصل الشجرة. واصطلاحاً :
الاعتقادات العلمية التي تبنى عليها العبادات العملية .
ومن شواهد التصنيف بهذه التسمية :
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة .لأبي القاسم اللالكائي (ت 418) .
- كتاب الأصول . لأبي عمرو الطلمنكي (340-429) .
- الفصول في أصول الدين . لأبي عثمان الصابوني (373-449) .
5- التوحيد :
لغةً : جعل الشيء واحداً . واصطلاحاً: اعتقاد وحدانية الله تعالى في ذاته، وصفاته،
وأفعاله، ليس كمثله شيء ، وإفراده بالعبادة . ومن شواهد التصنيف :
- كتاب التوحيد . لمحمد بن يحي بن منده ( ت 301) .
- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب . لأبي بكر ابن خزيمة (223-311) .
- كتاب التوحيد . لمحمد بن إسحاق بن منده (310-395) .
ويطلق بعض الناس مسميات باطلة على هذا العلم الشريف ، مثل :
1- الفلسفة : وهي كلمة يونانية ، مركبة من مقطعين : ( فيلو ) أي محبة، و ( صوفيا)
أي حكمة . فالفلسفة عبارة عن محاولات بشرية للوصول إلى الحقيقة ، عن طريق التأمل العقلي ،
دون الاهتداء بالوحي المنزل على الأنبياء .
2- علم الكلام : هو محاولة إثبات العقائد الدينية ، بالطرق العقلية ، القائمة على المنطق الأرسطي ـ
نسبة إلى الفيلسوف اليوناني (أرسطو) ـ وليس بالأدلة الشرعية .
وقد ذم السلف علم الكلام ، حتى قال الإمام أحمد : ( لا يفلح صاحب كلام أبداً ) ،
وقال الشافعي : ( حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ،
ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على علم الكلام ) .
فهو علم دخيل على الأمة الإسلامية ، أدى إلى وقوع كثير من الخلل والانحراف لدى المشتغلين به ،
فأفنوا أعمارهم ، وضيعوا أوقاتهم ، ولم يظفروا إلا بالندم . وقد عبر عن ذلك أحد أساطينهم ، فقال :
نهاية إقدام العقول عقـــال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذىً ووبــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً،
ورأيت أقرب الطرق طريقة القرءان...ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي
3- الفكر الإسلامي :
العقيدة الإسلامية ليست فكراً ، بل هي وحي يوحى .
والفكر نتاج عقول البشر،يحتمل الصواب والخطأ،ويخضع للنقاش والنقد، لكونه غير معصوم .
4- التصور الإسلامي : التصور ، أيضاً ، مبناه على الفكر والخيال ، القابل للخطأ ،
بخلاف
العقيدة المحفوظة المعصومة من الزيغ والضلال .
5- الأيديولوجية الإسلامية : وهي بمعنى الفكرة الإسلامية ، أيضاً .
وإلى جانب ذلك هي كلمة أجنبية لا يليق أن تضاف إلى الإسلام، أو يستعاض بها عن الألفاظ الشرعية .
موضوعات العقيدة :
تتناول دراسة العقيدة الإسلامية أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله ،وملائكته وكتبه، ورسله،
واليوم الآخر، والقدر ؛ خيره وشره . وما تفرع عن هذه الأصول من مسائل ، وردود على المنحرفين ،
في قضايا الصفات الربانية ، والقرءان ، والقدر ، وما يلتحق بها من مسائل الإيمان ، والكفر ، والشرك ،
والنفاق ، والكلام على الصحابة ، وكرامات الأولياء ، والسحر ، والبدعة ، ونحوها .
أهمية دراسة العقيدة :
تظهر أهمية دراسة العقيدة الإسلامية من خلال الأمور التالية :
1- أن العقيدة أصل الدين ، وأساس دعوة المرسلين . قال تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:25) .
2- أن العقيدة الصحيحة شرط لصحة الأعمال وقبولها.قال تعالى
(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
(البقرة:112).
وفسادها سبب لردها في الدنيا ، وحبوطها في الآخرة .قال تعالى :
(وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)(التوبة: من الآية54) ،
وقال :
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان:23) .
3- أن العقيدة الصحيحة سبب لسعادة الدنيا والآخرة . قال تعالى :
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
(النحل:97) .
كما أن الإعراض عنها سبب للشقاء في الدنيا والآخرة . قال تعالى :
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124) .
4- أن العقيدة الصحيحة عصمة للدم والمال ، وفسادها يوجب إهدارهما . قال صلى الله عليه وسلم :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا
فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله ) متفق عليه .
5- أن العقيدة الصحيحة شرط لحصول النصر والتمكين للأمة ، وتحقيق الأمن الاجتماعي . قال تعالى :
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ) (النور:55) .
6- أن العقيدة الصحيحة تحرر العقل من الشبهات الفاسدة ، والخرافات السخيفة ، قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174) ، وتمنحه القناعة التامة، والاطراد
العقلي، السالم من التناقض والخلل، قال تعالى :
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .
وفقدان هذه العقيدة يورث القلق والحيرة ، كما عبر عن ذلك أحد الشعراء الضالين ، فقال :
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت
أ صحيح أن بعد الموت بعث ونشور؟ فحياة ، فخلود ، أم فناء ، فدثور ؟!
أ كلام الناس صدق، أم كلام الناس زور؟
أ صحيح أن بعض الناس يدري ؟؟ لست أدري ! ولماذا لست أدري ؟
لســــــــــت أدري !!! أما المؤمن فإنه يدري من أين جاء، وإلى أين يسير، وكيف يسير، وما مصير المسير. وقلبه ، في أثناء ذلك ، بالإيمان
معمور ، وبالسعادة مغمور . قال بعض الصالحين :
( إنه ليمر بي الأوقات أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب) .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .
مصادر العقيدة الإسلامية :
تستمد العقيدة الإسلامية من ثلاثة مصادر :
أولاً : الكتاب :
فقد شغلت آيات الاعتقاد حيزاً كبيراً من القرءان العظيم ، لا سيما المكي منه . بل لا تكاد آية من آياته ،
حتى آيات الأحكام ، تخلو من رابط عقدي ، يذكِّر المؤمن بأصل اعتقاده الذي يعينه على الامتثال ،
كقوله في آية نشوز
النساء : فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)(النساء: من الآية34) .
وقد تنوعت طريقة القرءان في تقرير العقيدة ، فمن ذلك :
1- التقرير المباشر : كقوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) .
2- إبطال العقائد الفاسدة : كقوله : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30) .
3- القصص القرءاني : كقصص الأنبياء مع أقوامهم ، ومجادلتهم . وهذا كثير .
4- ضرب الأمثال المقرِّبة : كقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا
رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم:28) .
5- استثارة العقل للتفكر والتدبر : كقوله : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ
وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101) ،
وقوله:
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى
وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سـبأ:46)
ثانياً : السنة :
فالسنة تفسر القرءان، وتبيِّنُه، وتدل عليه، وتعبر عنه، وتزيد عليه . قال تعالى :
( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: من الآية44) ،
وقال :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ )(النساء: من الآية170) .
والسنة النبوية زاخرة بالأحاديث المتعلقة بالعقائد،حتى أفردها جمع من السلف المتقدمين بالتصنيف .
ثالثاً : الإجماع
:
وهو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه ، ويحتج به . قال تعالى :
(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً )
(النساء:115) .
علاقة العقيدة بالعقل والفطرة
:
وإلى جانب هذه الأصول الثلاثة، فإن العقيدة الإسلامية لا تتعارض مع العقل الصريح السالم من
الشبهات والشهوات ، وإن كان العقل لا يستقل بإثبات جميع مفردات العقيدة ، لكنه لا يُحيلها ،
بخلاف العقائد الباطلة ؛ فإن العقل الصريح يأباها ، ويرفضها ، كدعوى أهل التثليث من النصارى أنهم موحدون ،
وقولهم : (وحدة في تثليث ، وتثليث في وحدة ) !!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : (كل ما يدل عليه الكتاب
والسنة فإنه موافق لصريح المعقول ، وإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح )مجموع الفتاوى : 12/80 ،
وقال عن العقل : ( إن اتصل به نور الإيمان والقرءان ، كان كنور العين ، إذا اتصل به نور الشمس والنار .
وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها ) مجموع الفتاوى : 3/339 .
ولهذا جاء الحث في القرءان على التدبر، والتعقل، والنظر ، والثناء على أولي الألباب ، وذم الغافلين .
كما أن العقيدة الإسلامية موافقة للفطرة الأصلية ، المغروسة في الضمير من غير سبق تفكير أو تعليم ،
قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما
تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء،
ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.)
البخاري ومسلم في صحيحيهما
وهذه العقيدة الصحيحة ، المبنية على النص والدليل ، الموافقة للعقل والفطرة،
هي عقيدة " أهل السنة والجماعة " ، التي عليها الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم بإحسان ،
إلى يومنا هذا ، إلى قيام الساعة . تكفل الله بحفظها ، وقيض لها من يدعو إليها ، ويذِبُّ عنها ،
ويجدد ما اندرس منها ، مصداقاً لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) .