بســم الله الـرحمــن الرحيــم
موقف للأسف يتكرر كثيرًا في الدعوة إلى الله عز وجل، وربما لا نشعر بتكراره، فنحن نفعله دون أن نشعر ولا حتى نقصد!!
عندما يركز الداعي مع شخص معين حتى يجعله يتوب من معصية ما، فيظل يدعوه إلى الهدى ويبذل قصارى جهده حتى يوضح له ذنبه، وربما يبذل ماله في شراء كتيبات وإسطوانات وغيره .. ويسهر الليالي يحضّر ما سيقول لهذا المسلم غدًا وهكذا...
إلى أن تأتي البشرى أن ذاك الشخص الحمد لله تاب وترك المعصية، فيفرح الداعية أن الله منّ عليه بتوبة أحد المسلمين على يده وأنه قد رأى ثمرة تعبه وسهره تلك الليالي .. وما أجمله من شعور ...
ولكن بعد أيام .. شهور .. يجد الشخص قد عاد للذنب مرة أخرى وربما تكررت توبته وعودته للذنب من حين لآخر .. ويظل الإنسان يُخفي معاصيه حياءً أنه يذل ويقع كل حين ولا يستطيع الثبات على الهداية ... فما هو موقف الداعية الآن؟؟
يبدأ يقسو على هذا المذنب .. يذكّره كم مرة وقع في نفس الذنب .. وربما يجعله ييأس من نفسه دون أن يشعر ...
يجعله يستصعب التوبة أكثر فلا أمل منه .. كيف يتقبل الله من أذنب مرات ومرات نفس الذنب دون جدوى .. يشعر بحقارة نفسه وكم هو ضعيف وبلا إرادة .. وكل هذا من قسوة الداعي ... فرفقًا بالمذنبين ...
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مؤمن إلا و له ذنب ، يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه، حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا، توابا، نسيا، إذا ذُكر ذكر" [صححه الألباني]، عبد له ذنب يعتاده ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مؤمن، لماذا؟؟ لأنه إذا ذُكّر ذكر، فلا تكن عونًا للشيطان على أخيك المسلم وتجعله ييأس من رحمة الله ومن التغيير بل ذكّره بالله تعالى، فهو الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما يحكي عن ربه عز وجل قال " أذنب عبد ذنبا . فقال : اللهم ! اغفر لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنبا ، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ بالذنب . ثم عاد فأذنب . فقال : أي رب ! اغفر لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبا . فعلم أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ بالذنب . ثم عاد فأذنب فقال : أي رب ! اغفر لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنبا . فعلم أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ بالذنب . اعمل ما شئت فقد غفرت لك " . قال عبدالأعلى : لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة " اعمل ما شئت " [صحيح مسلم].
فربما ذنبه هذا كان سببًا لرضا الله عنه في لحظات انكساره وتوبته الصادقة، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله تعالى، فلا تجعل نفسك حَكمًا على الناس ورقيبًا عليهم من أذنب وكم مرة وهل هو صادق أم لا ... وظيفتنا فقط هي الدعوة بالحسنى والدعاء لكل مذنب بالهداية ..
ولا ننسى قول الله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٧٠﴾ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّـهِ مَتَابًا ﴿٧١﴾} [الفرقان:70-71]
فلنحذر أن نكون سببًا لليأس من التوبة والثبات، فلنحذر أن ننفّر الناس من الدين ونحن لا نقصد، ولنتعامل بكل رفق ولين مع المذنبين ودائما نذكرهم برحمة الله تعالى ومغفرته للذنوب، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة وعديدة ... فمن منا لا يُذنب .. وإن كنا لا نقع في نفس الذنب مرارًا فهذا من فضل الله تعالى علينا وليس من أنفسنا .. فلنحمد الله تعالى على نعمة المعافاة من الوقوع في نفس الذنب ونرفق بالمذنبين التائبين لعل الله يهديهم ويثبتهم ..
جعلنا الله تعالى ممن يدعون إليه على هدى وبصيرة ورزقنا السداد والرشاد في القول والعمل
وهدى الله تعالى كل مسلم ومسلمة لطريق الحق وغفر لنا أجمعين