دخلت زوجة سيدنا عمر بن عبد العزيز عليه في غرفته فرأته في مصلاه يبكي، سيدنا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، قالت له ما يبكيك ؟ قال: دعيني وشأني، فألَّحتْ عليه ثانية وثالثة، فقال: دعيني وشأني، فلما ألحت عليه قال: فكرتُ في المريض، والفقير، والأرملة، والمسكين، والشيخ الفاني، وذي العيال الكثير، وذَكَر لها أكثر من ثلاثين نوعًا من حالات مأساوية اجتماعية، فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي، ولهذا أبكي.
قال سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ:
((والله لو تعثرت بغلةٌ في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟))
لأنه مؤمن باليوم الآخر، ولما قال سيدنا عمر لعبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما: امضِ بنا نحرس هذه القافلة، مَن هما ؟لأنه عمل صالح، له ثوابه عند الله تعالى. وحين بكى طفل صغير، قام عمر إلى أمه، وقال لها: أرضعيه، فأرضعته، وبعد حين بكى، فقال أرضعيه، فأرضعته،ثم بكى، فذهب وقال لها: يا أَمَةَ السوء أرضعيه، قالت: ما شأنك بنا ! إنني أفطمه، قال: ولمَ , قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام ـ تعويض العائلي ـ يروى أن عمر بن الخطاب ضرب جبهته، وقال: ويحك يا ابن الخطاب، كم قتلت مِن أطفال المسلمين ؟ لأنه جعل التعويض العائلي عقب الفطام، لا عقب الولادة.
فكل أم تتمنى أن تأخذ التعويض العائلي فتحمل ابنها على الفطام قبل أوانه، فقال: ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين ؟ وصلى الفجر بأصحابه، ولم يعرف أصحابه ماذا قرأ من شدة بكائه ؟ كان يقول عقِب صلاته: يا رب هل قَبلتَ توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها، لقد فعَل هذا كلَّه لأنه مؤمن باليوم الآخر .