الاستقامة أساس، ومِن باب التمثيل، والأمثلة توضِّح، فمثلاً لديك مستودع، والمستودع هو الاستقامة، املأْه بسائل ثمينٍ، هذا عمل صالح، أما مستودع بدون قعر، وصُبّ هذا السائلُ الزئبقي الثمين فهذا عمل أحمق، فقد ذهب هدراً، أما إذا كان المستودع محكماً فلو ألقيت فيه لتراً واحداً أو لترين، أو أكثر فهذا القدْر محفوظ بتمامه. فلذلك دعوتنا استقامة تامة وعمل صالح بقدر المستطاع، قال تعالى:
﴿ لاً يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاً وُسْعَهَا لَهَا ﴾
[ سورة البقرة: 286 ]
لكن الاستقامة لا بد أنْ تكون تامة، فمن رضي بانحراف طفيف فهذا الانحراف كما تعلمون لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، الصغيرة تشبه مَن يركب مركبته، ويسير بها على طريق طويل مستقيم، على جانبه وادٍ سحيق، انحرف المقود سنتيمتراً واحداً، لو ثبت على هذا الانحراف الطفيف لألقاه في الوادي، لكن لماذا سُمّيتْ صغيرة؟ لأن السنتيمتر تصحيحه سهل جداً، يحتاج إلى ضغط أقل من غرامين لكي ترجعه، أما الكبيرة كانحراف تسعين درجة فجأة، فالصغيرة إذا ثبتت انقلبت إلى كبيرة من حيث النتائج، لأنها نقلتك إلى الوادي السحيق مع مسافة قصيرة.
إذاً ليس في الاستقامة حل وسط، الاستقامة قطعية، أما العمل الصالح فهو نسبي، يمكن أنْ تتصدّق بألف، بارك الله فيك، بألفين، بارك الله، بخمسة آلاف، بارك الله، بمئة ألف، بارك الله، بمليون، بارك الله، لكن هذه الصدقة مبنية على مستودع محكم وهو الاستقامة، أما مستودع مِن دون قعر فالأْلف مثل الخمسة آلاف مثل المليون، ضاعتْ ولا أثرَ لها.
البند الثاني إذاً العمل بشقّيه السلبي والإيجابي، السلبي الاستقامة، الإيجابي العمل الصالح، قال تعالى:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾