نحب الصالحين
الادارة العليا
عدد المساهمات : 1712 تاريخ التسجيل : 16/03/2013 العمر : 45 الموقع : تونس
| موضوع: من سير الأئمــة أعــلام الأمـــة ( المعاصرين ) : الإمام محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي الإثنين 27 مايو 2013, 8:15 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
سنبدأ هذه السلسلة المباركة بالتعريف بأئمــة الإسـلام (المعاصرين) عبر تراجم مختصرة وإلّا فالكلام عن أحدهم يحتاج إلى سنين من العمل المضني
ونبدأها بعلم الأعلام وشيخ الإســلام الإمام العلامة المتقن المتفنن محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي
قال عنه الشيخ بكر أبو زيد : إن كان هناك من يستحق لقب شيخ الإسلام في هذا العصر ، فهو الشيخ محمد الأمين .
وقال عنه مفتي الديا السعودية الشيخ - محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله :ملئ الشيخ محمد الأمين علما من رأسه إلى أخمص قدميه .
كان - بالإضافة إلى تبحره في علم الشريعة - من كبار أئمة اللغة العربية ، بحيث أنه قيل عنه :إذا قال الشيخ محمد الأمين في اللغة لا أعرفه فلا تـُتعب نفسك .
وكان أيضا من أئمة النحو الذين بلغوا شأوا عظيما .
ومن يستمع إلى أشرطته في - المسجد النبوي - في تفسير القرآن الكريم يتعجب من سرده العظيم لمختلف العلوم / فقه ، حديث ، أصول ، لغة ، نحو ، بلاغة ، تاريخ ، منطق ....
سمعت الشيخ الألباني رحمه الله يقول عنه في أحد أشرطته : ( كنت إذا حضرت دروسه اتذكر ابن تيمية ) اسمه ونسبه : هو محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي ، ولد رحمه الله بالقطر المسمى شنقيط وقبيلة شنقيط ترجع الى قبيلة حمير فيدولة موريتانيا ، وكان مولده في عام 1325هـ / 1905م .
نشأته وطلبه للعلم : نشأ رحمه الله يتيمـًا فقد توفي أبوه وهو صغير يقرأ في جزء " عم " فنشأ في بيت أخواله ، وكان بيت علم ، فحفظ القرآن على يد خاله ، وعمره عشر سنوات ، وتعلم رسم المصحف على يد ابن خاله ، وقرأ عليه كذلك التجويد . وأخذ الأدب وعلوم اللغة على يد زوجة خاله ، فكانت مدرسته الأولى بيت خالته ، فنعم البيت كان . أما بقية الفنون فتعلم الفقه المالكي وهو السائد في بلاده ، فدرس مختصر خليل على يد الشيخ محمد بن صالح إلى قسم العبادات ، ثم درس عليه أيضـًا ألفية بن مالك ، ثم أخذ بقية العلوم على مشايخ متعددين ، وكلهم من الجكنيين ، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ ، وكانت معروفة بالعلم حتى قيل:" العلم جكني " وكانت الطريقة المعهودة في بلاده هي أن يبدأ الطالب بفن واحد من الفنون ، ويبدا بكتابة المتن في اللوح الخشبي فيكتب قدر ما يستطيع حفظه ، ثم يمحوه ثم يكتب قدرًا أخر ، غير أنه ـ رحمه الله ـ تميز في طلب العلم فألزمه بعض مشايخه بأن يقرن بين كل فنين ، حرصـًا على سرعة تحصيله ، وقد انشغل ـ رحمه الله بطلب العلم حتى تأخر في الزواج ، ولما كلمه البعض في أمر الزواج رد عليهم قائلاً :
فقلت لهم دعونـي إن قلبـي من الغي الصراع اليوم صاح
أعماله وجهـوده في نشر العلم قبل قدوم المملكة : كانت أعماله ـ رحمه الله ـ كعمل غيره من العلماء : الدرس والفتيا ، واشتهر ـ رحمه الله ـ بالقضاء وبالفراسة فيه ، وقد كان الناس يفدون إليه من أماكن بعيدة ، وكان عضوًا في لجنة الدماء التي تعرض عليها أحكام القصاص من القتلى والتي كانت تتكون من عضوين للتصديق على أحكام الحاكم الفرنسي .
أخلاقــه : أما عن أخلاق الشيخ ـ رحمه الله ـ فحدث ولا حرج ، فهو آية في أخلاقه ، كرمه ، وعفته ، وشجاعته ، وزهده ، وترفُّع نفسه ، فهو صاحب ميزة فيها يقول تليمذه الشيخ عطية محمد سالم : فهذا ما يستحق أن يفرد بحديث وإني لا أستطيع إلا تصويره ولا يسعني في هذا الوقت تفصيله . لم تكن الدنيا تساوي شيئـًا عنده ، وكان غير مكترث بها ، على طول فترة إقامته بالمملكة لم يطلب عطاء ولا راتبـًا ولا ترفيعـًا لمرتبه ، ولا حصولاً على مكافأة ، ولكن ما جاء من غير سؤال أخذه ، وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه لنسفه ؛ بل يوزعه على غيره كما يقول الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ : كان كثير التغاضي عن أمور تخصه هو ، وتتعلق بنفسه فإن سئل عن ذلك تمثل قول الشاعر :
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
تواضعــه : أما عن تواضعه فقل إنه صاحبه ، كان إذا سئل مسألة في أخريات حياته ، تباعد عن الفتيا ، فإذا اضطر قال : لا أتحمل في ذمتي شيئـًا العلماء يقولون كذا ، وكذا . يقول الشيخ عطية محمد سالم : سألته مرة عن ذلك ـ أي تحفظه في الفتيا ـ فقال : إن الإنسان في عافية ما لم يبتلى ، والسؤال ابتلاء ، لأنك تقول عن الله ولا تدري أتصيب حكم الله أم لا ، فما لم يكن عليه نص قاطع ـ من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وجب التحفظ فيه ويتمثل بقول الشاعر :
إذا ما قتلت الشيء علمـًا فقل به ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
فمن كان يهوى أن يرى متصــــدرًا ويكـــره لا أدري أصيــــب مقاتــله
ألا ليت شعري ألا يتأمل المتعجلون في الفتوى لمثل هذا ، ألا يرحم ناشئة طلاب العلم أنفسهم والناس من الفتاوى السريعة ، والأجوبة الجاهزة ، والأحكام الجريئة . بل وأعجب من هذا كله أنه كان يردد على مسامع تلامذته " صار أمثالنا علماء لما مات العلماء " وكأنه كان يعلم تلامذته الإقلال من الفتوى ، والتثبت من العلم .
جهود الشيخ الدعوية في المملكة : خرج الشيخ في رحلته إلى الحج والتي ألف فيها كتابـًا خاصـًا احتوى على نكات فقهية ودروس علمية ومحاورات أدبية ، وقد كانت نيته الحج ولم يكن في خلده أن يقيم بالمملكة ، ولكنه أراد أمرًا وأراد الله خيرًا وفيرًا ، فمكث الشيخ في المملكة واستقر به المقام في المدينة المنورة ورغب ـ رحمه الله ـ في هذا الجوار الكريم ، وقام بتفسير القرآن مرتين وتوفي ـ رحمه الله ـ ولم يكمل الثالثة . وفي سنة 1370 هـ افتُتح معهد علمي بالرياض وكلية للشريعة وأخرى للغة ، واختير الشيخ للتدريس بالمعهد والكليتين فتولى تدريس التفسير والأصول إلى سنة 1381هـ . ومكث الشيخ بالرياض عشر سنوات وكان يقضي الإجازة بالمدينة ليكمل التفسير ، وكان ـ رحمه الله ـ يدرس في مسجد الشيخ محمد آل الشيخ في الأصول ،كما كان يخص بعض الطلاب بدرس آخر في بيته ، وقد كان بيته أشبه بمدرسة يؤمها الصغير والكبير والقريب والبعيد . ولما أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كان الشيخ ـ رحمه الله ـ علمـًا من أعلامها ووتدًا من أوتادها ، يرجع إليه طلابها كما يرجع إليه شيوخها ، وفي سنة 1386هـ افتتح معهد القضاء العالي بالرياض فكان الشيخ يذهب لإلقاء المحاضرات المطلوبة في التفسير والأصول . ولما شكلت هيئة كبار العلماء ، كان ـ رحمه الله ـ عضوًا من أعضائها ، وكان رئيسـًا لإحدى دوراتها . كما كان ـ رحمه الله ـ عضوًا في رابطة العالم الإسلامي .
مؤلفاته : خاض الشيخ ـ رحمه الله ـ غمار التأليف منذ نعومة أظفاره ، فألف وهو في بلاده : 1- نظمـًا في أنساب العرب .. وكان ذلك قبل البلوغ . 2- رجزًا في فروع مذهب مالك . 3- ألفية في المنطق . 4- نظمـًا في الفرائض . وهذه المؤلفات الأربعة مازالت مخطوطة وألف في بلاد الحجاز : 1- منع المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز . 2- دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب . 3- مذكرة الأصول على روضة الناظر . 4- آداب البحث والمناظرة . 5- أضواء البيان لتفسير القرآن بالقرآن . كما أن هناك العديد من المحاضرات .
وفاته : توفي ـ رحمه الله ـ ضحى يوم الخميس 17 من ذي الحجة 1393هـ بمكة المكرمة مرجعه من الحج ودفن بمقبرة المعلاة بريع الحجون في مكة ـ رحمه الله ـ وجمعنا به في مستقر رحمته يوم القيامة .
تلامذته :
الامام ابن باز والامام ابن عثيمين والعلامة سالم عطية والعلامة بكر ابوزيد والعلامة حمود الشعيبي والعلامة عبدالرحمن البراك والعلامة حماد الانصاري
كتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن : يقع هذا الكتاب في سبعة أجزاء ، وصل فيها الشيخ إلى قوله تعالى في سورة المجادلة : ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )(المجادلة/22) ووافقه المنية ، فأكمل التفسير من بعده تلميذه الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ . الشيخ والشعـر :
وقال ابنه عبد الله : وجدت شعرًا لأبي عند أحد الناس فأردت حفظه ، فقال لي : استأذن أباك ، فاستأذنته فزجرني بشدة ، ونهاني عن تعلمه ونسبته إليه . وحدث أن قدم يومـًا ـ رحمه الله ـ وهو في مقتبل شبابه ، ولم يكن يعرفه فسأله من يكون فأجاب الشيخ ـ رحمه الله ـ مرتجلاً :
هذا فتى من بني جاكاني قد نــزلا=به الصبا عن لسان العــرب قد عدلا
رمت به همــــة عليــاء نحــــوكـــم=إذ شام برق علوم نـــــوره اشتـعـلا
فجـاء يرجو ركامــــًا من سحائبـــــه=تكســو لسان الفتـى أزهـــاره حللا
إذا ضــــاق ذرعـًا بجهل النحو ثم أبا=ألا يمــــيـز شكل العيـن من فــعــلا
قد أتـى اليـوم صبـــا مولعـــــًا كلفـا=بالحـــــمـد للــه لا أبغـي لـــه بــدلا
شعر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله فشعره هو الأدب لمن يريد الأدب , وفقهه هو الفقه لمن يريد الفقه فرحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته , وهذا نموذج من شعره في طلب العلم - عليه رحمة الله ورضوانه - فقد كان أعجوبة في الشعر كحاله في كل الفنون , وقد تركه متعمداً, ولما سألوه عن ذلك قال:"لم أره من صفات الأفاضل وخشيت أن أشتهر به ، والشعر أكذبه أعذبه فلم أكثر منه" ومن قصائده رحمه الله عليه ما قاله لما طلب منه بعض أقربائه الزواج قال ـ رحمه الله ـ في جوابهم وإيثاره الاشتغال بالعلم على النكاح:
دعانـي الناصحـون إلـى النكاح=غـداة تـزوَّجتْ بيـض الملاحِ فقـالـوا لـي تـزوج ذات دلٍّ=خلـوب اللحظ جائلة الـوشاحِ تبسـم عـن نـوشـرة رقـاق=يمـج الـراح بـالمـاء القـراح كـأن لحـاظهـا رشقـات نبـل=تـذيـق القلـب آلام الجـراح ولا عجـب إذا كـانـت لحـاظ=لبيضـاء المحـاجـركـالـرماح فكـم قتلـت كميًّـا ذا دلاصٍ=ضعيفاتُ الجفـونِ بـلا سـلاحِ فقلـت لهـم دعـونـي إن قلبي=من العي الصـراح اليـوم صاحي ولـي شغـل بأبكـار العـذارى=كأن وجـوهها ضـوء الصـباح أراهـا فـي المهـارق لابسـات=بـراقـع مـن معانيها الصحاح أبيـت مفكـراً فيهـا فتضحـي=لفهـم القـدم خافضـة الجنـاح أبحـت حريمهـا جبـرا عليهـا=ومـا كـان الحـريم بمستبـاح
ولي شغل بابكار عذارى : اي سور القرآن وقال أيضا رحمه الله قصيدة في الغزل منها :
أنقـذت مـن داء الهـوى بعـلاج=شيـب يـزين مفارقي كالتـاج قد صـدني حلم الأكابـر عـن لمى=شفـة الفتـاة الطفلـة المغنـاج مـاء الشبيبة زارع فـي صـدرها=رمـانتـي روض كحـق العاج وكأنها قـد أدرجـت فـي برقع=يـاويلتاه بهـا شعـاع سـراج وكأنمـا شمـس الأصيـل مـذابة=تنساب فـوق جبينها الوهـاج لم يبـك عينـي بيـن حي جيـرة=شـدوا المطـي بأنسع الأحـداج نادت بأنغـام اللحـون حـداتهم=فتـزيلـوا والليـل أليـل داج لا تصطبينـي عاتـق فـي دلِّهـا=رقت فـراقت فـي رقاق زجاج غضـوبـة منهـا بنان مـديـرها=إذ لم تكـن مقتـولـة بمـزاج طابت نفـوس الشرب حيث أدارها=رشـأٌ رمـى بلحاظ طـرف ساج أو ذات عـود أنطقـت أوتارهـا=بحـزون قـول للقلوب شواجي فتخـال رنـات المثانـي أحـرفا=قـد رددت في الحلق من مهتاج
رحمه الله رحمةً واسعة وجزاه عن الأمة خير الجزاء | |
|
المشتاقة للجنة
المشرف العام
عدد المساهمات : 474 تاريخ التسجيل : 26/10/2011 العمر : 34
| موضوع: _da3m_13 السبت 08 يونيو 2013, 10:10 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ألف شكر لكَ على هذا الموضوع المميز و المعلومات القيمة إنـجاز أكثر رائــــــع لكن أرجو منكَ عدم التوقف عند هذا الحد مـنتظرين ابداعتــــــك دمتـ ودام تألقـك تحياتــي
| |
|