الحيوانات الأليفة قنابل مرضية موقوتة
تنقل 200 مرض إلى الإنسان
الكثير من الأفراد لديهم حيوانات أليفة في منازلهم، ويحرصون على ملامستها والاحتكاك بها بأيديهم، إلا أن الأطفال هم الأكثر فرحاً عندما يلعبون مع هذه الحيوانات كالكلاب والقطط والعصافير الملونة والسلاحف وغيرها من دون درايتهم وذويهم بعدد الأمراض المعدية التي يمكن أن تنقلها تلك الحيوانات إليهم.
فقد أظهر تقرير حديث إصابة 8 ملايين شخص في ألمانيا بحساسية وضيق التنفس سببها مخالطتهم شبه الدائمة للحيوانات، ومن بين كل ثلاث عائلات في ألمانيا هناك عائلة واحدة تربي القطط والكلاب والعصافير والببغاوات. وفي تقرير لوزارة الصحة الكويتية تبين وجود أكثر من 200 مرض تنقلها الحيوانات إلى الانسان منها ما هو خطير جداً ومنها ما هو مميت ومنها ما قد يحرم الفتاة المتزوجة حديثاً من نعمة الأمومة إلى الأبد بسبب “قطة”. “الصحة والطب” استطلعت آراء أطباء من مختلف التخصصات والذين أجمعوا على خطورة الحيوانات الأليفة لأنها تسبب العديد من الأمراض التي قد تتشابه أعراضها مع أمراض أخرى.
تحقيق: يمامة بدوان
يرى الدكتور عبدالله النعيمي، استشاري ورئيس قسم أمراض القلب والباطنية في مستشفى زايد العسكري بأبوظبي، ان هناك أمراضاً ناتجة عن الحيوانات المنزلية التي تلعب دوراً كبيراً في نقل أمراض الدوسنتاريا (أكياس الهيداتيد) وهو مرض خطير يظهر على شكل أكياس بها سائل حول الكبد والرئتين وبدرجة أقل في الكليتين والقلب والعظام والجهاز العصبي المركزي ويكاد لا يسلم من العدوى أي عضو من أعضاء الجسم، حيث ان الهيداتيد مرض طفيلي تسببه دودة شريطية تنتقل للانسان بابتلاع البويضات المعدية مع الطعام أو الشراب الملوث بفضلات الكلاب.
ويضيف: ان القطط والكلاب المنزلية قد تشكل خطورة على الأطفال بالتحديد في حالة مهاجمتها لهم مسببة اصابات وجروح.
وذكر الدكتور النعيمي ان الحمى المالطية (بروسيلا) تصيب الانسان نتيجة انتقال المرض من الحيوانات المصابة كالمواشي بواسطة تناوله الحليب غير المعقم أو بسبب كثرة لمس المواشي عند التوالد، حيث تعد هذه الحمى من الأمراض المنتشرة في دولة الامارات كغيرها من الدول، ومن أعراض الاصابة بها حمى متواصلة من دون معرفة سببها والتعرق والارهاق، وأيضاً الوهن والضعف العام وقلة الشهية وفقدان الوزن والكآبة. ويشير إلى مرض جنون البقر الذي ظهر قبل نحو 12 عاماً في أوروبا نتيجة تغذية الأبقار بمواد أصلها حيواني الأمر الذي أدى إلى انتشار مواد فيروسية متعددة حيث إنه يخشى من انتقال هذا المرض إلى الانسان في حالة تناوله لحوم هذه الأبقار رغم أن ذلك لم يثبت علمياً بعد. كما تعتبر السالمونيلا من أكثر الفطريات انتشاراً كما يؤكد الدكتور النعيمي حيث إنها تنتقل من الحيوان إلى الانسان. وتسجل مكاتب الصحة في ألمانيا وحدها 40 ألف حالة مصابة سنوياً وتقدر الأرقام الحقيقية غير المسجلة أكثر من ذلك بكثير قد تصل إلى مليوني حالة. وتكمن السالمونيلا غالباً في الحيوانات التي يتم ذبحها وتناول لحومها، كما توجد في بعض الحيوانات المنزلية مثل السلحفاة. وذكر نصائح وإجراءات للوقاية من الأمراض منها ضرورة غسل اليدين جيداً بعد ملامسة الحيوانات، وضرورة التوجه إلى الطبيب البيطري بصورة دورية خاصة لمن يقتني كلباً منزلياً، وغسل أواني الطعام الخاصة بالحيوان بعيداً عن أواني الطعام المنزلية، اضافة إلى التخلص الفوري من براز الحيوان وتنظيف المكان بالماء الساخن، وكذلك غسل أغطية النوم في درجة حرارة تصل إلى 130 درجة فهرنهايت.
تشخيص أمراض الحساسية الصدرية
ويقول الدكتور أحمد الرافعي، أخصائي أمراض الحساسية والربو في دبي: إن بعض المجتمعات الغربية تشعر بالراحة والأمن جراء اقتناء الحيوانات المنزلية خاصة المجتمع الأمريكي حيث ان أكثر من 70% من الأمريكيين يقتنون كلباً أو قطاً، وحسب الاحصائيات فإن 15% من السكان مصابون بالحساسية تجاه الحيوانات، وهناك ما يتراوح بين 20% و30% من الذين يعانون من الربو بسبب تعاملهم مع الحيوانات علما بأن أكثر الحيوانات الأليفة شيوعاً هي الكلاب والقطط والطيور والأرانب والفئران، أما الحيوانات الكبيرة كالخيول والأبقار والماعز والدجاج والأوز والبط فرغم انها تبقى خارج المنزل في العراء إلا أنها تسبب مشكلات صحية لحيوانات المنزل الأليفة.
وخلافاً للاعتقاد السائد فإنه ليس هناك ما يعرف بالحساسية تجاه شعر الحيوان بل تجاه البروتين الموجود في اللعاب والزغب (تقشر الجلد الميت) أو البول، مشيراً إلى أن هذه البروتينات تنتقل بالهواء على هيئة جزيئات صغيرة جداً غير مرئية، كما انها لا تستقر على الأرض بل على الأغشية الخاصة بالعيون أو الأنف أو يتم استنشاقها مباشرة إلى الرئتين، وعادة ما تحدث الأعراض بسرعة خلال دقائق، ولدى البعض تشتد الأعراض خلال ثماني إلى اثنتي عشرة ساعة، كما تنتج الكلاب والقطط قدراً معيناً من هذه البروتينات إلا أن هذا القدر يختلف من حيوان لآخر، في حين لا توجد كما يعتقد البعض أنواع من القطط والكلاب أقل من مثيلاتها في التسبب بأعراض الحساسية. فكل الأنواع متساوية في هذا المجال، كما أن بعض الأشخاص الذين يعانون من حساسية شديدة تجاه الحيوانات قد تظهر عليهم أعراض الاصابة بالمرض في الأماكن العامة في حالة تعرضهم لأشخاص يحملون زعب الحيوانات على ملابسهم.
وقال :ان الريش والفضلات المتساقطة من الطيور تسبب كذلك أعراض الحساسية لدى البعض حيث ان فضلات الطيور تحتوي على البكتيريا والغبار والفطريات التي قد تسبب أنواعاً شديدة من الحساسية.
ويضيف الدكتور الرافعي ان أنجح الوسائل لمكافحة أعراض الحساسية الناتجة عن الحيوانات هو التخلص منها وعدم التعرض لها، حيث ان وجودها في ساحة المنزل الخارجية ما هو إلا حل جزئي لأن الهواء يحمل مسببات الحساسية إلى داخل المنزل، كما ان استخدام المكنسة الكهربائية ليس بالأمر الفعال في تقليل الحساسية تجاه الحيوان لأنها لا تنظف الطبقات السفلى من السجاد على سبيل المثال وهي على العكس حيث تعمل على تحريك الغبار ونثره في الهواء مما يزيد من فرص التعرض للحساسية إلا في حالة استخدام بعض أنواع المكانس ذات الفلتر المخصص لمقاومة الحساسية، كذلك فإنه وفي حالة التخلص من الحيوان الأليف فإن البروتين المسبب للحساسية يبقى عالقاً في الممنزل لفترة طويلة.
أما بالنسبة لتشخيص وعلاج أعراض الحساسية أوضح الدكتور الرافعي ان تشخيص الحالة يجري عن طريق اختبار الجلد بالوخز حيث يتم وضع مستحضرات خاصة تحتوي على بروتين الحيوان على جلد المريض ووخزها بالابرة ومن ثم قياس تفاعل الجلد مع المستحضر، وفي حالة التأكد من أن الحيوان هو مسبب الحساسية يجري تركيب مصل يتم تعاطيه عن طريق الحقن على فترات متقطعة بهدف اعطاء الجسم مناعة ضد الحساسية التي سببها الحيوان للإنسان.
الحساسية الأنفية
أما الدكتورة أمل شحادة جنيد، اخصائية أمراض أنف وأذن وحنجرة فتقول: إن الدراسات الحديثة أظهرت أن الغالبية العظمى من مرضى الربو مصابون بحساسية الأنف الأمر الذي يؤكد احتياجهم إلى علاج مزدوج، بسبب ان هواء ينتقل من الأنف إلى الرئتين بنفس الطريقة والهيكلية حيث ان أمراض الشعب الهوائية مرتبطة كثيراً بأمراض الأنف، كما ان دخول المواد المحرضة على الحساسية إلى الأنف يجعلها تتغلغل إلى الشعب الهوائية. وأضافت أن التعرض للحيوانات مثل القطة أو الكلب أو الطيور المنزلية قد يحرض أي شكل من أشكال الحساسية سواء الجلدية أو الأنفية أو حتى الربو، حيث يتم دخول المادة المسببة للحساسية (اليراجين) وهي مادة تستنشق تلقائياً مؤدية إلى تكوين مضادات جسمية من قبل الجهاز العضوي وهي IGE لدى بعض الأشخاص حيث ان هذه المضادات تسبب مرض الحساسية، فعلى مستوى الشعب الهوائية يحدث تشنج في العضلات حول القصبات وحالة التهاب في الغشاء المخاطي للقصبات اضافة إلى زيادة الافراز المخاطي السميك وهي حالة الربو التي قد تصل إلى مراحل خطيرة لدى بعض الحالات الأمر الذي يتطلب تدخلاً اسعافياً.
أما على مستوى الأنف فأوضحت الدكتورة شحادة انها تبدأ على شكل حكة في الأنف وسقف الفم والعين بشكل مفاجىء حيث يبدأ التدميع والعطاس والسيلان المائي من الأنف، كذلك يحدث الصداع الجبهي والاحتقان في ملتحمة العين، وتصبح مخاطية الأنف محتقنة وحمراء مزرقة اللون، ويتم علاج هذه الحالة بتجنب العامل المسبب حيث ان الكثير من المرضى يشعرون بتحسن في حالتهم الصحية بعد تعاطيهم مضادات الهيستامين والبخاخات الأنفية الحاوية على الكورتيزون وبخاخات الصدر، وأشارت إلى طريقة علاج أخرى حديثة وهي العلاج المناعي وتتلخص في اعطاء المصاب العوامل المحفزة على الحساسية بشكل اسبوعي وذلك بمقدار ضئيل حتى يتمكن الجسم من التأقلم والسيطرة على هذه العوامل.
أعراض الالتهابات الجلدية
من جانبها قالت الدكتورة سوزان الزعبي، اخصائية أمراض جلدية تجميلية: إن هناك أخطاراً عديدة تكمن في الحيوانات الأليفة، فالعصافير الملونة التي يكثر انتشارها في المنازل تنقل أمراضاً إلى الأطفال بالتحديد بسبب اختلاطهم وملامستهم لها حين مداعبتها وتقبيلها. وأشهر هذه الأمراض (النيوكسل) وهو يصيب العين وعادة ما يصيب عيناً واحدة ويصاحبه التهاب في الغدد الليمفاوية المحيطة بالأذن وتورم، كذلك مرض “الاورونوفرزس” حيث تنقله طيور الكناري والبط الرومي وهو يحدث بسبب استنشاق التراب الملوث بالفيروس الموجود في مخلفات الطيور أو نتيجة تلوث الهواء بريش الطيور أو افرازات أنوفها المصابة والجريحة حيث تظهر الأعراض على الانسان على شكل ارتفاع مفاجىء في درجة الحرارة وآلام في الظهر والخوف من الضوء، في حين تسبب الببغاء مرض حمى الببغاء أو السيتاكوس وهو أكثر أمراض الطيور انتشاراً وانتقالاً للانسان وهو مرض حاد يشبه التيفوئيد حيث ان المشكلة تكمن في عدم ملاحظة المرض على الببغاء أو طيور الزينة لأنه يأخذ أدواراً مزمنة تمر من دون ملاحظتها.
وتضيف: أما بالنسبة للقطط فإنها تسبب داء خربشة القطط أو حمى خدش القطط وهو مرض فيروسي معد ينتقل إلى الانسان عن طريق جرح يحدث في جسمه يسبب خربشة القطة بأظافرها أو عضها للانسان وهذا الجرح يصعب التئامه، وتظهر الأعراض على هيئة ارتفاع في درجة الحرارة وتضخم في الغدد الليمفاوية وحكة جلدية اضافة إلى ظهور انتفاخات جلدية حيث يكون علاج هذا المرض عبارة عن كريمات موضعية مضادة للحكة تحتوي على مضادات الهستامين أو الاستيرويت.
وبالنسبة لمخاطر انتقال الأمراض من الكلاب إلى الانسان أوضحت الدكتورة الزعبي ان البراغيث تنتقل من الكلاب إلى الانسان وتؤدي إلى تشكل حالة شره مطاطي، وأكثر أماكن الاصابة توجد في الساقين والخصر وذلك بسبب قيام البرغوث بالتغذي على دم الانسان ما يسبب حكة والتهابات جلدية، وفي بعض الأحيان قد تترك البراغيث بقعاً جلدية. وقالت: إن عدوى الاصابة بداء الجرب قد تنتقل من الكلاب والقطط إلى الانسان عن طريق ملامسة شعر هذه الحيوانات لأن حشرة الجرب تتواجد في شعر الحيوانات.
واستطردت قائلة: إن الأمراض التي تنقلها الكلاب كثيرة وتقدر بنحو 28 مرضاً، أغلبها خطرة منها الانكلستوما الذي يصيب الانسان عن طريق الجلد اضافة إلى أمراض الحصبة والغدة النكافية والدفتيريا.
خطورة القطط على الحامل
وتوضح الدكتورة عواطف البحر استشارية أمراض نساء وولادة أن هناك عدة أمراض قد تصيب السيدة الحامل بسبب الحيوانات المنزلية الأليفة ومنها مرض السالمونيلا وهو التهاب بكتيري قد يصيب الأم عن طريق الطعام الملوث بالفضلات وغير النظيف ومن الأعراض التي تصاحبه ارتفاع درجة الحرارة وآلام في البطن بعد 12 إلى 72 ساعة من العدوى ثم الاسهال وقد ينتشر في الدم فتكون الأعراض شديدة على المريض ونادراً ما تصاب به المرأة الحامل كما لا يوجد تأثير مباشر على الجنين الأمر الذي لا يؤدي إلى تشوهات ولكن قد يؤدي الى جفاف حاد واجهاض للحمل ويمكن علاجه بالمضادات الحيوية، كذلك الحصبة الألمانية وهو التهاب فيروسي قد يصيب الأم في فترة الحمل ومن أعراضها الحرارة والطفح الجلدي المنتشر على أجزاء الجسم، وآلام في المفاصل ففي حالة اصابة السيدة الحامل في الأشهر الأولى من الحمل قد تؤدي إلى تشوهات جسيمة في الجنين حيث يتم التأكد من الاصابة بالمرض عن طريق تحاليل الدم للبحث عن الأجسام المضادة للفيروس وهذا التحليل إلزامي لكل الأمهات الحوامل، فالأم التي لا تتمتع بالمناعة يتم نصحها بالابتعاد عن المصابين بالمرض، وتطعيمها ضد الفيروس بعد الولادة ونصحها بعدم الحمل لمدة ثلاثة أشهر وكحماية للمجتمع من هذا المرض تقوم الدولة بتطعيم الأطفال من البنات في سن 11 أو 12 سنة لكي يكتسبوا المناعة الدائمة منه. وتابعت:
من الأمراض أيضا الالتهاب بجرثومة ثومة القطط وهو التهاب طفيلي قد يصيب الأم عن طريق تناول طعام ملوث بفضلات القطط واللحم غير المطبوخ جيداً أو عن طريق نقل الدم (نادرا) وتكون أعراض الاصابة مشابهة لأعراض البرد وتضخم الغدد اللمفاوية وآلام في العضلات وقد تؤثر في الجنين بتشوهات جسيمة مثل فقدان البصر وضمور في الدماغ والنمو خاصة اذا أصيبت السيدة به في الثلث الثاني من الحمل ويتم تشخيص الحالة عن طريق تحليل الدم أو فحص السائل الامنيوني، ويمكن علاجه بالمضادات الحيوية وهي آمنة في فترات الحمل إلى الولادة وما بعدها حيث ان كثيراً من السيدات لديهن مناعة ضد هذا المرض، إلى جانب التهاب اللستريوزز وهو عبارة عن التهاب بكتيري ينتقل عن طريق الخضراوات الملوثة أو اللحم غير الناضج والحليب غير المبستر، وهو مرض نادراً ما يصيب الأم الحامل.