السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذا اليوم الرهيب يخرج الناس من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر , مسرعين مهطعين إلى الداعي, وقد خفتت كل حركة وخيم الصمت الرهيب , حيث تنتشر صحف الأعمال , فيكشف المخبوء , ويظهر المستور , ويفتضح المكنون في الصدور .
ففي هذا الموقف المهيب العصيب يحشر الناس حفاة , عراة , غرلاً كما ورد في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول :
(( يحشر الناس حفاة عراة غرلاً , قالت عائشة , فقلت الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم الى بعض ؟ قال : الأمر أشد من أن يهمهم ذلك )) .
وفي هذا اليوم يحشر المعرضون عن الحق والهدى في الحياة الدنيا في صورة مزعجة مذلة , يحشرون على وجوههم عمياً وبكماً وصماً محرومين من جوارحهم التي تهديهم في هذا الزحام , وذلك ماعطلوا هذه الجوارح في الدنيا عن إدراك دلائل الهدى , يقول الله تبارك وتعالى :**** ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً }} .الأية 97 من سورة الاسراء
وفي الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً قال : يارسول الله قال الله تعالى :**** الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم }}. الأية 34 من سورة الفرقان .... أيحشر الكافر على وجهه ؟ قال رسول الله صلى الله علية وسلم (( أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ؟ قال قتادة حين بلغه : وعزة ربنا ))
وفي هذا اليوم العسير الثقيل يعرق الناس من شدة الهول وتقرب الشمس من رؤوس الخلائق ويشتد العرق بالناس فيغرقون بالعرق على قدر أعمالهم في الدنيا , ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب في الأرض عرقهم سبعين ذراعاً , وإنه يلجمهم حتى يبلغ آذانهم )).رواه البخاري .وفي هذا اليوم الشديد تسود وجوه , وتبيض وجوه , وجوه ٌ تعلوها غبرة الحزن والحسرة , ويغشاها سواد الذل والانقباض , فقد عرفت ماقدمت واستيقنت ماينتظرها من جزاء , ووجوه مستنيرة مستبشرة مطمئنة , قد عرفت مصيرها , وتبين لها مكانها , فتهللت بعد الهول والفزع المذهل , يقول تبارك وتعالى :**** يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقو العذاب بما كنتم تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون }} .سورة آل عمران 106-107
وفي هذ اليوم يبعث الناس على ما ماتوا علية من خير أو شر , وكل نفس تشغل بأمرها ولا تلتفت إلى سواها حيث تقطع أواصر القربى والدم , ووشائج الرحم والنسب , فالكرب يلف الجميع , والهول يغشي الجميع في هذا اليوم الرهيب , يقول تعالى :**** فإذا جآءت الصآخةُ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىءٍمنهم يومئِذٍ شأنُُ يغنيه }} .الايات 33-37 من سورة عبس
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) . رواه مسلم
وفي هذا اليوم - يوم الفصل - توزع الكتب على أ صحابها , فالذي يؤتى كتابه بيمينه هو السعيد الناجي في ذلك اليوم العصيب , فقد آمن وأحسن وعمل لهذا اليوم , فهو يدعي الخلائق كلها لتقرأ كتابه , فقد قبل الله عمله , فكتبت له النجاة ,كما قال الله في كتابة العزيز **** فأما من أ وتي كتابه بيمينه فيقول هَآؤم اقرءواْ كتابيه إني ظننتُ أنيّ مُلاقٍ حسابيه فهو في عيشةٍ راضيةٍ في جنةٍ عاليةٍ قطوفها دانيةُُ كلو واشربواْ هنيئا بمآ أسلفتم في الأيام الخالية }} . سورة الحاقة الايات 19-24
وأما من يؤتى كتابه بشماله - عياذاً بالله - فهو الهالك الشقي الذي لم يؤمن ولم يعمل لما بعد الموت فهو الآن مؤاخذ بسيئاته , فيقف أمام الحشود الهائلة وقفة المتحسر الكئيب البائس متمنياً لو كانت نهايته موت بلا رجعة , ومتحسراً مما كان يعتز به وجمعه , فلم ينفعه شيء لا سلطان ولا مال **** وأما من أوتي كتابهُ بشماله فيقول ياليتني لم أُتَ كتابيه ولم أدر ماحسابيه ياليتها كانت القاضية مآ أغنى عنّىِ ماليه هلك عنّىِ سُلطانيه }} . سورة الحاقة الايات 25-29
وفي هذا اليوم - يوم الجزاء والحساب - لايقبل من الذين كفروا وماتوا على كفرهم فلا تنفعهم توبة ولا ندامة, ولا يقبل منهم فدية من مال ولا ولد , فليس هناك من شيء يصلح للأفتداء به من العذاب قال تعالى **** إن الذين كفرواْ وماتو اْ وهم كفارُُ فلن يُقبل منى أحدهم مّلءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب اليمُُ ومالهم من نَّاصرين }} . سورة آل عمران آية 91
وفي هذا اليوم - يوم الفزع الأكبر - يقدم المؤمنون إلى ربهم وفداً في كرامة وحسن استقبال لا يحزنهم الفزع الأكبر متطلعين إلى العيش في ظل الله وكنفه يوم لا ظل إلا ظله **** يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً }} . سورة مريم الأية 85
وأما المجرمون فيساقون إلى جهنم ورداً كما تساق القطعان من البهائم حاملين أوزاراً من الأثقال **** ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ً }} سورة مريم 86
___________
لحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله على كل شيء قدير ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو اللطيف الخبير وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير المبعوث بأسس الحق وأصول الإيمان والخضوع للملك الديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس: اتقوا ربكم واعلموا أنه ما خلقكم عبثاً ولن يترككم سدى وإنما خلقكم لتعبدوه وتقدموا بدينه وتطيعوه وتقدموا لليوم الآخر فلا بد أن تلاقوه.: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1،2] : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يوماً لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شيئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] في ذلك اليوم تندك الأرض وتسير الجبال وفي ذلك اليوم تشتد الأمور وتعظم الأهوال وفي ذلك اليوم ينزل للقضاء بين عباده الحكم العدل المتعال في ذلك اليوم تحشرون حافية أقدامكم عارية أجسامكم شاخصة أبصاركم واجفة قلوبكم في ذلك اليوم يجمع الله الأولين والآخرين من الإنس والجن والدواب في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر في ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه في ذلك اليوم يقبض الله الأرض بيده ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون وفي ذلك اليوم تدنو الشمس من رءوس الخلائق حتى تكون قدر ميل فيعرق الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه ومنهم من يبلغ إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فعند ذلك يبلغهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيذهبون إلى آدم فيعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون فيعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيذهبون إلى موسى فيعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيذهبون إلى عيسى فيعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيأتون نبي الله محمداًً - صلى الله عليه وسلم - فيشفع في الناس ليقضي بينهم وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله نبينا - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. وفي هذا اليوم يحاسب الله الخلائق على أعمالهم فأول ما يحاسب عليه العبد صلاته فإن كانت صالحة أفلح ونجح وإن كانت فاسدة خاب وخسر. ويقضي بين الخلائق فترد المظالم إلى أهلها من حسنات الظالم فإن لم يبق شيء من حسناته أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه ثم طرح في النار في ذلك اليوم ينصب الميزان فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون. في ذلك اليوم تنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال فيأخذ المؤمنون كتابهم بأيمانهم مستبشرين مغتبطين ويأخذ الكافرون كتابهم بشمائلهم أو خلف ظهورهم حزنين خاسرين ويوضع الصراط على متن جهنم فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالطير وكأشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم - صلى الله عليه وسلم - قائم على الصراط يقول يا رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع المشي إلا زحفاً وفي يوم القيامة الحوض المورود للنبي - صلى الله عليه وسلم - طوله شهر وعرضه شهر عليه ميزابان أحدهما ذهب والآخر فضة يصبان فيه من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة وماؤها أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من المسك وأبرد من الثلج آنيته كنجوم السماء في كثرتها وحسنها من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً فيرد عليه المؤمنون من أمته - صلى الله عليه وسلم - غراً محجلين من آثار الوضوء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم عليه ينظر من يرد عليه من أمته فيقتطع أناس دونه فيقول يا رب أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79].