يتناول الدرس الاصول أو الثوابت التى بنى عليها الاسلام موضحا ادلة هذة الثوابت وأهميتها من القرأن والسنة وأقوال العلماء موضحا الواجبات التى تتفرع عن هذة الاصول ويبين موقف المسلم منها ثم يذكر عقب كل أصل الفرق التى خالفت هذا الاصل ومدى ونوعية المخالفة لهذا الاصل حتى يحذر منها المسلم والداعية الى الله .
الأصل الأول: القرآن الكريم:
القرآن الكريم كتاب الله المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى أهل الأرض، وهو الذي تحدى الله به العرب البلغاء أن يأتوا بسورة من مثل سوره فعجزوا وكان ذلك من أكبر الأدلة على أنه من عند الله، وليس من عند البشر، لأن البشر لا يعجز بعضهم أن يأتي بما يأتي به بعضهم، فما من شاعر إلا وعورض بمثله وأشعر منه، ولا من خطيب إلا وجاء من هو أخطب منه، ولا عالم إلا إذا قد جاء من يفوقه. وكذلك الشأن في كل ما يحسنه البشر يستحيل أن يأتي أحد منهم بما يعجز البشر كلهم في كل عصورهم. قال الله تعالى متحدياً المكذبين برسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وإن كنتم في شك مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين* فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} (البقرة:23-24) وهذا الكتاب الكريم مع بيان الرسـول صلى الله عليه وسلم هما مصدرا التشريع قال الله تعالى: {وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} (النحل:89) وقال فيه أيضاً: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً، فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم} (المائدة:3) وهذا الكتاب الكريم أنزله الله موضحاً ومبيناً به السبيل إليه، فهو بصيرة وفرقان، يفرق بين الشرك والتوحيد، والحق والباطل، وما أحله الله وما حرّمه، وما يرضاه الله وما يسخطه، وفرق الله به أيضاً بين أوليائه وأعدائه، وأوضح سبيل كل فريق منهم، وقد جعله الله ميسراً سهلاً للتذكر والاعتبار والتعلم فقال سبحانه وتعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر:17).. وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص:29) وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد:24).. وقال: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء:82) وقد حذر الله سبحانه وتعالى من الإعراض عنه.. قال تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق، وقـد آتيناك من لدنا ذكراً، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملاً} (طه:99-101) وقال تعالى في شأن إعراض المنافقين عنه: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} (النساء:61) وقد أمر الله نبيه الكريم أن يحكم كتاب الله في الصغير والكبير.. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيراً من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} (المائدة:48-49) ولما كان القرآن الكريم بهذه المثابة والمنزلة فإن الله سبحانه وتعالى أتم نعمته على أمة الإسلام بأن كفل له الحفظ والرفعة والمجد، فلا تناله يد بتحريف أو تبديل أو نقص أو زيادة، قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9).. وقال: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:41-42) فهو كتاب ممتنع على التغيير والتبديل... وفي الحديث الصحيح: [وأنزلت عليه كتاباً لا يغسله الماء] (رواه مسلم).. فلو اجتمعت بحار الأرض على محو القـرآن من الأرض لما حصل ذلك، ولو اجتمع كل جبابرة الأرض وكفارها وفجارها على أن يبدلوا القرآن ما استطاعوا ذلك.
وهذه القضية أعني حفظ القـرآن وبقاءه وأنه مصدر الحكم والتشريع هي قضية الإسلام الأولى والكبرى.
الأصل الثاني: السنة النبوية:
الأصل الثاني من أصول الدين هو السنة النبوية وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي ما أُثِر ونقل من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفته صلى الله عليه وسلم...
وما نقـل إليناً نقلاً صحيحاً منها يجب علينا تصديقه واعتقاده، والعمل به لأن القرآن أمرنا بذلك وقد تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العمل بسنته.
قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر:7).. وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء:65). وقال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء:80)
وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور:63) والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً..
والسنة في جانب منها تفسير وبيان لكتاب الله تعالى: كما قال جل وعلا: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44)
وقال تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه} (القيامة:17-19)
أي إن الله سبحانه وتعالى تكفل أن يجمع القرآن في صدر الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينسى منه إلا ما شاء الله أن ينسيه {سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله} (الأعلى:6) ثم إن على الله أن يبينه لرسوله صلى الله عليه وسلم ليعمل به، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كما أمره الله سبحانه وتعالى، وقد أثنى الله عليه فقال: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3-4)
فالسنة في نهاية الأمر عائدة إلى الله لأنه سبحانه هو الذي أوحى بها لرسوله صلى الله عليه وسلـم، وأرشده إلى ما قال، وهداه فيما فعل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (النساء:105)
وكل أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هي في مجال التأسي والقدوة فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم فجميع ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه ولباسه، ونومه وقيامه، وصحبته، ومعاشرته، وطرائق حياته ومعيشته كل ذلك كان على أتم الهدى وأسمى ما يتأدب به المتأدبون، ويفعله الحكماء العالمون...
والخلاصة أنه ليس شيءٌ من أفعال الرسـول صلى الله عليه وسلم يخرج عن التأسي والاقتداء حتى في أموره الجبلية الحياتية..
وأما في أعماله التشريعية فإن يجب الأخذ بسنته لأنها تشريع من الله سبحانه وتعالى.
* المخالفون لهذا الأصل:
الطاعنون في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم:
شهد تاريخ الإسلام كثيراً من الفرق الضالة والعقائد الباطلة ممن ردوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها أو بعضها تحت دعاوي كثيرة وشبه متباينة:
* فمنهم الخوارج الذين قالوا بكفر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجنده، وقالوا بأن علياً رضي الله عنه كان مسلماً قبل قتال الخوارج بالنهروان ثم كفر بعد قتالهم، وكفروا الحكمين وسائر المسلمين بعد ذلك.. وبنوا على تكفير الصحابة بعد الفتنة رد روايتهم، وردوا رواية جميع من وكل على السلاطين من بني أمية وغيرهم...
* ومنهم المعتزلة والمتكلمون الذين ردوا سنة النبي صلى الله عليه وسـلم التي سموها بالآحاد، وقالوا لا نقبل إلا بالمتواتر الذي يستحيل تواطؤ من رووه على الكذب.
* ومنهم بعض المنافقين الذين اتبعوا المستشرقين من أعداء الإسلام الذين شككوا في ثبوت سنة النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً.
* ومنهم من رد السنة الثابتة الصحيحة عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم تحت دعاوي أنها لا توافق العقل، أو أنها كانت لجيل غير جيلنا، ولعصر غير عصرنا، ومنهم من يقول يجب أن نأخذ روح السنة وأهدافها الثابتة دون أحكامها التفصيلية العملية.
ولا شك أن كل من رد سنة ثابتة للرسـول صلى الله عليه وسلم راغباً عنها فقد كفر بذلك، لقيام الأدلة القطعية على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفة أمره..
ولا شك أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يستحيل أن يتعبـد الناس بشيء لم يبلغهم... ولا شك أيضاً أنه لو ضاعت السنة لضاع القـرآن لأن السنة شارحته ومبينته، إذ كيف يمكن التحقق من أعداد الصلوات وأعداد الركعات، وهيئة الصلاة، ونصاب الزكاة، والأموال التي تجب فيها، وكذلك كثير من أحكام الصوم والحج لولا السنة..
ولو كان الصحابة الذين رووا السنة مطعونين، لكان القرآن كذلك مشكوكاً فيه، لأن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين دونوه وحفظوه، وجمعوه في مصحف واحد بعد رسول الله، ونشروه في الأرض، ونقلوه لمن بعدهم.. فلو كانوا غير مؤتمنين لكان القرآن مكذوباً، ولذلك أجمع المسلمون أن جرح الصحابة جرح للدين، وهدم عدالة الصحابة هدم للقرآن والسنة معاً، وليس للسنة وحدها..
ولذلك قال الإمام أبو زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة" (الإصابة لابن حجر 1/18)
ولا شك أيضاً أن رد بعض السنة إذا كان صحيحاً ثابتاً حسب ضوابط النقل التي أجمع عليها أهل الإسلام فيما سموه مصطلح الحديث وعلموه وهو قبول نقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه إذا خلا من الشذوذ والعلة ردها بزعم أنها تخالف العقل أو ردها بالهوى.. لا شك أن رد بعض السنة الثابتة بذلك هو هدم للسـنة كلها لأنه هدم للأصول التي على أساسها تعرف السنة الصحيحة الثابتة مما افتراه أهل الكذب، ونسبوه إلى رسول صلى الله عليه وسلم أو مما غلط فيه بعض الرواة.
والعقل لا يمكن أن يكون مقياساً للقبول والـرد، لأن ما يراه زيد من الناس معقولاً قد يراه غيره أنه غير معقول إلا في الأمور الحسية القطعية.
ولا توجد سنة صحيحة ثابتة حسب أصول النقل تخالف شيئاً من المعقول المقطوع به، ولذلك كان الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لضاعت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضياعها يعني ضياع القرآن كذلك، وضياع الدين كله..
والحمد لله الذي حفظ لنا كتابه الكريم، وحفظ لنا سنة رسوله الكريم التي هي الحكمة كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2).. وقال تعالى لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً} (الأحزاب:34)...
فآيات الله هي القرآن والحكمة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحيل أن تضيع الحكمة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين.. قال تعالى: {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (آل عمران:164)..
أفترى الله سبحانه وتعالى يتكفل بحفظ القرآن فيقول جل وعلا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9)
ولا يحفظ الحكمة التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يبين به القرآن ويشرحه ويفسره، وما هو تطبيقه وتأويله؟! إن هذا مستحيل.
ولا شك أن الناظر في علم الإسناد، وكيف وضع علماء السنة ضوابط النقد للرجال، وكيف تتبعوهم وأحصوهم، وكيف ضبطوا هذا العلم ضبطاً فائقاً وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ له جهابذة من الرجال كانت لهم ملكات عظمية في الحفظ والملاحظة والدقة مع الدين والتقى مما مكنهم من تمييز ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حاول الزنادقة والملحدون، وأهل الأهواء أن يدخلوه على الإسلام مما هو ليس منه في شيء.. وهذه معجزة من معجزات هذا الدين... فكما حفظ الله القرآن الكريم بأسباب عظيمة توافرت وتضافرت على حفظه من أن يتطرق إليه أدنى خلل، حفظ الله كذلك سنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
وهذا رد مجمل على كل من الفرق التي شككت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسنا في مقام الرد على كل شبهة من شبهاتهم الكثيرة فإن هذا مكانه المطولات.
وأما الذين ردوا بعض السنة الثابتة حسب مصطلحات أهل الحديث تحت دعوى أنها تخالف معقولهم، فإننا نقول لهم إن ما تزعمونه من مخالفـة عقولكم، يخالفكم فيه غيركم ممن يرون أن هذا يوافق العقل الصحيح، فأي العقول يعتمد عليه، ويقدم على الآخر؟! ولو ظن مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بما يخالف العقل الصحيح لكفر... ولا شك أن هدم قواعد الإسناد التي وضعها أهل الحديث لتمييز السنة الصحيحة من الضعيفة هدم للسنة كلها.
وأما من قال بأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسيره للقرآن كان مناسباً لجيل الصحابة، وأنه غير معقول لأجيالنا، فهو كافر بالله سبحانه وتعالى فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى {وما كان ربك نسيا} (مريم:64) والقرآن والسنة حجة الله على الناس ما بقيت الدنيا {وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ... } (الأنعام:19) فكل من تبلغه النذارة في شرق الأرض وغربها، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد حياته فقد أقيمت عليه الحجة. وإقامة الحجة بهذا القرآن المنزل، وبالسنة التي هي وحي كذلك من الله.
وقد سلم الله سبحانه وتعالى أهل السنة والجماعة من الانحراف عن هذا الأصل العظيم وهو الأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً واعتقاداً، وخالفوا في ذلك جميع فرق الضلال الذين كان لكل منهم موقف مخالف من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من ردها جملة وتفصيلاً، ومنهم من رد من زعم أنه آحاد لا يؤخذ به في عمل واعتقاد، ومنهم من قال نأخذ بحديث الآحاد في الاعتقاد دون العمل، ومنهم من رد من لا يوافق معقوله أو هواه..
وبقي أهل السنة والجماعة الذين كانوا كما قال سبحانه وتعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} (النور:51).
فهم سامعون مذعنون لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ومطبقون لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (النساء:59)
فالرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته، فلـو كانت سنته قد ضاعت لما كان للرد إليها من معنى، ولو كان بعضها قد ضاع لذهب الكثير مما يجب التحاكم والرد إليه.
فالحمد لله الذي حفظ لنا كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجزى الله خيراً أعلام الإسلام وعلماء الحديث على جهودهم المباركة في حفظ سنة رسول صلى الله عليه وسلم وتدوينها.
الأصل الثالث: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
اختار الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه الخاتم والإيمان به خير أصحاب الأنبياء ديناً وجهاداً، وعلماً وتقوى فكانوا أنصاره والمجاهدين في سبيل الله، قدموا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، وأذلَّ الله بهم دول الكفر كلها في سنوات قليلة ومكن لهم في الأرض، ونشر بهم الإسلام في عامة المعمورة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وتحولت شعوب كثيرة إلى الإسـلام في زمن قياسي، ولم يحدث هذا لنبي صلى الله عليه وسلم قبل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {هو الذي أيدك الله بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم} (الأنفال:62-63)
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على إيمانهم وجهادهم وإحسانهم في آيات كثيرة من كتابه منها قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} (البقرة:285).. فشهد لهم بالإيمان مع الرسول صلى الله عليه وسلم..
وقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضـواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} (الفتح:29)...
وهذه الآية من أعظم المدح لهم والشهادة لهم بالإيمان وإخلاص الدين لله، وأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وأنهم أهل طاعة وصلاة، وأنهم ممدوحون بذلك في التـوراة والإنجيل، وأن أوائلهم هم بذرة الدين، ونبتة الإسلام التي كبرت وتفرعت حتى أصبحت شجرة الإسلام قوية باسقةً تستعصي على الرياح {يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} (الفتح:29)..
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلـم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً} (الفتح :18-19)
وهذه الآية نزلت في غزوة الحديبية، وكان الصحابة فيها ألفاً وأربعمائة رجل.
وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} (التوبة:117)
وهذه الآية نزلت في غزوة تبوك وكانوا ثلاثين ألفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونزل على الرسول وهو في حجة الوداع في أعظم حشد تجمع له وكانوا أكثر من مائة ألف قول الله تبارك وتعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة:3)...
فهؤلاء الأصحاب الأطهار الأبرار سادة هذه الأمة وعنوان مجدها، وسر خلودها، ونموذجها الفريد في الإيمان والجهاد والعمل الصالح، وهم أسوة الأمة وقدوتها، ومنبعها الذي لا ينضب من المُثُل والعطاء والخير...
ولكل منـهم من المناقب والفضل والسابقة ما هو محل القدوة والأسوة، ففيهم الذي انفق ماله كله في سبيل الله، وفيهم الذي قتل أباه في الله، وفيهم الذي آثر ضيفه على نفسه، وأهله، وعياله، حتى عجب الـرب من صنيعه من فـوق سبع سمواته، وفيهم الأبطال الصناديد فرسـان الحروب، وفيهم رهبان الليل، فرسان النهار، وكلهم قد تحمل في سبيل الله ما لم تتحمله الجبال، وكلهم كان يفتدي الرسول بأبويه ونفسه وماله، وقد عظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبـوه كما لم يُعظَّم عظيم قط أو يحب، ولم ينصر أتباع رسول رسولهم كما نصر أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمداً صلى الله عليه وسلم.. ومناقبهم وفضائلهم أكثر من أن تحصر.
وقد أحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر الصديق أحب أصحابه إليه، وقال فيه: [لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً] (رواه مسلم)..
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم، ويواسيهم ويزور مريضهم، ويتبع جنائزهم، ويسعى في حاجاتهم ويصلح بين المتخاصمين منهم، ويحوطهم كما يحـوط الأب أبناءه وأعظم. كيف وهو في الكتاب أولى بكل مؤمن من نفسه وهو أب لهم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب:6) وهو أب لهم -قراءة-..
وكان منهم بطانته وخاصته الذين يطلعهم على أسراره، ويشاورهم في أموره، فلا يخرج إلا وهو معهم، ولا يدخل إلا وهم معـه، ولم يفارقوه في موقف شدة قط.. وأول هؤلاء هو الصديق الصادق، وأخو النبي في الدين وقريبه في النسب، تزوج رسول الله ابنته فكانت أفضل زوجاته، وأحب الناس جميعاً إليه كما قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل: [من أحبُّ الناس إليك؟ قال: عائشة.. قال من الرجال؟ قال: أبوها] (متفق عليه)
ولم يمت رسول الله إلا ورأسه مسند إلى صدرها رضي الله عنها وأرضاها...
وفي هذه الزوجة وسائر زوجاته الطاهرات المطهرات نزل قـول الله تعالى: {وَقَرْنَ في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً}.. (الأحزاب:33-34)
ولما بشرهم الله سبحانه وتعالى برضوانه، وتوبته عليهم، وشهد لهم بالإيمان والإحسان كان هذا بشرى لهم بالجنة كذلك. قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} (التوبة:100)
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم رجالاً منهم بأعيانهم بالجنة فقال: [عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة] (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (4010))
وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة] ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع (7680))
ولا شك أن من أخبر الله سبحانه وتعالى أنه رضى عنهم فهم من أهل الجنة، ولا يمكن أن يكون من أعلن رضاه عنهم أنهم يرتدون ويكفرون...
* موقف المؤمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن أجل هذا الفضل والإيمان والإحسان الذي كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الله على كل مسلم يأتي بعدهم أن يعترف بفضلهم وأن يدعو الله لهم بالمغفرة: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر:10)
وأن يحبـهم ويواليهم: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة:55-56)..
وأن يعترف أنـه لم يصبح مسلماً إلا بفضل جهادهم وفتوحهم (ولا يشكر الله من لا يشكر الناس)
وأن يأتسي بهم في جهادهـم وصبرهم كما أرشدنا الله إلى ذلك حيث قال سبحانه في بيان صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصبرهم في غزوة الخندق: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً* ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً* من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} (لأحزاب:21-23)
وفي هذه الآيات رفع الله من شأن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصادقين، وأبان الصورة العظيمة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة العصيبة من الصبر والإيمان والتوكل، فقد ربط صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع وكان ينقل التراب من الخندق، ويحفر مع أصحابه وكان واثقاً من نصر الله ثابت القلب بالرغم من تألب الأحزاب واجتماعهم جميعاً -قريش وغطفان وقريظة-... وثبت مع رسول الله أهل الإيمان واليقين الذين وصفهم الله بقوله {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (الأحزاب:23) وقد عاهدوه على نصر رسوله والموت في سبيله.
وما ذكر الله لنا هذا إلا ليكون هؤلاء الأصحاب الأطهار الأقوياء في الدين قدوة لنا وأسوة، وأن نحبهم ونجلهم، ونثني على جهادهم وصبرهم.
* الصحابة أسوة في العلم كما هم أسوة في الجهاد:
ولا شك أنهم كانوا في العلم واليقين والفهم الصحيح للدين كما كانوا في الجهاد والبذل.. فكما أثنى الله سبحانه على جهادهم وصبرهم، أثنى على إيمانهم وإحسانهم وعبادتهم، ولا غرو فقد كانوا هم الفوج الأول الذي تلقى التعليم والتربية من فم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت القدوة المثلى، والمثل الكامل ماثلاً أمامهم ليس بينهم واسطة. فهذا رسول الله الإنسان الكامل، والقدوة المثلى أمامهم، يتلو عليهم الكتاب ويبينه لهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويربيهم بالأسوة والموعظة الحسنة، ولفت النظر، والهجر والزجر أحياناً، ولا يقر أحداً منهم على باطل، ويختار فريقاً منهم فيوجب عليهم ما ليس واجباً على العامة ليحوزوا قَصَبَ السَّبْق، ويكونوا مثلاً لمن وراءهم كما أخـذ على بعضهم ألا يسأل الناس شيئاً فكان إذا وقع السوط منه وهو على بعيره لا يسأل أحداً أن يناوله إياه.. وكل ذلك ليخرج منهم جبلاً يكون مثلاً لكل الأجيال في العلم والعمل والجهاد والصبر.
وبث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما يحتاجونه من علم كما قال أبو ذر: (ما مات رسول الله وفي الأرض من طائر يطير بجناحيه إلا عندنا علم منه)..
ولم يكتم عنهم شيئاً من الدين، فكانوا بهذا كله كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أبر الناس قلوباً وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفاً".
ومن أجل ذلك كله كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الجيل المثالي الذي يجب أن تحتذيه كل أجيال الأمة في الإيمان،والجهاد، والعمل، والعلم، وأن يقدم تفسيرهم للكتاب والسنة على كل تفسير، وأن كل ما جاء مخالفاً لما قالـوه فليس من الهدى والدين، فما لم يعرفه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين فلا شك أنه ليس ديناً..
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: [أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وأن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منـكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة] (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع (2549))
ولا شك أن أفضلهم بإطلاق هو أبو بكر الصديق ثم عمـر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وفضلهم كترتيبهم في الخلافة.
الأصل الرابع: الموالاة بين المسلم والمسلم:
الأصل الرابع من الدين، وعزائمـه أن كل مسلم أخ لكل مسلم تجب عليه موالاته، ولا يجوز له أن يعتدي على دمه أو ماله أو عرضه.
وهذا الأصل دلت عليه مئات النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منها قوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)
وأكثر الآيات في سورة الحجرات، وقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} (آل عمران:103) وما تلى ذلك من الآيات من سورة آل عمران.
ومنها قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة:55-56)
وأما الحديث فكثيرة جداً فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: [إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا..] (رواه مسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلـم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه] (متفق عليه)
وقوله صلى الله عليه وسلم: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] (متفق عليه).. وقوله صلى الله عليه وسلم: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى] (رواه مسلم)
ومنها تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل من نطق بالشهادتين ولو كان ظاهر حاله لا يدل على صدقـه، كما عَنَفَ النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد لما قتل رجلاً كان قد قتل عدة رجال من المسلمين فلما اتبعه أسامة ورفع عليه السيف قال الرجل: أشهد أن لا إلا الله فعلاه أسامة بالسيف فقتله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: [أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، وما تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة] ولما قال له أسامه: إنما قالها تعوذاً.. قال صلى الله عليه وسلم له: [هلا شققت عن قلبه]!! ولما قال أسامة استغفر لي يا رسول الله.. ردد النبي عليه قوله: [وما تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة]!!
والنصوص في حرمة المسلم على أخيه المسلم كثيرة جداً ومنها أيضاً إيجاب مجموعة من المعروف يجب على المسلم أن يقدمها لأخيه المسلم دون أخذ أجر على ذلك بل من حق المسلم على أخيه المسلم كرد السلام وإلقائه، وتشميت العاطس وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة، وإبرار المقسم، وكذلك التطوع بالشهادة دون أن يأخذ على ذلك أجراً...
هذا مع وجوب نصره ظالماً برده عن الظلم، ومظلوماً في السعي لرفع الظلم عنه. كما قال صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً] (رواه البخاري)
ومن فروع هذا الأصل: أعني أخوة المسلم لأخيه المسلم، تحريم كل ما يدعو إلى فرقة بين المسلمين، ويفرق جماعتهم، ويمزق صفوفهم..
فقد جاء الإسلام بتحريم كل عصبية ولو كانت لاسم شريف، وفئة كريمة، كما أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على من دعا إلى تعصب الأنصار ضد المهاجرين، والمهاجرين ضد الأنصار. فقال أبهذا وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة، وقال ليس منا من دعا إلى عصبية، ومن قائل بنصر عصبية أو يدعو إلى عصبية فمات فميتته جاهلية..
فكل العصبيات في الدين مذمومة سواء كانت لفئة أو قبيلة، أو جماعة، أو وطن، أو إقليم، أو عالم، وقد ذم علماء الإسلام من تعصب لمذهب من المذاهب الفقهية لأن هذا يؤدي وقد أدى إلى فرقة بين المسلمين حتى إنه أدى أحياناً إلى الفرقة في الصلاة فكان بعضهم لا يصلي الجماعة خلف المخالف في المذهب، وكذلك في الـزواج، والقضاء والمدارس.. حتى جاء وقت كانت المذاهب الفقهية المدونة كأنها شرائع مستقلة..
فكل عصبية تؤدي إلى فرقة في الدين فهي مذمومة.
* المخالفون لهذا الأصل:
وقع في المسلمين مخالفات كبيرة لهذا الأصل الأصيل من دينهم، فقد تفرقوا بأسباب كثيرة ترجع إلى الفرقة بسبب الدين، وبعضها يرجع إلى الفرقة بسبب الدنيا.
1) الخلاف بسبب الدين:
فأما الفرقة بسبب الدين فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: [افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وتفرقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة..] (رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني في صحيحه الجامع (1083))
وهذا الحديث بيان لقول الله تبارك وتعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهـدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة:213)..
ولقد وقع بسبب فرقة المسلمين في الدين بلاء وشر عظيم في الأمة سفكت بسببه الدماء، واستبيحت كل الحرمات وبسببه تغلب أهل الكفر في أوقات كثيرة على أهل الإسلام كما قال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (الأنفال:46)
وكان من أعظم الفرقة في الدين فراق الخوارج لجماعة المسلمين والحكم عليهم بالكفر في الدنيا، والخلود في النار، وذلك بالكبيرة... واستحلال قتالهم بسبب ذلك، وفي الخوارج وردت نصوص كثيرة تفيد وجوب قتالهم ودفع شرهم عن المسلمين، وأنهم شر الخليقة عمدوا إلى آيات في الكفار فوضعوها في المؤمنين، وأنهم مع كثرة صلاتهم وصيامهم إلا أنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ويمرقون من الإسلام سريعاً كما يمرق السهم من الرمية دون أن يحمل شيئاً منها، ولا تظهر فيه أثر من دمائها أو فرثها، وذلك لشدة سرعته، وأنهم سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان قد وقع بسببهم في الأمة بلاء كبير، وشر مستطير لأنهم لقلة علمهم وعدم فهمهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وقد شغل هؤلاء أهل الإسلام طيلة قرون الإسلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كلما خرجوا قطعوا، حتى يخرج آخرهم مع الدجال]
وكذلك قد وقـع الخلاف بين المسلمين بسبب التفرق في الدين من غير الخوارج كالخلاف الذي وقع بسبب البدع الكبرى كبدعة الرفض، والاعتزال والقدر، والإرجاء وقد وقع بسبب هذه البدع وما نشأ عنها كثير من الشقاق نشأ بترك التحاكم عند كل خلاف إلى كتاب الله وسنة رسله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}.. وقوله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله} (الشورى:10)..
فكان ترك التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، وترك الرجوع إلى أهل العلم من العلماء الذين هم على التحقيق أولو الأمر، ثم اتباع الهوى ورد الحق بغياً وعناداً كان ذلك هو الذي سبب الفرقة بين المسلمين، وفرق شملهم، وأوهى جماعتهم.
2) الخلاف بسبب الدنيا:
وأما الفرقة بسبب الدنيا فأسبابها عديدة ومرجع ذلك إلى التنافس في الدنيا، والأثرة، وحب النفس، وقد جاء الإسلام بالتحذير من ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: [أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: بركات الأرض..] (متفق عليه)
وقوله صلى الله عليه وسلم: [.. أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم] (متفق عليه)..
وصراع المسلمين بسبب الدنيا التي فرقتهم إلى أوطان ودويلات متحاربة متعادية، وفئات وجماعات متنافسة متخاصمة... وفي سبيل هذا التنافس والتباغض بل والتحارب، ضـاع العمل بأصل الموالاة بين المسلم والمسلم.
والواجب على أهل الإسلام جميعاً التمسك بأصل الموالاة في الدين، وترك كل خلاف يؤدي إلى الفرقة بين المسلم والمسلم.. ففي الخلاف الديني يجب الرد إلى كلام الله وكلام رسـوله، واتباع أهل العلـم الذين هم أولو الأمر والتمسك بجماعة أهل الإسلام، وإجماعهم، وعدم إخراج المسلم من الإسلام بمعصية لا تبلغ الكفر ولا تبدعه ولا تكفره، وأن يوالى كل مسلم يشهد ألا إله إلا الله ولا يعاديه بقدر معصيته، ولا يعاقب بقدر بدعته مع موالاته في أصل الدين وإبقائه في جماعة المسلمين وإعطائه ما للمسلم من حق في حرمة دمه وماله وعرضه، ووجوب نصره، ومحبته، وموالاته..
* المخالفون في أصل الولاء:
1) الخوارج الذين خرجوا على المسلمين بالسيف، واستحلوا دماءهم وأموالهم بالمعصية، واعتقدوا خلود المسلم الموحد في النار إذا ارتكب كبيرة من الكبائر، وهؤلاء شر الفرق.
2) أهل التأويل والتعطيل الباطل الذين اخترعوا منهجاً في أسماء الله وصفاته يقوم على نفي وتحريف كل ما وصف الله به مما زعموا أن إثباته يوجب المماثلة لخلقه، وقد قالوا بكفر من لم يعتقد معتقدهم، وينزه الله حسب زعمهم وتأويلهم.
3) المتنطعون المتشددون الجراحون الذين أخرجوا المسلم من الإسـلام بمجرد أن يقع في خطأ بتأويل أو اجتهاد، والذين يتتبعون سقطات العلماء، ولا يغفرون زلة، ولا يعذرون جاهلاً ولا ناسياً، ولا متأولاً ويأخذون المسلم بلازم قوله..
4) المجتمعون على عصبية يوالون عليها ويعادون عليها أيا كانت هذه العصبية من مذهب فقهي، أو جماعة دعوية، أو هوية سياسية، أو دولة إقليمية.
5) كل صاحب هوى وبدعة ينصر هواه، ويوالي من يوافقه في بدعته، ويحارب من يخالفه، ولا يرجع في خلافه إلى كلام الله ورسوله.
6) المختلفون بسبب هذه الدنيا الفانية، ويوالون عليها ويعادون عليها، ويقتلون في سبيلها، فيقطعون الأرحام، ويهدمون أخوة الإسـلام، ويسفكون الدم الحرام، ويفرقون أمة الإسلام، وكل ذلك بسبب هذا الحطام!!!
الأصل الخامس: البراءة من الكفار:
أرسل الله سبحانه وتعالى رسله إلى أهل الأرض مبشرين ومنذرين، وشاء الله سبحانه وتعالى أن ينقسم الناس إزاء دعوة رسله إلى مؤمن وكافر. وأن يظل هذا الخلاف ما بقيت الدنيا...
قال تعالى لآدم عليه السلام عندما أهبطه إلى الأرض وطرد إبليس من رحمته: {قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:38-39)..
وقال تعالى: {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} (الأعراف:24).. وقال تعالى: { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (الأعراف:35-36).. وقال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس:99)
وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود:118-119)
الآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، ومن أجل سنة الله هذه في خلقه وعباده، فإنه أرسل الرسل مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار، وداعين إلى الله يبينون الطريق والصراط إليه، وأمر الله الرسل وأتباعهم أن يجاهدوا الكفار بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم.
وأن يوالي أهل الإيمان بعضهم بعضاً، وأن يعادي أهل الإيمان أهل الكفران، فلا يحبوهم، ولايركنوا إليهم، حتى ولو كان المؤمن وحيداً في هذه الأرض كما ضرب الله لأتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مثلاً بإبراهيم عليه السلام ولم يكن مؤمن في الأرض غيره وزوجه سارة، ولم يؤمن به غير لوط ابن أخيه.. قال تعالى: {لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دين الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده.. } (الممتحنة:4)
ولذلك أوجب الله على أهل الإسلام مفارقة ما عليه آباؤهم وأهلهم من الكفر، ومعاداتهم في الدين قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} (التوبة:23)
وأوجب كذلك سبحانه وتعالى معاداة الناس جميعاً ممن اتبع غير دين الإسلام ولو كانوا أكثر عدداً وأعظم قوة كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} (المائدة:51)
وقال تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتـم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون* ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قـوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامـة ما كنتم فيه تختلفون* ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون} (النحل:91-93)
وجعل الله سبحانه وتعالى موالاة ونصرة المسلم للكافر على المسلم كفراً به سبحانه وتعالى. كما قـال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنون ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاةً، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير* قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شئ قدير} (آل عمران:28-29)
وأمر الله سبحانه وتعالى أهل الإسـلام أن يلزموا صراط الله المستقيم، وشريعة الله الإسلام التي اختصهم بها، ولا يخلطوا دينهم بغيره في عقيدة أو عبادة، وألا يتشبهوا بأعداء الله. قال تعالى: {قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين} (الكافرون:1- 6)
وقـال سبحانه وتعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبؤكم بما كنتم فيه تختلفون} (المائدة:48)
وقال صلى الله عليه وسلم: [بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم] (رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2831))
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف هو تكليفه بقتال الكفار حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً رســول الله كما قال صلى الله عليه وسلم: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله فإن قالوا فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله] (متفق عليه)
وفي أهل الكتاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم ليسلموا أو يدفعوا الجزية كما قال سبحانه وتعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة:29)
وهذه هي البراءة من الكفار، والفصل الكامل بين ديننا ودينهم وطريق أهل الإسلام وطريقهم والحذر من اتخاذهم أولياء بل ولا بطانة وأعواناً. كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون } (آل عمران:118)
هذه البراءة وما يتبعها من العداوة في الدين، ومخالفة أصحاب الجحيم، والحذر من اتخاذهم بطانة... الخ أصل من أصول الإسـلام، وقد خالفته طوائف كثيرة فكان من هذه المخالفة الشر والفساد الكبير الذي حذر الله منه.
كما قال تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} (الانفال:73) والضمير في (تفعلوه) راجع إلى ما أمر الله به من وجوب موالاة المسلمين بعضهم بعضاً، ووجوب الحذر من موالاة الكفار..
* المخالفون لهذا الأصل:
1) الفرق الباطنية من أهل النفاق والكفر الذين كانوا في كل أدوار تاريخهم عوناً للكفار على المسلمين، وإلباً على أولياء الله من الصالحين وعوناً لليهود والنصارى والمغـول الكافرين على المسلمين..
2) المنافقون المستغربون الذين فتنوا بما عليه الغرب الكافر في علومه وثقافاته وعاداته وطرائق معيشته فحاولوا التوفيق -في زعمهم- بين الإسـلام وبين الحضارة الغربية: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} (النساء:61)
ويتعللون دائماً بموافقتهم لأعداء الإسـلام قائلين: {إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً} (النساء:62)
الأصل السادس: أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس:
من أصول الإسـلام التي يجب علي كل مسلم اعتقادها، ويكفر من قال بنقضيها الاعتقاد أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة من أمم الهداية أخرجت للناس. قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} (آل عمران:110)
وهذه الخيرية والفضل كان لأسباب كثيرة منـها: كرم الأصل، ونفاسة الجرثومة، وطيب المعدن كما قال صلى الله عليه وسلم: [الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا...] (رواه مسلم)
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: [خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها] (رواه الترمذي والحـاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3294))
ومن أجل ذلك كانت أمانتهم وصدقهم وشجاعتهم منطلقاً لحمل رسالة الإسلام بصدق وإخلاص، وتفان وشجاعة، فكانوا كما قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} (الأحزاب:23)
وقال سبحانه وتعالى في مدحهم: {محمد رسـول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} (الفتح:29)
ولذلك ابتلاهم الله بالخوف فكانوا شجعاناً، وابتلاهم بالطمع فكانوا زهاداً.. ففي بـدر قالوا: [والله يا رسـول الله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك] مع أنهم كانوا أقل عدداً من عدوهم، وخرج