بسم الله الرحمن الرحيم
تقسيم العرب إلى عاربة ومستعربة
هل تقسيم العرب إلى عرب عاربة ومستعربة صحيح ؟ وهل هذا يتعارض مع القرآن أم لا ؟ وهل صحيح أن هذا التقسيم أتى من اليهود ؟
الحمد لله
توارد الأخباريون والمؤرخون والنسَّابون على تقسيم العرب – من حيثُ
القِدَمُ - إلى طبقات ثلاثة : عربٌ بائدة ، وعربٌ عاربة ، وعربٌ مستعربة .
1- أما العرب البائدة : فهم مثل أقوام عاد ، وثمود ، وجديس ، وعبيل ،
وجُرهُم ، أطلق عليهم اسم " البائدة " لقدمهم النسبي ، ولاندثارهم قبل
الإسلام .
2- وأما العرب العاربة فهم القحطانيون ، أبناء قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، كما يذكر ذلك أكثر النسابين .
3- وأما العرب المستعربة أو المتعربة ، ويقال لهم " العدنانيون " ، أو "
النزاريون " ، أو " المعديون " ، وهم من صلب سيدنا إسماعيل بن إبراهيم
عليهما الصلاة والسلام ، الذي تزوج من رعلة الجرهمية ، فتعلم منهم العربية ،
فسموا المستعربة ، وصار نسلهم من العرب ، واندمجوا فيهم ، وهم ينتسبون إلى
عدنان من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام ، غير أن ثمة خلافا كبيرا بين
النسابين في عدد الآباء بينهما .
ومضمون هذا التقسيم لا تكاد تختلف فيه كتب التاريخ والأنساب ، ولكن الخلاف
واقع في الأسماء ، فبعضهم يسمي العرب البائدة بالعاربة ، وآخرون يسمونهم
بالعرباء ونحو ذلك من الخلاف .
ولا نجد أي تعارض بين هذا التقسيم وبين الحقائق الواردة في القرآن الكريم ،
كما نستبعد جدا أن يكون مضمون هذا التقسيم مأخوذا عن أهل الكتاب من اليهود
والنصارى، وذلك لسببين اثنين :
السبب الأول :
توارد جميع كتب التاريخ والأنساب على تقسيم العرب إلى القحطانيين
والعدنانيين ، حتى قال الحافظ ابن عبد البر في مقدمة كتابه "الإنباه على
قبائل الرواه" (ص/2) :
" هذا كتاب أخذته من أمهات كتب العلم بالنسب وأيام العرب ، بعد مطالعتي لها
، ووقوفي على أغراضها ، فمن ذلك : كتاب أبي بكر محمد بن إسحاق ، وكتاب أبي
المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وكتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى ،
وكتاب محمد بن سليمان ، وكتاب محمد بن حبيب ، وكتاب أبي عبد الله أحمد بن
محمد بن عبيد العدويّ في نسب قريش ، وكتاب الزبير بن بكار في نسب قريش ،
وكتاب عمه مصعب بن عبد الله الزبيري في ذلك ، وكتاب علي بن كيسان الكوفي في
أنساب العرب قاطبة ، وكتاب علي بن عبد العزيز الجرجاني ، وكتاب عبد الملك
بن حبيب الأندلسي ، إلى فِقَرٍ قيّدتها من الحديث والآثار ، ونوادر
اقتطفتها من كتب أهل الأخبار " انتهى .
فانظر عدد هذه المراجع القديمة ، فضلا عمن جاء بعدهم ، أو فات ابن عبد البر
ذكرهم ، وقد ذكر الحافظ في كتابه هذا التقسيم المشهور للعرب .
السبب الثاني : عدم ورود شيء عن العرب البائدة في التوراة المحرفة التي بين
أيدي الناس اليوم ، بل إن اليهود ينكرون وجود أقوام عاد وثمود ونحوهم ،
فكيف يكون هذا التقسيم مأخوذا عنهم .
يقول الطبري رحمه الله : " فأما أهل التوراة ، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد
ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة ، وأمرهم عند العرب في الشهرة في
الجاهلية والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه " انتهى .
"تاريخ الأمم والملوك" (1/141) .
وقد تمكن علماء الآثار من الوقوف على حقائق جغرافية وتاريخية تدل على وجود
هؤلاء الأقوام ، وعدمُ ذكر التوراة لهم إنما هو لأن أكثرهم عاشوا بعد
التوراة ، أو لأن التوراة لا تهتم بأخبار العالم من غير العبرانيين .
يقول الدكتور جواد علي :
" اتفق الرواة وأهل الأخبار ، أو كادوا يتفقون ، على تقسيم العرب من حيث
القدم إلى طبقات: عرب بائدة ، وعرب عاربة ، وعرب مستعربة . أو عرب عاربة ،
وعرب متعربة ، وعرب مستعربة . أو عرب عاربة وعرباء وهم الخلص ، والمتعربة .
واتفقوا أو كادوا يتفقون على تقسيم العرب من حيث النسب إلى قسمين : قحطانية
، منازلهم الأولى في اليمن . وعدنانية ، منازلهم الأولى في الحجاز .
واتفقوا ، أو كادوا يتفقون ، على أن القحطانيين هم عرب منذ خلقهم الله ،
وعلى هذا النحو من العربية التي نفهمها ويفقهها من يسمع هذه الكلمة ، فهم
الأصل ، والعدنانية الفرع منهم أخذوا العربية ، وبلسانهم تكلم أبناء
إسماعيل بعد هجرتهم إلى الحجاز ، شرح الله صدر جدهم إسماعيل ، فتكلم
بالعربية ، بعد أن كان يتكلم بلغة أبيه التي كانت الآرامية ، أو الكلدانية ،
أو العبرانية على بعض الأقوال .
ونجد الأخباريين والمؤرخين يقسمون العرب أحيانًا إلى طبقتين : عرب عاربة ،
وعرب مستعربة ...وظل الرواة يتوارثون هذا التقسيم كلما بحثوا في تأريخ
العرب قبل الإسلام، وفي موضوع الأنساب .
وتقسيم العرب إلى طبقات - وذلك من ناحية القدم والتقدم في العربية - هو
تقسيم لا نجد له ذكرًا لا في التوراة أو الموارد اليهودية الأخرى ، ولا في
الموارد اليونانية أو اللاتينية ، أو السريانية ، ويظهر أنه تقسيم عربي
خالص ، نشأ من الجمع بين العرب الذين ذكر أنهم بادوا قبل الإسلام ، فلم
تبقَ منهم غير ذكريات ، وبين العرب الباقين ، وهم إما من عدنان ، وإما من
قحطان " انتهى باختصار .
"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (1/294 فما بعدها) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب