تعذيب قريش له
علمت قريش بأمر الأنصار ولقائهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ،
فلحقت بهم وأدركت سعد بن عبادة أحد الاثنى عشر نقيبا ، وأخذوه وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ،
وأدخلوه مكة وهم يضربونه ، يقول سعد
فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ،
فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع حلو من الرجال ،
فقلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذافلما دنا مني
رفع يده فلكمني لكمة شديدة فقلت في نفسي : والله ما عندهم بعد هذا من خير ! )
فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم فقال
ويحك ! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟)
فقلت
بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجّاره ،
وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف )قال :
( ويحك فاهتف باسم الرجلين ،واذكر ما بينك وبينهما)
قال : ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ،
فقال لهما
إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ويذكر أن بينـه وبينكما جوار)قالا :
( ومن هـو ؟) قال
سعـد بن عبادة) قالا
صدق والله ، إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يظلموا ببلده)
فجاءا فخلصا سعـد من أيديهـم ، فانطلق ، وكان الذي لكم سعـدا سهيـل بن عمرو العامـري ،
وكان الرجـل الذي آوى إليه أبا البختري بن هشام
جوده وكرمه
كان سعد بن عبادة مشهوراً بالجود والكرم هو وأبوه وجدّه وولدُهُ ، وكان لهم أطُمٌ -بيت مربع مسطح-
يُنادَى عليه كل يوم
من أحبَّ الشّحْمَ واللحْمَ فليأتِ أطمَ دُليم بن حارثة )
وكانت جَفْنة سعد تدور مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيوت أزواجه
السلام
استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سعد بن عبادة فقال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
فقال سعد
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ) ولم يُسْمع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سلّمَ ثلاثاً ،
وردَّ عليه سعد ثلاثاً ، ولم يُسْمِعْهُ ، فرجع النبي -صلى الله عليه وسلم-
فاتبعه سعدٌ فقال
يا رسول الله ! بأبي أنت ما سلّمتَ تسليمة إلا وهي بأذُني ، ولقد رددتُ عليك ولم أسْمِعْكَ ،
أحببتُ أن أستكثرَ من سلامِكَ ومن البركة ) ثم دخلوا البيت فقرّب إليه زبيباً فأكل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ،
فلمّا فرغ قال
أكلَ طعامكم الأبرار ، وصلّتْ عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون )
الخُلُق الصالح
جاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد بزاملةٍ -ناقة يُحمل عليها- تحمل زاداً ، يؤمّان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يعني يوم ضلّتْ زاملتُهُ -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع ، حتى يجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
واقفاً عند باب منزله ، فقد أتى الله بزاملته ، فقال سعد
يا رسول الله ! بلغنا أن زاملتَكَ ضلت مع الغلام وهذه زاملةٌ مكانها )
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قد جاءَ الله بزاملتِنا ، فارجِعا بزاملتكما بارك الله عليكما ،
أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتكَ منذ نزلنا المدينة ؟) قال سعد :
( يا رسول الله ! المنّة لله ولرسوله ، والله يا رسول الله للذي تأخذ من أموالنا أحبُّ إلينا من الذي تَدَعُ )
قال -صلى الله عليه وسلم-
صدقتُم يا أبا ثابت ، أبشِرْ فقد أفلحت ، إن الأخلاقَ بيد الله ،
فمن أراد أن يمنحَه منها خُلقاً صالحاً منحَهُ ، ولقد مَنَحَكَ الله خُلقاً صالحاً ) فقال سعد
الحمد لله هو فعل ذلك )
راية الأنصار
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-
كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المواطن كلها رايتان ،
مع علي بن أبي طالب راية المهاجرين ، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار )
غزوة الغابة
في غزوة الغابة أقام سعد بن عبادة في المدينة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة خمسَ ليالٍ حتى رجع النبـي -صلى الله عليه وسلم-
وبعث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحمالِ تمر ، وبعشر جزائر -ناقة- بذي قرد وكان في الناس قيس بن سعد بن عبادة على فرسٍ له يُقال له الوَرْد ،
وكان هو الذي قرّب الجُزُرَ والتمرَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( يا قيس ، بعَثَك أبوك فارساً ، وقوّى المجاهدين ، وحرس المدينة من العدو ، اللهم ارحم سعداً وآل سعد )
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
نِعْمَ المَرْءُ سعد بن عبادة ) فتكلمت الخزرج فقالت :
( يا رسول الله ! هو نقيبنا وسيّدنا وابن سيدنا ، كانوا يُطعمون في المَحْـلِ ، ويحملون في الكَـلِّ ،
ويَقْرون الضيـف ، ويُطعمون في النائبـة ، ويحملون عن العشيرة ) فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم-
خيارُ النّاس في الإسلام خيارُهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدّين )
يوم الفتح
كانت شخصية سعد تتسم بالشدة والقوة ، ففي يوم فتح مكة جعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-
أميرا على فيلق من جيش المسلمين ، ولم يكد يصل الى مشارف مكة حتى صاح
اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة )
فكأنه عندما رأى مكة مستسلمة لجيش الفتح ، تذكر كل صور العذاب الذي صبته على المؤمنين وكان ذنبهم أن يقولوا :
لا إله إلا الله ، فدفعه الى توعدهم فسمعه عمر بن الخطاب وسارع الى النبي قائلا :
( يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة ) فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-
عليا كرم الله وجهه أن يدركه ، ويأخذ الراية منه ، ويتأمر مكانه
يوم حنين
أعطى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من العطايا ولم يكن للأنصار منها شيء ،
حتى كثرت منهم القالة ، وقال قائلهم : ( لقي والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه )
وقال سعد للرسول
يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ،
قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء )
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-
فأين أنت من ذلك يا سعد ؟) قال : ( يا رسول الله ما أنا إلا من قومي )
قال : ( فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة )
فلما اجتمعوا أتاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وقال :
( يا معشر الأنصار ، ما قالة بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ! ألم آتكم ضُـلالا فهداكم الله ،
وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ! ) فقالوا : ( بلى ، الله ورسوله أمـن وأفضـل ) ثم قال
ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟) قالوا
بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل !)
قال -صلى الله عليه وسلم-
أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصَدقتم ولصُدّقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ،
ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة من الدنيا
تألفت بها قوما ليسلموا ووكَلْتكم الى إسلامكم ! ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير
وترجعوا برسول الله الى رحـالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجـرة لكنت أمرأ من الأنصـار ،
ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ،
وأبناء أبناء الأنصار ) فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا وسعد معهم
رضينا برسول الله قسما وحظا )
يوم السقيفة
ولما قبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- انحاز بعض الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة
بني ساعدة منادين بأن يكون خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وخطب فيهم سعد -رضي الله عنه-
موضحا أحقية الأنصار بذلك ،ولكن لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد استخلف أبا بكر على الصلاة أثناء مرضه ،
فهم الصحابة أن هذا الاستخلاف مؤيدا لخلافة أبي بكر وتزعم عمر بن الخطاب هذا الرأي
وسارع أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح -رضي الله عنهم- إلى الأنصار ، واشتد النقاش حول أحقية الخلافة ،
وخطب أبوبكر الصديق خطبة بين فيها فضل المهاجرين والأنصار وقال في خاتمتها
هذا عمر وهذا أبوعبيـدة فأيهما شئتـم فبايعـوا)
فقال الاثنان
لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ) ثم قال عمر
ابسط يدك نبايعك )
فسبقهما بشير بن سعد -رضي الله عنه- وهو من كبار الأنصار وبايع أبا بكر وتلاه عمر وأبو عبيدة ،
فقام الحاضرون من الأنصار والمهاجرين فبايعوه وفي اليوم التالي اجتمع المسلمون في المسجد وبايعوه بيعة عامة
خلافة عمر
في الأيام الأولى من خلافة عمر -رضي الله عنه- ، ذهب سعد الى أمير المؤمنين ،
وقال بصراحته المتطرفة
كان صاحبك أبو بكر -والله- أحب إلينا منك ، وقد -والله- أصبحتُ كارهاً لجوارك )
فأجاب عمر بهدوء
إن من كره جوار جاره ، تحول عنه ) وعاد سعد فقال
إني متحول إلى جوار من هو خير عنك )
وبهذا أراد سعد ألا ينتظر ظروفا قد تطرأ بخلاف بينه وبين أمير المؤمنين ، خلاف لا يريده ولا يرضاه
وفاته
شـدّ سعد بن عبادة -رضي الله عنه- الرحال إلى الشام ،
وما كاد أن يبلغهـا وينزل أرض حوران حتى دعـاه أجله وأفضى إلى جوار ربـه الرحيم سنة ( 14 هـ )
إنتهى والحمد الله , نسألكم الدعااء