يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء ، فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم ، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا ، ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى ، أنهما يحسنان الوضوء ، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه ، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
النصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي
خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) ، قالوا: لمن يا رسول الله؟
قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [متفق عليه].
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم). [متفق عليه].
وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.
آداب الناصح:
*الإخلاص: فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله ، أو فضح المنصوح والتشهير به ، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح ، وابتغاء مرضاة الله.
*الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].
*عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين ، فالمؤمن مرآة أخيه ، يقدم له النصيحة ، ويخبره بعيوبه ، ولا يكتم عنه ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست) ، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه ، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) [مسلم].
*أن تكون النصيحة في السر: المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره ، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي:
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا ، وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه جبلا ، ولا ترسلوه جدلا والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان).
*الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد ، ويعمل الفكر ، قبل أن ينصح ، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة.
آداب المنصوح:
*أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه ، وأدِّها على أحسن وجه.
*عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة ، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [البقرة: 206].
*أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته ، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق ؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا ، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره) [الطبراني].
*شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه ، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.