قال تعالى: ( و الولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة ) البقرة : 233 .
و قال : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهراً ) الأحقاف 15 .
و قال موجهاً للأسترضاع : ( و إن تعاسرتم فستُرضع له أخرى ) الطلاق : 6.
و نلمس مما تقدم تأكيداً على الإرضاع من ثدي المرأة ، قبل اللجوء لأية وسيلة كالإرضاع الصناعي "حليب البقر و غيره " .. فلماذا ، المقارنة الآتية تنحنا الجواب الشافي .
مقارنة بين الرضاع الطبيعي و الإرضاع الصناعي :
1 ـ تركيب الحليب :
يتطور تركيب حليب الأم من يوم لآخر بما يلائم حاجة الرضيع الغذائية ، و تحمل جسمه ، و بما يلائم غريزته و أجهزته التي تتطور يوماً بعد يوم ن وذلك عكس الحليب الصناعي الثابت التركيب : فمثلاً يفرز الثديان في الأيام الأولى اللبن Colostrm الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن من البروتين و العناصر المعدنية ، لكنه فقير بالدسم و السكر ، كما يحوي أضدادا لرفع مناعة الوليد ، و له فعل ملين ، هو الغذاء المثالي للوليد .
كما يخف إدرار اللبن من ثدي الأم ، أو يخف تركيزه بين فترة و أخرى بشكل غريزي و ذلك لإزاحة الجهاز الهضمي عند الوليد ، ثم يعود بعدها بما يلائم حاجة الطفل .
2 ـ الهضم :
لبن الأم أسهل هضماً لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد خمائر المعدة عند الطفل على الهضم ، و تستطيع المعدة إفراغ محتواها منه بعد ساعة و نصف ، و تبقى حموضة المعدة طبيعية و مناسبة للقضاء على الجراثيم التي تصلها . بينما يتأخر هضم خثرات الجبن في حليب البقر ، لثلاثة أو أربع ساعات ، كما تعدل الأملاح الكثيرة الموجودة في حليب البقر حموضة المعدة ،و تنقصها مما يسمح للجراثيم و خاصة الكولونية بالتكاثر مما يؤدي للإسهال و الإقياء .
3 ـ الطهارة :
حليب الأم معقم ، بينما يندر أن يخلو الحليب في الرضا ع الصناعي من التلوث الجرثومي ، و ذلك يحدث إما عند عملية الحلب ، أو باستخدام الآنية المختلفة أو بتلوث زجاجة الإرضاع .
4 ـ درجة حرارة لبن الأم ثابتة و ملائمة لحرارة الطفل ، و لا يتوفر ذلك دائماً في الإرضاع الصناعي .
5 ـ الإرضاع الطبيعي أقل كلفة ، بل لا يكلف أي شيء من الناحية الاقتصادية .
6 ـ يحوي لبن الأم أجسام ضدية نوعية ، تساعد الطفل على مقاومة الأمراض ، و تواجد بنسبة أقل بكثير في حليب البقر ، كما أنها غير نوعية ، و لهذا فمن الثابت أن الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أقل عرضة للإنتان ممن يعتمدون على الإرضاع الصناعي .
7 ـ الإرضاع الطبيعي يدعم الزمرة الجرثومية الطبيعية في الأمعاء ذات الدور الفعال في امتصاص الفيتامينات و غيرها من العناصر الغذائية ، بينما يسبب الإرضاع الصناعي اضطراب هذه الزمرة .
8 ـ يسبب لبن البقر مضاعفات عدم تحمل و تحسس ، لا تشاهد في الإرضاع الطبيعي كالإسهال و النزف المعوي و التغوط الأسود و مظاهر التجسس الشائع ، كما إن الإلعاب و المغص و الإكزما البنيوية أقل تواجداً في الإرضاع الطبيعي .
9 ـ الاستعداد للأمراض المختلفة :يهيء الإرضاع الطفل للإصابة أكثر ، بأمراض مختلفة ، كالتهابات الطرق التنفسية ، و تحدد الرئة المزمن الذي يرتبط بترسب بروتين اللبن في بلازما الطفل و كذلك التهاب الأذن الوسطى ، لأن الطفل في الإرضاع الصناعي يتناول وجبته و هو مضطجع على ظهره ، فعند قيام الطفل بأول عملية بلع بعد الرضاعة ينفتح نفير أوستاش و يدخل الحليب و اللعاب إلى الأذن الوسطى مؤدياً لالتهابها.
و تزيد حالات التهاب اللثة و الأنسجة الداعمة للسن بنسبة ثلاثة أضعاف ، عن الذين يرضعون من الثدي . أما تشنج الحنجرة ، فلا يشاهد عند الأطفال الذين يعتمدون على رضاعة الثدي .
ـ هذه الفروق و غيرها ، تفسر لنا نسبة الوفيات عند الأطفال الذين يعتمدون الإرضاع الصناعي عن نسبة وفيات إخوانهم الذين من الثدي بمقدار أربعة أضعاف رغم كل التحسينات التي أدخلت على طريقة إعداد الحليب في الطرق الصناعية ، و على طريقة إعطائه للرضيع .
ـ طريقة الإرضاع و مصلحة الأم :
الإرضاع من الثدي لمصلحة الأم دوماً لأنه :
1 ـ يفيد بعملية إنطمار الرحم بعد الولادة ، نتيجة منعكس يثيره مص الحلمة من قبل الطفل ، فيعود حجم الرحم بسرعة أكبر لحجمه الطبيعي و هذا يقلل من الدم النازف بعد الولادة .
2 ـ النساء المرضعات أقل إصابة بسرطان الثدي من النساء غير المرضعات ، فمن قواعد سرطان الثدي أنه ـ يصيب العذارى أكثر من المتزوجات المرضعات ، فمن قواعد سرطان الثدي أنه ـ يصيب العذارى أكثر من المتزوجات.
ـ و يصيب المتزوجات غير المرضعات أكثر من المرضعات .
ـ و يصيب المتزوجات قليلات الولادة أكثر من الولادات .فكلما أكثرت المرأة من الإرضاع ، قل تعرضها لسرطان الثدي .
3 ـ الإرضاع من الثدي ، هو الطريقة الغريزية المثلى لتنظيم النسل :
إذ يؤدي الإرضاع لانقطاع الدورة الطمثية بشكل غريزي ، و يوفر على المرأة التي ترغب في تأجيل الحمل أو تنظم النسل ، مخاطر الوسائل التي قد تلجأ إليها كالحبوب ،و الحقن ، و اللولب ...
أما آلية ذلك ، فهي أن مص حلمة الثدي ن يحرض على إفراز هرمون البرولاكتين من الفص الأمامي للغدة النخامية ،و البرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي ،و يؤدي لنقص إفراز المنميات و البرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي ،و يؤدي لنقص إفراز المنميات التناسلية Gonadotrophin المسؤلة عن التغيرات الدورية في المبيض ، وهذا ما يحصل عند 60% من النساء المرضعات .
ـ الإرضاع و تقوية الرابطة الروحية :
الإرضاع الأمي يقوي الرابطة الروحية و العاطفة بين الأم ووليدها ، ويجعل الأم أكثر عطفاً بطفلها ، و هذه الرابطة هي الضمان الوحيد الذي يحدو بالأم للاعتناء بوليدها بنفسها .فهو ليس مجرد عملية مادية ، بل هو رابطة مقدسة بين كائنين ، تشعر فيه الأم بسعادة عظمى لأنها أصبحت أماً ، تقوم على تربية طفل صغير ، ليكون غرساً في بستان الحياة .
أما بالنسبة للطفل فالإرضاع الثديي يهبه توازناً عاطفياً و نفسياً ، و يجعله فرحاً مسروراً ، و عندما يضع ثغره على ثدي أمه ، يصبح على مقربة من دقات قلبها ، و هذا النغم الرقيق و اللحن ، يمنحه السكن و الطمأنينة ،و من ثم الخلود إلى الراحة و النوم .
هذه الرابطة القوية ينجم عنها من تأثير ، تكون ضعيفة عندما يوضع الطفل على الإرضاع الصناعي ، و يكون الأمر أسوأ من ذلك عندما يقوم على العناية بالطفل غير الأم كالخادمة ، أو المسئولة في روضة الأطفال أو أي شخص خر ، لأن هذا الوضع يحطم ما يسمى بالاستقرار الذي هو أكثر ما يحتاجه الطفل في سنواته الأولى كي يحقق تطوراً انفعالياً سليماً و " إن العلاقة الحكمية الشخصية الوثيقة بين الطفل و شخص ما ـ ذلك الذي يؤمن له الغذاء و الدفء و الراحة ـ تبدو هذه العلاقة و كأنها من أولى الضرورات ، أن يكون هذا الشخص هو الأم ..." .
و تلمس في هذه الأيام ردة إلى الثدي ن بعد أن روج كثيراً للزجاجة ، و للحليب الاصطناعي ، الذي ملأت أنواعه الكثيرة واجهات المحلات قبل الصيدليات ، و بعد أن لجأ الكثير من الأمهات إلى الحليب الاصطناعي ظناً منهن أن هذا من مظاهر الرقي و التقدم ، و أو حفاظاً على جمالهن و أناقتهن ، ، و ما ذلك في الواقع إلا جهلاً ، أو خطأ ، أو انجرافاً وراء زخرف القول غروراً و جاهلية ً.
و لهذا يجب على الأم الواعية ، أن تحرص كل الحرص على أن تقدم لطفلها الغذاء الطبيعي الذي أعده الباري المصور أحين إعداد ، و أن لا تتخلى عنه إلا في حال مباشرة لذلك . كما يجب أن لا يدفعها للتوجيه مباشرة للحليب الصناعي ، فقد يكون ذلك النقص غريزياً و لمدة بسيطة و لمصلحة الرضيع . كما يجب عدم دعم الإرضاع الطبيعي الذي يسمى بالإرضاع المختلط ، إلا عند الضرورة ن فقد يؤدي لامتناع الطفل عن الثدي بسبب قلة إدارة اللبن من الثدي .