أثر العفو في حياة الداعية
عقيل بن محمد المقطري
لقد مدح الله رسوله - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وأمره بقوله: (فاعف عنهم واصفح) وقال لعباده المؤمنين:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
إن الناظر في سيرته - عليه الصلاة والسلام -، يجد نماذج وصوراً حية في العفو، ليس مع المؤمنين فحسب.
بل
مع أعدائه أعداء الدين أيضاً، الذين أمر الله - تعالى - بمجالدتهم
بالسيوف، غير أن تلك الصور من العفو كان لها أثرها في أنفس أولئك، وأدت
ببعضهم إلى الإيمان بالله - عز وجل -، وإليك بعض النماذج من عفوه - عليه
الصلاة والسلام -، ليكون لنا أسوة به - صلى الله عليه وسلم -.
الحــادثة الأولى:
حينما أُمسك ثمامة بن أثال، وربط في سارية من سواري المسجد ثلاثة أيام،
وكان لا يزال على الشرك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض عليه
الإسلام كل يوم، حتى قال له - عليه الصلاة والسلام -، بعد أن رفض الإسلام،
قال: (ماذا تظنني فاعلاً؟) فقال ثمامة: يا محمد، إن تقتلْ تقتل ذا دم، وإن
تعفُ تعفُ عن شاكر، فما كان منه - عليه الصلاة والسلام - إلا أن أمر بحل
وثاقه.
فانطلق ثمامة دون أن يسلم، غير أنه غاب مدة يسيرة عن نظر النبي - صلى الله
عليه وسلم -، غاب ليغتسل، ثم عاد إلى نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -
ليعلن إسلامه قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، ثم قال: يا رسول الله، والله لن تذهب إلى قريش حبة حنطة إلا بإذن
منك.
الحادثة الثانية:
ذلك
الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم وسيفه
معلق في الشجرة، فاخترط الأعرابي السيف ثم قال: يا محمد، من يمنعك مني
الآن؟ فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: الله! فسقط السيف من يد
الأعرابي، ثم أخذه النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال للأعرابي: يا
أعرابي، من يمنعك مني الآن؟ فقال الأعرابي: يا محمد، كن خير آخذ.
فقال
له - عليه الصلاة والسلام -: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟
قال الأعرابي: لا، ولكني أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أقاتل مع من قاتلك، فتركه
النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الحادثة الثالثة:
موقفه - عليه الصلاة والسلام - يوم فتح مكة من قريش، فقد عفا عنهم، مع
أنهم آذوه أشد الأذى، بل إنه - عليه الصلاة والسلام - ما كان ينتصر لنفسه
أبداً، وما كان يغضب لنفسه قط، وإنما كان ينتصر ويغضب إذا تنتهك حرمات
الله.
فما
أحوج الدعاة إلى الله وشباب الصحوة إلى أن يتصفوا بهذه الصفة الحميدة التي
تكون عاقبتها توثُّق العلاقات، وزيادة المحبة، والتئام الصفوف، وقوة
المسلمين: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
[فصلت: 34-35].
والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين