التآمر القرمطي الصفوي
الدكتور أبو بكر الشامي
إن حقيقة المعركة بين العرب والمسلمين من جهة ، واليهود الصهاينة من جهة
أخرى ، هي معركة عقيدة ومباديء ، وليست معركة ( أرض ) أو ( حدود ) أو (
مياه ) أو ( أسواق اقتصادية ) ..إلخ
والقضية تعود بجذورها إلى صدر الرسالة الإسلامية ، فلقد كان اليهود يعتقدون
بأن خاتم النبيين سيكون منهم، وكانوا كثيراً ما يستفتحون به على العرب ،
فيقولون لهم : إن نبياً قد أظلَّ ( قرُب ) زمانه ، فسنتّبعه ونقتلكم معه
قتل عادٍ وإرم ، فلما جاء الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم من العرب ،
غصّوا به وشرقوا ، وحسدوه وحسدوا أمته حسداً عظيماً ، وحملوا لها من الحقد
والكيد والكراهية ما لا يوصف ، وناصبوها العداء ، وأشعلوا لها الحروب ،
وأثاروا ضدّها الفتن ، ولا يزالون كذلك منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً .!
فمنذ ذلك التاريخ لم يهدأ لهم بال ، ولم تخمد لهم نار ، ولم يزالوا يدبّرون
المؤامرة تلو المؤامرة ، والفتنة تلو الفتنة ، والاعتداء تلو الاعتداء حتى
هذه اللحظة …
فلقد تآمروا في صدر الدعوة الإسلامية ، على رسول الإسلام صلى الله عليه
وسلم لاغتياله ، مرّة بإلقاء الحجر الثقيل فوق رأسه ، ومرّة بدسّ السم
القاتل في طعامه … وهكذا …
كما تآمروا على الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنورة بجميع وسائل
التآمر : الإعلامي ، والسياسي ، والاقتصادي ، والعسكري ، حتى أنهم تعاونوا
مع الكافرين والمشركين والمنافقين ، وألبوا الأحزاب من كل أصقاع الجزيرة
العربية لسحقها وتفكيكها …!!!
ولكنّ أسود الإسلام كانوا لهم بالمرصاد ، فلقد سحقوا تجمعاتهم ، وأحبطوا
مخططاتهم ، وكبتوا أحقادهم ، وفلّوا حدّهم ، واستأصلوا شأفتهم ، وشتتوهم في
الأصقاع ، وجعلوهم عبرة لكل معتبر …!!!
ولكنهم مع ذلك لم ييأسوا ولم يستسلموا ، وواصلوا حقدهم على هذه الأمة ،
وتابعوا تآمرهم عليها وعلى دينها وعقيدتها ، وإذْ لم يتمكنوا بعد اليوم ،
من التآمر العلني المفضوح ، فليكن تآمرهم إذاً سريّاً ( وباطنياً ) ومن
وراء ستار …
وهكذا فقد بدأ اليهود مرحلة صراع جديدة ، ينسجون فيها خيوط مؤامرة قذرة ،
جوهرها : ( التآمر على القادة البارزين في الأمة لتصفيتهم ، وتفكيك أركان
الدولة العربية الإسلامية من الداخل )…
ولتحقيق هذه الأهداف اليهودية القذرة ، كان لا بد من وضع خطة ستراتيجية
محكمة ، ثم وضع آليات صبورة لتنفيذها … وهنا لمعت فكرة جهنمية خسيسة ، في
رأس يهودي يطفح بالأحقاد والأضغان على كل ما يمت إلى العروبة والإسلام …
وصاح بأعلى صوته : وجدتها …!!!
إنها باختصار : نفس اللعبة القذرة التي لعبها جدهم ( بولص ) اليهودي لتحريف
دين المسيحية إلى ( الصليبية الصهيونية ) ، وكذلك يجب تحريف هذا الإسلام
العربي ، الذي أذاقهم كؤوس الذل والهزيمة إلى ( الشيعية الصهيونية ) ،
عندها يمكنهم تحطيم ملكه ، والسيطرة عليه …!!!
وانفرجت أسارير اليهودي الحاقد عبد الله بن سبأ ( ابن السوداء ) ، والتقط الفكرة المذهلة وقال : اتركوا لي تنفيذ هذه المهمة …
وانطلقت الخطة ، وكان أول بند فيها هو قتل عملاق الإسلام ( عمر بن الخطاب )
رضي الله عنه ، الذي أدال الدول ، وهزّ التيجان ، ودوّخ الملوك ، وكان من
أشدّ المسلمين عداوة لليهود والمشركين والمنافقين …
والتقت على هذا المسلم العظيم أحقاد ( اليهودية ) و ( الصليبية ) و ( المجوسية ) …
ونفد أمر الله ، وخرّ الفاروق شهيداً مضرّجاً بدمائه في محراب صلاته ،
وتبين بما لا يقبل الشك : أن القتلة هم ممثلو ذلك الثالوث الحاقد ، عبد
الله بن سبأ ( اليهودي ) وأعوانه وأدواته ، وجفنة الصانع (الصليبي) وأبو
لؤلؤة ( الفارسي المجوسي ) …!!!
فاليهودي : هو الذي وضع الخطة ، والصليبي : هو الذي صنع الخنجر المسموم ،
والفارسي المجوسي هو الذي باشر التنفيذ بيده الشلاء … وباستشهاد الفاروق
رضوان الله عليه ، انكسر باب الأمة الذي لن يغلق إلى قيام الساعة …
وما إن نفض المسلمون أيديهم من تراب الفاروق رضي الله عنه ، حتى بايعوا
لخليفته من بعده ، عثمان بن عفان ( ذي النورين ) رضي الله عنه ، فسار
بالأمة على منهج العمالقة الذين سبقوه ، وخفقت راياته فوق المشارق والمغارب
، فغصّ به اليهود _ مرّة أخرى _ وشرقوا ، وعلموا أنهم كلما قتلوا قائداً
للأمة أنجبت ألف قائد ، فهي أمة القيادة والريادة والقدوة ، عندها أضاف
أساطين اليهودية إلى خطتهم الخبيثة عنصراً جديداً ، ألا وهو : ( قتل القادة
وتحريف الدين )…!!!
وانطلق اليهودي بن اليهودية ( بن السوداء ) عبد الله بن سبأ ، يجوب أرجاء
الدولة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها ، يبث سمومه ، ويتقيؤ أحقاده ،
وينشر بين رعاع الناس ، والدهماء من العامة ، والموتورين من أصحاب السوابق _
من الذين نالهم من أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وعماله ما يستحقون من
العقوبة والقصاص ، جراء مخالفات ارتكبوها _ أقوالاً وأفكاراً لا عهد للعرب
والمسلمين بها ، ولم يسمعوا بأمثالها من قبل ، وكان ابن السوداء قد
استوحاها من تقيؤات تلموده الحاقد ، وخرافات توراته المزوّر ، مثل :
( الطعن في خلافة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان ) رضوان الله عليهم .
وابتداع ( أحقية علي في الخلافة ) و ( أكذوبة النصّ عليه من الله ورسوله ) و
( أكذوبة أنه معصوم ) و ( أن الصحابة غصبوه حقه في الملك ) وأمثال هذه
الافتراءات والأكاذيب الوضيعة …
و القول : ( إن لكل نبي وصي ، فمحمد هو النبي وعليّ هو الوصي ) .
وهو أول من ابتدع عقائد ( الرجعة ) و ( العصمة ) و ( التقية ) وغيرها من
العقائد الفاسدة المستوحاة من اليهود والصليبيين والبوذيين وغيرهم … كما
أنه أول من تجرأ على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فخوّنهم وكفّرهم …
وغير ذلك كثير..
ولقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هوالكشّي ( كبير علماء
التراجم المتقدمين -عندهم -الذي قالوا فيه : إنه ثقة ، عين ، بصير بالأخبار
والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم المذهب ) يقول : وذكر بعض
أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى علياً عليه السلام ،
وكان يقول _ وهو على يهوديته _ في يوشع بن نون وصيّ موسى بالغلو ، فقال في
إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في علي مثل ذلك ، وكان
أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف
مخالفيه ، وكفّرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ،
مأخوذ من اليهودية ( “رجال الكشي ” ص 101 ط مؤسسة الأعلمى بكربلاء العراق
).
ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه ” تنقيح
المقال ” ( “تنقيح المقال ” للمامقاني ، ص 184 ج 2 ط طهران ) .
ويقول النوبختي في كتابه فرق الشيعة : ( عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر
الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن علياً
عليه السلام أمره بذلك ، فأخذه علي ، فسأله عن قوله هذا ، فأقرّ به ، فأمر
بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ،
أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره (علي ) إلى
المدائن (عاصمة فارس آنذاك ) … وحكى جماعة من أهل العلم ، من أصحاب علي
عليه السلام : ( إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه
السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام
بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عليّ
عليه السلام بمثل ذلك ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ،
وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة
أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية) .
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في (روضة الصفا) : ( أن عبد الله بن سبأ توجه إلى
مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم
والتقوى ، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ،
ومنه : إن لكل نبي وصياً وخليفة ، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا
المتحلي بالعلم ، والفتوى ، والمتزين بالكرم والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ،
والتقى ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا ، وغصبت حقه ، حق الخلافة والولاية ،
ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر
كثير من المصريين بأقواله وآرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان ) . انظر (
روضة الصفا) في اللغة الفارسية ص 292 ج 2 ط إيران.
ولم يزل ذلك اليهودي الحاقد يجوب الأمصار ، ويبث سمومه الحاقدة ، مستغلاً
طيب عثمان رضوان الله عليه ، وشفقة قلبه على أمته ، ومستغلاً حقد الفرس على
العرب الذين أدالوا دولتهم وحطموا ملكهم ، ورغبتهم في الانتقام منهم ،
وجهل الرعاع ، وطيش الموتورين ، حتى أقدم على جريمته الفظيعة بتهييج غوغاء
الأمصار ( كما وصفهم الزبير بن العوام رضوان الله عليه ) ، ونزّاع القبائل (
كما وصفتهم عائشة رضوان الها عليها ) و حثالة الناس (كما وصفهم ابن سعد في
طبقاته) و خوارج مفسدون ، وضالون باغون ( كما نعتهم ابن تيمية في منهاج
السنة ) ، والمنافقون ( كما نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل ،
في الحديث الشريف ( … فأرادك المنافقون أن تخلع ..الخ فلا تخلع ) ، وإحداث
الفتنة الكبرى ، وقتل عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وهو يقرأ القرآن
في بيته ، ملحقاً إياه بمن قبله …!!!
انظر : الطبري (4/461-462) وابن سعد في طبقاته (3/71) وابن تيمية في منهاج السنة (6/29)
والذي رجح لنا من روايات أهل العلم والثقات من المؤرخين ، أن اليهودي
الحاقد عبد الله بن سبأ ( ابن السوداء ) هو الذي باشر قتل أمير المؤمنين
عثمان بن عفان رضوان الله عليه بنفسه ، وذلك ليروي أغلاله الحاقدة ، ويطمئن
على نجاح خطته الخبيثة …!!!
أنظر : خليفة بن خياط (ص174-175) ، و ابن سعد (3/83-84) ، وابن عبد البر في
الاستيعاب (3/1046) ، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم (372) .
ولم يكتف بذلك ، حتى نفد إلى عقيدة الأمة ، وجوهر التوحيد ، فدق أسافينه الخبيثة فيها …
حيث وضع بيديه القذرتين ، منذ تلك اللحظة البائسة ، حجر الأساس لدين جديد ،
اسمه ( التشيّع الصهيوني ) ، والذي لا يمت بأية صلة إلى دين الإسلام الذي
أنزله الله على قلب محمد صلى الله عيه وسلم …
ليس هذا فحسب ، بل مثل الخنجر المسموم ، والجرح النازف في خاصرة الأمة منذ
ذلك الزمن حتى الآن ، والذي لن تبرأ منه الأمة حتى تسحق ذلك الأخطبوط ،
وتلك الأفعى اللعينة بثالوثها القاتل ( اليهودية الصهيونية ، والصليبية
الصهيونية ، والتشيّع الصهيوني ) …!!!
* بعد أن حقق اليهودي الحاقد ابن السوداء غرضه الخبيث بمقتل عثمان رضي الله
عنه ، عمد هو وزمرته الحاقدة للتظاهر بموالاة عليّ رضوان الله عليه ،
فبايعوه على الخلافة ، واندسوا في جيشه ، وراحوا يتآمرون على الأمة من هذا
الموقع الجديد ، ولقد كان تآمرهم في هذه المرحلة يتمثل في محورين خطيرين :
الأول : المبالغة في مدح عليّ رضي الله عنه ، ونشر أفكارهم المغالية
والمنحرفة _ والمستمدّة من نصوص توراتهم المزوّر وتلمودهم الحاقد _ بشأنه
بين صفوف العامة والرعاع من الناس ، حتى وصلوا إلى درجة تأليهه.
والثاني : تزيين فكرة المصارعة والاقتتال بين صفوف الأمة لإضعافها وتمزيق كلمتها ، وذلك تمهيداً لدحرها وإسقاطها …
وإن المتتبع لكل حوادث الصدام والاقتتال التي حدثت بين عليّ كرّم الله
وجهه، والصحابة الكرام : طلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم
جميعاً ، يلحظ اليد اليهودية السبئية والمجوسية المحرّضة بأوضح ما يكون …
ولما أحسّ أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه بخطورة هذه الجرثومة الخبيثة
التي يتولى كبرها ذلك اليهودي الحاقد ابن السوداء ، والتي تتظاهر بحبه
وموالاته والتبرؤ من أعدائه ، حتى وصلت بها الجرأة إلى درجة تأليهه ، طلبه
ليقتله ( عبد الله بن سبأ ) ، ولكن بعض مستشاريه نصحوه بعدم قتله ، ولأمر
يريده الله فقد نفاه إلى المدائن …!!!