(إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك ...)
كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضل هذه القراءة -وخاصة بالليل- أنه قال: (إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك) فإذا قمت لصلاة الليل فتهيأ لها واستعد لهذه الصلاة العظيمة بأن تدعك أسنانك بالسواك أو الفرشاة والمعجون، حتى تكون رائحة فمك طيبة، وما الذي يكون وراء ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه)، انظر إلى هذا الجمال والجلال وإلى هذه الرحمة من الله عز وجل! هل تتخيل أن ملكاً يكون أمامك يكلمك مثلاً؟ فإنه يقف الملك من ورائك ثم يقرب منك حتى يضع فاه على فيك، فهذا الملك الذي خلق من نور وأنت الذي خلقت من تراب يشرفك الله عز وجل بأن يجعل الملك يتلقى كلام الله من فمك، وهذا شيء عظيم جداً من فضل الله سبحانه وتعالى، قال: (ولا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك). القرآن عزيز وعظيم، ولذلك جعله الله عز وجل يخرج من فمك، وفمك طاهر، فيخرج من فمك إلى فم ملك من ملائكته سبحانه وتعالى. وفي رواية ثانية عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليستك)، هذا من قول علي ولكن له حكم المرفوع؛ لأنه يوافق الحديث الذي قبله، فإن الرجل إذا قام من الليل فتسوك ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة، جاءه الملك حتى يقوم خلفه يستمع إلى القرآن، ثم لا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا دخلت جوفه. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على قيام الليل، وعلى القراءة في قيام الليل ما شاء الله عز وجل ولو كان شيئاً أنت تظنه قليلاً.
شرح حديث: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ ..)
وروى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟) فالصحابة استكثروا أن يختم أحدهم القرآن في ثلاث ليال، فهذا صعب جداً، وقد كان منهم من يحفظ القرآن، ومنهم من لا يحفظ القرآن، فإذا كان ثلث القرآن كيف سيقوم وهو لا يحفظ ولا يجيد الكتابة والقراءة حتى يقوم بذلك؟! قال صلى الله عليه وسلم: (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) هذه السورة القصيرة في عدد آياتها، العظيمة الكبيرة في فضلها وثوابها تعدل ثلث القرآن. فالقرآن جاء بالعقيدة والتوحيد، وجاء بصفات الله سبحانه وتعالى، وهذه عقيدة، وجاء بالتشريع والقصص والمواعظ والأخبار، فإذا نظرنا إلى هذه الثلاثة الأنواع وجدنا التوحيد ثلث القرآن، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فيها التوحيد، وفيها صفات الله العظيمة سبحانه وتعالى: الله، الواحد، الأحد سبحانه، الصمد، وهو السيد الذي عظم في سؤدده سبحانه، والذي تصمد إليه الخلائق، جميعهم يطلبون من فضله ورحمته، ويسألونه، وهو السيد الذي لا سيد سواه سبحانه وتعالى، الكامل الذي كمل في كل فضل، وفي جلاله وإكرامه وعلوه، فهو السيد الصمد سبحانه وتعالى، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] ففي هذه السورة العظيمة صفات الله عز وجل فاستحقت أن تعدل ثلث القرآن، وأن يؤجر العبد عليها، فمن قرأها كأنه قرأ ثلث القرآن، فإذا قمت من الليل فقرأت (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) كأنك قمت بثلث القرآن. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم بثلث القرآن حقيقة، فيقرأ من أول القرآن حتى سورة براءة صلوات الله وسلامه عليه، ولم يكتف بأن يقوم بـ (قل هو الله أحد) وحدها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يهون على المؤمنين وييسر عليهم، فقد بعث بالحنيفية السمحة صلوات الله وسلامه عليه. وهذه السورة عددها أربع آيات، وفيها هذا الفضل كله، فلو أنك قرأتها وأنت جالس كأنك قرأت ثلث القرآن. وروى أحمد عن معاذ بن أنس الجهني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ (قل هو الله أحد) حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة)، فابن لنفسك قصوراً في الجنة، واقرأ (قل هو الله أحد) وكرر واقرأها عشر مرات، فكلما قرأت (قل هو الله) أحد عشر مرات بني لك قصر في الجنة، فهذا ثمن تدفعه بفعل قليل ولكنه عند الله عظيم، فيكتب لك هذا الأجر والثواب عند الله سبحانه.