سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأول إنسان خلقه الله تعالى، فهو أول
النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع
الملكي وأفضل من النوع الجني.
وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر
ساعة من يوم الجمعة من الأيام الست التي خلق الله فيها السموات والأرض كما
جاء في حديث مسلم، وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال
(خير
يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم)).
شاء الله سبحانه
وتعالى بمشيئته الأزلية التي لا تتبدل ولا تتغير وجود ءادم عليه السلام
فأبرزه بقدرته من العدم إالى الوجود. فقد أمر الله تعالى ملكا من ملائكته
الكرام أن يأخذ من جميع أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم
عليه السلام، فأخذ هذا الملك من جميع أنواع تراب الأرض من أبيضها وأسودها
وما بين ذلك، ومن سهلها وحزنها أي قاسيها وما بين ذلك،ومن طيبها ورديئها
ومما هو بين ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إن
الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها
وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك)) رواه ابن حبان وغيره، وعند أحمد
((فجاء بنو ءادم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين
ذلك، والسهل والحزم وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك)).
أي جاءت
أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة بسبب هذا التراب المختلف الذي
خُلق منه ءادم عليه الصلاة والسلام.
قيل سمي ءادم بهذا الاسم
لأنه من أديم الأرض.يجوز أن يكون معنى هذا الحديث: ((إن الله خلق ءادم على
صورته)) أي على صورة ءادم الأصلية التي خلقه الله عليها طوله ستون ذراعاً
وعرضه سبعة أذرع فيكون الضمير في((صورته))عائداً إلى ءادم عليه السلام،
ويجوز أن يكون الضمير في ((صورته)) عائداً إلى الله فيكون التقدير على
الصورة التي خلقها الله وجعلها مشرفة مكرمة، وتسمى هذه الاضافة إضافة الملك
والتشريف لا إضافة الجزئية كإضافة الكعبة إلى نفسه كقول الله تعالى
لإبراهيم وإسماعيل
أنَ
طَهِراَ بَيتِيَ)اية125 ،لأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالجسمية
والجزئية فليس هو أصلاً لشىء ولا هو فرعاً عن شىء ولا يتحيز في جهة ومكان
لأن التحيز للجسم اللطيف والكثيف.
خلق الله سيدنا ءادم جميل الشكل
والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس
كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه
وسلم
(
ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم إحسنهم وجها وأحسنهم
صوتا)).
ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعاً
شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم
على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يُحيونك فإنها تحيتك وتحية
ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة
الله. وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول فقد ورد في مسند
الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل
الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع.
روى
الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن الله عز وجل لما صور
ءادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف
أنه خلق لا يتمالك))، وعند أبي يعلي
(فكان
إبليس يمر به فيقول:لقد خلقت لأمر عظيم)).
ففي هذا الحديث الصحيح
دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان
مسلما يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة
أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان
يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئا غير
مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل
هو أضعف من ذلك.
ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض
الكفار وهي أن أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب
لقوله
تعالى: فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك
وتعالىولم يكن أصله قرداً ثم ترقى حتى صار إنساناً، فنظرية داروين التي
تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا
الإنسان، هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن
تلقفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفاً باطلا.
وما جاء في
القرءان من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك
وتعالى عذابا لليهود الذين اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة
وعبرة للمتقين، قال الله تبارك وتعال في كتابه الحكيم: .
على أن
أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلا بل عاشوا ثلاثة
أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلا من جنس ما مسخوا إليه.
روى البخاري
ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم((حاج موسى ءادم عليهما السلام فقال له: أنت الذي أخرجت الناس
بذنبك من الجنة وأشقيتهم، قال ءادم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته
وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟))قال صلى الله
عليه وسلم ((فحج ءادمُ موسى)).
وأخرجاه أيضاً في الصحيح من طريق
ءاخر وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم((احتج ءادمُ وموسى، فقال له موسى: أنت ءادم الذي أخرجتك
خطيئتك من الجنة؟ فقال له ءادمُ: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته
وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أُخلق؟)) قال صلى الله عليه
وسلم ((فحج ءادمُ موسى)).
وأخرجاه أيضاً في الصحيح من طريق ءاخر
وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((احتج ءادمُ وموسى فقال موسى: يا ءادم
أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له ءادم: أنت موسى اصطفاك الله
بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين
سنة؟)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فحج ءادمُ موسى، فحج ءادمُ
موسى)).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتج ءادمُ وموسى عليهما السلام عند ربهما
فحج ءادمُ موسى، قال موسى: أنت ءادمًُ الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من
روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته، ثم أهبطتَ الناس يخطيئتك إلى
الأرض؟، قال ءادم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك
الألواح فيها تبيانُ كلّ شىء، وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل
أن أُخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً، فقال ءادمُ: فهل وجدت فيها قال: نعم،
قال: أفتلومُوني على أن عملتُ عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني
بلأربعين سنة؟)) قال صلى الله عليه وسلم: ((فحج ءادمُ موسى))، ورواه بنحوه
ابن أبي حاتم.
وروى أبو داود في سننه وأبو يعلى في مسنده عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن موسى
قال: يا رب أرنا ءادم الذي أحرجنا ونفسهُ من الجنة، فأراه الله ءادم فقال:
أنت ابونا ءادم؟ فقال له ءادم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه
وعلمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على
أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له ءادم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت
نبي بني إسرائيل الذي الذي كلمك الله من وراء الحجاب ولم يجعل بينك وبينه
رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن
أثخلق؟ قال: نعم، قال: فيم تلومني في شىء سبق من الله تعالى فيه القضاء
قبلي؟ قال رسول الله عند ذلك: فحج ءادم موسى، فحج ءادم موسى)).
وقد
رد هذا الحديث قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر، ومن كذب بهذا
الحديث فمعاند، لأنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه وناهيك به عدالةً
وحفظًا واتقاناً، ثم هو مروي عن غيره من الصحابة كما قدمنا ذلك.روى النسائي
وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله أخذ الميثاق من ظهر ءادم
عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه
ثم كلمهم قُبُلا قال
وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد عن شعبة،
عن أبي عمران عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من
شىء أكنت مفتديا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من
ذلك، قد أخذت عليك في ظهر ءادم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك
بي))، وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
فهذه الأحاديث كلها
دالة على استخراجه سبحانه وتعالى ذرية ءادم من ظهره كالذرّ ثم استنطقهم
وأخذ عليهم العهد وأشهد عليهم أنفسهم. خلق الله تعالى سيدتنا حواء من ضلع
ءادم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: ((ولأم مكانه
لحما))، قيل لذلك سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شىء حي، وفي الصحيحين
من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((استوصوا بالنساء،
فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوجَ شىء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت ذهبت
تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)) الحديث.
ولم
يخلق الله تبارك وتعالى حواء طفلة صغيرة ثم طورها إالى الكبر، بل خلقها
على هيئتها التي عاشت عليها كبيرة طويلة مناسبة لطول ءادم عليه السلام، قال
الله تبارك وتعالى: .
وقال تعالى: وقد زوج الله تعالى ءادم حواء
وجعلها له حلالا في الجنة ثم كانا كذلك في الأرض.أمر الله تبارك وتعالى
الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فامتثل الملائكةلأمر الله وسجدوا كلهم .
أما إبليس فقد استكبر واعترض على الله ولم يمتثل لأمره قال تعالى:
فكفر
وظهر منه ما قد سبق في علم الله تعالى ومشيئته من كفره واعتراضه باختياره،
وقد ورد في الأثر أنه كان قبل كفره يسمى عزرائيل.
وروى مسلم وغيره
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا
قرأ ابن ءادم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن ءادم
بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)).
ثم بعد
أن عرف إبليس اللعين أنه ملعون طلب من الله أن ينظره أي يؤخره إلى يوم
البعث أي يوم الخروج من القبور ولكن الله لم يجبه إلى ذلك بل أخره إلى
النفخة الأولى ليذوق الموت الذي حكم الله به على خلقه قال تعالى مخبراً عن
قول إبليس: .
ثم إن إبليس اللعين لما اعترض وكفر أمره الله بالخروج
من الجنة، لكنه لم يخرج منها فورًا بل أقام فيها مُدة ليوسوس لآدم وحواء
بعصيان الله تعالى ليكون سبباً في إخراجهما من الجنة، قال تعالى: .
وقد
كان إبليس قبل ذلك الوقت مسلماً مؤمنا من الجن يعبُد الله مع الملائكة،
وذلك قبل أن يكفر ويعترض على الله، وليس صحيحاً أنه كان طاووس الملائكة ولا
رئيساً لهم كما يزعم بعض الجهال، قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من
الملائكة طرفة عين قط، وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، ويدل على ذلك قوله
تعالى: .
قال الله تعالى: .
هذه الآية تخبر أن الله قضى على
ءادم وبنيه باستخلاف الأرض لعمارتها والانتفاع بما أودعه فيها من نبات
وحيوان ومعادن ويتولى بعضهم على بعض بالحكم وغير ذلك.
وقد أخبر الله
الملائكة وأعلمهم أنه سيجعل بني ءادم خليفة في الأرض يسعون فيها ويمشون في
مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها، ويأكلون من نباتها ويستخرجون الخيرات من
باطنها ويخلف بعضهم بعضاً فيها.
فسألت الملائكة ربها للأستكشاف عن
الحكمة في جعله خليفة في الأرض لا للاعتراض على الله وقالت: سورة البقرة،
أي نحن نعبدك دائما ولا يعصيك منا أحد.
فبين الله للملائكة الحكمة
من جعل بني ءادم خليفة في الأرض وهو أن البشر وإن كان فيهم من يسفك الدماء
ويفسد في الأرض، لكن منهم الأنبياء والأولياء، ونصب لهم دليلا على فضل ءادم
أن علمه أسماء كل شىء فتفوق على الملائكة بذلك وقال الله لآدم: سورةالبقرة
فصار
ءادم يقول لهم هذا اسمه كذا هذا اسمه كذا فعرفوا أن هذا الجنس أفضل منهم.
عرف
الملائكة ذلك من أنه كان مضى قبل ذلك جن يعيشون في الأرض فأفسدوا فأحرقتهم
الملائكة على ما ورد في بعض الآثار، وليس السبب ما قال بعض الناس انه سبق
قبل ءادم أوادم كثير حتى قال بعضهم كان مائة ألف ءادم، وهذا قول هراء ليس
له أساس من الصحة.
أما سجود الملائكة لآدم فكان سجود تحية وإكرام لا
عبادة لآدم، وكان سجود المخلوق للمخلوق جائزاً في شرائع الأنبياء ثم حرمه
الله عزوجل في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أمر الله تعالى سيدنا
ءادم وزوجته حواء التي جعلها حلالا له أن يسكنا الجنة، وهي جنة الخلد التي
سيدخلها المؤمنين يوم القيامة.
وقد أباح الله لآدم وحواء سكنى
الجنة والأكل من ثمارها والشراب من مياهها والتنعم بنعيمها من غير مشقة ولا
تعب يلحقهما في الحصول على ما يريدان من طعام وشراب، إلا شجرة واحدة حرمها
عليهما ونهاهما عن الأكل منها، وحذرهما من عداوة إبليس وإغوائه، ولم يرد
في القرءان الكريم ولا في الحديث الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما هي هذه الشجرة، لذلك اختلف العلماء في تعيينها فقيل: هي الحنطة،
وقيل: هي التفاح، وقيل: هي النخلة، وقيل: التين، وقيل غير ذلك، فقد تكون
واحدة من هذه وقد تكون من غيرها، وقال بعضهم: هذا الخلاف لا طائل تحته لأنه
لا يتعلق بتعيينها حكم شرعي ولا فائدة تاريخية وإلا لعينها القرءان
الكريم.
وسكن ءادم وحواء الجنة وصارا يتمتعان بما فيها من نعيم وما
فيها من كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فكان يتنقل بين أشجارها ويقطف من
ثمارها ويتنعم بفاكهتها ويشرب من غذب أنهارها ومياهها قال الله تعالى:
{سورة البقرة}.
السبب في ذلك أن ءادم خالف النهي الذي نهاه الله
لأنه أعلمه بالمنع من أكل شجرة واحدة من أشجار الجنة وأباح له ما سواها
فوسوس الشيطان له ولحواء أن يأكلا منها فقال لهما ما أخبر الله تعالى في
القرءان: {الأعراف} فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة، وكان ذلك قبل
أن تنزل عليه النبوة والرسالة لأنه إنما نبىء بعد أن خرج من الجنة فتابا
من تلك المعصية، ولا تعد تلك المعصية معصية كبيرة قال الله تعالى: {سورة
طه}.
ثم بعد خروجهما من الجنة تناسلا فعّلم ءادم أولاده أمور
الإسلام فكل ذريته كانوا على الإسلام، ثم نبىء بعد ءادم ابنه شيث، ثم بعد
وفاة شيث النبي إدريس ثم كفر بعض البشر بعبادة الأصنام فبعث الله الأنبياء
بالتبشير لمن أطاعهم بالجنة والإنذار بالنار لمن خالفهم بعبادة غير الله
وتكذيبهم.
مما ابتلى به ءادم وحواء بعد أكل الشجرة أنه نزع عنهما
لباسهما وانكشفت لهما سوءاتهما فطفقا يلصقان عليهما من ورق الجنة وكان
لباسهما الذي كان عليهما من نور.
ثم بعد أن نزلا إلى الأرض علمه
الله تعالى أسباب المعيشة فأنزل له القمح وعلمه كيف يبذر وكيف يحصد وكيف
يعمل للأكل، وعلمه النقدين الذهب والفضة فعمل الدراهم والدنانير.
فآدم
عليه السلام له فضل كبير على البشر لما له عليهم من حق الأبوة وتعليم أصول
المعيشة فلا يجوز تنقيصه، فمن نقصه أو أنكر رسالته فهو كافر.
فلو
كان الأمر كما ظن بعض الناس أن ءادم لم يكن رسولا لساوى البشر البهائم
ولكانت ذريته كذرية البهائم.
قال الله تعالى: {سورة البقرة}.اختلف
العلماء في مقدار مُقام ءادم عليه السلام في الجنة فروى الحاكم في مستدركه
أن ءادم لم يمكث في الجنة إلا ما بين العصر إلى الغروب، والأقوى أنه مكث
مائة وثلاثين سنة.
ولا ينافي هذا بالنسبة لتلك الأيام الستة أن يكون
أدرك فيها مائة وثلاثين عاماً ثم أكمل الألف في الأرض كما يفهم ذلك من بعض
الآثار.
وقد ورد أن اليوم الذي أخرج فيه ءادم عليه السلام من الجنة
وهبط فيه إلى الأرض كان يوم الجمعة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه
خلق ءادم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها)) رواه مسلم، ورواه أحمد بنحوه.
أمر
الله سيدنا ءادم وحواء بالهبوط من الجنة ألى الأرض، وأمر إبليس بالهبوط
إليها أيضاً وأخبرهما أن العداوة بينهما وبين إبليس اللعين ستضل قائمة
وبالتالي ستكون بين إبليس وبني ءادم قال تعالى: {سورة البقرة} فيروى أن
ءادم عليه السلام نزل في أرض الهند في أرض تسمى سرنديب على أشهر الأقوال،
ونزلت حواء عليها السلام في أرض أخرى قيل إنها جدة، فجاء سيدنا ءادم في
طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت (أي اقتربت) إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة وهي
بين مكة وعرفة، وقيل إنهما تعارفا في عرفات لذلك سميت عرفات، وأما إبليس
اللعين فقيل إنه نزل بالأبلة أرض في العراق.
قيل إن أطيب بقعة
في الأرض ريحًا التي أهبط بها ءادم فعلق بشجرها من ريح الجنة، قيل إن تلك
الأرض الي نزل بها ءادم من أصح بلاد الأرض فناسبت أن تكون موطنه لكونه قريب
عهد بالجنة.
الله ءادم عليه السلام أن يبني البيت الحرام فقدم مكة وبنى
البيت من خمسة أجبًل: من طور سيناء، وطور زيتى، ولبنان، والجودي، وبنى
قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه أرسل الله له ملكاً علمه المناسك، ثم
بقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح عليه السلام فرُفع البيت وبقي أساسه فجاء
سيدنا إبراهيم عليه السلام فبناه.قال الله تبارك وتعالى:
{سورة
المائدة}
تتلخص قصة هابيل وقابيل أن حواء عليها السلام ولدت أربعين
بطناً وكانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوجُ
ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر، ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل
التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره ءادم
عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً وهو ما يتقرب
به الى الله تعالى وذهب ءادم عليه السلام إلى مكة ليحج، وقرب كل واحد منهما
قربانه بعد ذهاب أبيهم ءادم عليه السلام، فقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب
غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع ردىء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت
قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضباً شديداً قال لأخيه هابيل
لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: إما يتقبل الله من المتقين.
وذات
ليلة أبطأ هابيل في المرعى فبعث سيدنا ءادم عليه السلام - وكان قد رجع من
الحج - أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك
ولم يتقبل مني، فقال له هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب عندئذ
قابيل، ثم أتاه وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقاً شديداً.
وأما قول هابيل لقابيل :
{سورة المائدة}.
فمعناه أريد ترك
مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى فتتحملُ إثم قتلي مع ما لك من الآثام
المتقدمة قبل ذلك.
وقيل: لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك فضمه إليه
حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله،
وكره أن يأتي به ءادم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام
قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه
ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {المائدة}.
ثم
أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه تحت التراب.
وليعلم أن ابن
ءادم قابيل الذي قتل أخاه هابيل كان مسلماً مؤمناً ولم يكن كافراً، وإنما
ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه هابيل ظلما وعدوانا.
روى الجماعة
سوى أبي داود، وأحمد في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم
(لا
تًقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن ءادم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من
سن القتل)) أي ظلماً.
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة
الدم، ذُكر بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم
بصحة ذلك.
عاش سيدنا ءادم عليه السلام ألف سنة قيل: قضى منها مائة
وثلاثين سنة في الجنة وبقيه الألف عاشها على هذه الأرض التي نزل إليها،
ولما مات بقيت ذريته على دين الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولم يشركوا به
شيئاً، فعاش البشر ألف سنة أخرى على دين الإسلام.
ولم يكن فيهم كفر
ولا شرك وإنما حصل الكفر والشرك بعد نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام
فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبي بعث إلى الكفار.
وقد ورد في
الأثر أن ءادم عليه السلام دفن في مكة أو في منى قرب مسجد الخيف حيث دفن
سبعون نبيا، وقبورهم مخفاة ولا يوجد علامات تدل عليها، وقيل دفن عند الجبل
الذي أهبط عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة. والله أعلم.
ويروى
أن زوجه حواء عليها السلام عاشت بعد سيدنا ءادم عليه السلام سنة ثم ماتت
ويقال إنها دفنت في جدة.
هو نبي الله شيث ابن سيدنا ءادم عليهما الصلاة
والسلام من صلبه، وقد ولدته حواء عليها السلام بعد أن قتل قابيل أخاه
هابيل.
جعل الله تعالى شيثاً نبياً بعد موت سيدنا ءادم عليه الصلاة
والسلام، وأنزل عليه خمسين صحيفة، روى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اُ نزل على شيث خمسون صحيفة))رواه
ابن حبان.
قام سيدنا شيث بالأمر بعد سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام
وصار يدعو إلى طاعة الله وتطبيق شريعة الله، وقد كان الناس في زمانه على
دين الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئا، وأنزل الله عليه
شرعاً جديداً وهو تحريم زواج الأخ من أخته غير التوأم بعد أن كان حلالا في
شرع ءادم.
ولقد ذُكر أن ءادم عليه الصلاة والسلام مرض قبل موته أحد
عشر يوماً، وكتب وصيته ثم دفع كتاب وصيته إلى شيث وأمره أن يخفيه عن ولده
قابيل وولده، لأن قابيل كان حسوداً ولذلك قيل: إن شيثاً كان وصي أبيه ءادم
عليه السلام في مخلفيه.
أقام سيدنا شيث بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات،
وقيل إن شيثاً لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش، وقيل دفن مع أبويه ءادم وحواء
عليهما السلام في غار بأبي قبيس في مكة، ويقال إنه دفن بقرب مسجد الخيف
بمنى.
قال المؤرخون: قام أنوش بعد وفاة أبيه شيث على منهجه من غير
تبديل ولا تغيير ثم بعده ولده قينان، ثم من بعد ابنه مهلاييل وهو الذي يزعم
الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة، ثم بعده ابنه يرد فلما حضرته
الوفاة أوصى إلى ولده أخنوخ وهو إدريس عليه السلام على المشهور.
ويروى
أنه إلى شيث يرجع أنساب بني ءادم كلهم اليوم، وذلك أن نسل سائر ولد ءادم
غير نسل شيث انقرضوا وبادوا لم يبق منهم أحد، والله أعلم.قال تعالى:
{مريم}.
سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام هو أحد الأنبياء والرسل
الكرام الذين أخبر الله عنهم في القرءان الكريم، وقد ذكره الله تعالى في
بضعة مواطن من سور القرءان، وهو ممن يجب الإيمان والاعتقاد بنبوته ورسالته
على سبيل القطع والجزم، وقد وصفه الله تعالى في القرءان الكريم بالنبوة
والصديقية.اختلف في نسبه وأشهر ما قيل هو إدريس بن يرد بن مهلاييل، ويسمى
أيضا أخنوخ، وينتهي نسبه عليه السلام إلى نبي الله شيث بن ءادم عليهم
الصلاة والسلام.
وقد سمي إدريس بهذا الأسم لأنه مشتق من الدراسة،
وذلك لكثرة درسه الصحف التي أُنزلت على سيدنا ءادم وابنه شيث عليهم الصلاة
والسلام.
وأما ما جاء في وصفه فقد روى الحاكم في المستدرك عن
سَمُرَة بن جندب قال: كان إدريس أبيض طويلا، ضخم البطن، عريص الصدر، قليل
شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت في صدره نكتتًا بيضاء من غير برص، فلما
حصل من أهل الأرض الجور والاعتداء في أمر الله رفعه الله إلى السماء فهو
حيث يقول:{سورة مريم}.
وقيل إن إدريس هو أول من خط بعد ءادم عليه
السلام وقطع الثياب وخاطها، وينسب إلى هذا النبي الكريم أشياء كثيرة ما هي
إلا كذب وافتراء. وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر الغفاري رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يا أبا ذر أربعة سُريانيون:
ءادم، وشيث، وأخنوخُ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم، ونوح)).