إن الموت حقيقة لا مفر منها، وباب لابد من ولوجه لكل من هو على هذه الأرض، سواءً كان ذكراً أو أنثى، أو غني أو فقير أو شقي أو سعيد، وهو حقيقة ما بعدها أشد منها، حيث ينقسم الناس إلى قسمين: شقي وسعيد.
فالواجب على العاقل أن يحاسب نفسه قبل أن تحل به سكرات الموت، فعندها لا ينفع الندم ولا البكاء.
قال الشيخ علي القرني:{ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } [البقرة:281] يوم يُنفخ في الصُّور، ويُبعث مَن في القبور، ويظهر المستور، يوم تُبْلى السرائر، وتُكْشَف الضَّمائر، ويتميز البَرُّ من الفاجر.
ثم اعلموا أن هناك حقيقة وأي حقيقة، حقيقة طالما غفل عنها الإنسان، ولحظة حاسمة، ومصير ومآل.
إنها لحظة (ملاقيكم) إلى أين من هذه اللحظة المَهْرَب؟! وإلى أين منها المفر؟! إلى الأمام مُلاقيكم، إلى اليمين والشمال مُلاقيكم، إلى أعلى إلى أسفل مُلاقيكم، إلى الوراء مُلاقيكم.
لا تمنع منه جنود، ولا يُتَحصَّن منه في حصون، مدرككم أينما كنتم!
إنه واعظ لا ينطق، واعظ صامت، يأخذ الغني والفقير، والصحيح والسَّقيم، والشريف والوضيع، والمُقر والجَاحِد، والزَّاهد والعابث، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، كل نفس ستذوقه، شاءت أم أَبَتْ.
لعلكم عرفتموه، لا أظن أحدًا يجهله، أما حقيقته فالكل يجهلها؛ إنه الموت: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران:185].
الموت، ما الموت؟ أمر كُبَّار، وكأس يُدار، فيمن أقام وسار، يخرج بصاحبه إلى جنة أو إلى النار، ما زال لأهل اللذات مكدِّرًا، ولأصحاب العقول مُغَيِّرًا ومحيِّرًا، ولأرباب القلوب عن الرغبة فيما سوى الله زاجراً.
كيف ووراءه قبر وحساب، وسؤال وجواب، ومن بعده يوم تُدهش فيه الألباب فيعدم الجواب؟!
السَّكرات، ما أدراكم ما السكرات! عانى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: { لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات } اللَّهم هوِّن علينا سكرات الموت" سكرات وأي سكرات!
يقول العلماء: كل سكرة منها أشد من ألف ضربة بالسيف.
ملك الموت، ما ملك الموت؟! الدنيا بين يديْه كالمائدة بين يديْ الرجل، يمد يده إلى ما شاء منها؛ بأمر الله فيأكله، وإنَّ له لأعوانًا ما يعلم عددهم إلا الله، ليس منهم ملك إلا لو أذن الله له أن يلتقم السماوات السبع، والأرضين في لقمة واحدة لفعل.
فلا إله إلا الله! من لحظة حاسمة لو لم تُعتقل الألسنة وتُخدر الأجسام وقت الاحتضار لما مات أحد إلا في شعب الجبال أَلَمًا! ولَصَاح الميِّت من شدة ما يعاني حتى تندكَّ عليه جدران الغرفة التي هو فيها، ولما استطاع أن يحضر ميتاً أحدٌ.
فنسأل الله العافية والسلامة، وأن يهوِّن علينا السكرات!
روي عن الحسن أنه قال: رُئِيَ أحد الصالحين بعد موته، فقيل له: كيف وجدت طعم الموت؟ قال: أوَّاهُ أوَّاهُ! وجدته -والله- شديداً، والذي لا إله إلا هو! لهو أشد من الطَّبخ في القُّدُور، والقطع بالمناشير، أقبل ملك الموت نحوي حتى استلَّ الروح من كل عضوٍ منِّي، فلو أني طُبِخْت في القُدُور سبعين مرة لكان أهون عليَّ.
كفى بالموت طامة، وما بعد الموت أطَمُّ وأعظَمُّ!
رئي آخر بعد موته في المنام، فُيقال له: كيف وجدت نفسك ساعة الاحتضار؟ قال: كعصفور في مقلاة، لا يموت فيستريح، ولا ينجو فيطير.
فالله المستعان على تلك اللحظات، اللهم هوِّن علينا السكرات، واجعلها لنا كفَّارات، وآخر المعاناة، وهي كذلك -بإذن الله -للمؤمنين والمؤمنات، ولغيرهم بداية المعاناة .
انتهى من { أين المفر؟؟؟}علي القرني