إن الحمدَ لله، أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران- آية2.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء- آية:1.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب-آيتان: 70_71.
أما بعد..
فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
ثم أما بعد..
فإخوتي في الله،،،
أنا أحبكم في الله.
و (أسأل الله جل جلاله أن يبسط علينا في ساعتنا هذه من بركاته وفضله ورحمته)..
(اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه علماً نافعا، ورزقاً طيبا، وعملاً صالحا متقبلا، اللهم إنا نسألك أن تفتح لنا في يومنا هذا برحمتك فتحاً من عندك، وأنت خير الفاتحين، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين).
أيها الإخوة،،،
ذهب الظمأ.. ذهب الظمأ..
ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.
يا لها من كلمة!!
ذهب الظمأ؛ كأن الصوم به عذاب الظمأ.. كأن الصوم في آخره لذة الرجاء..
ذهب الظمأ؛ إنها تساوي: "تعبك راحة"..
إنها تساوي: "لم أر منك إلا خيراً"..
إنها تساوي: "وماذا يعني الظمأ في سبيلك إن كنت أحب إليّ من الماء البارد على صدري؟"
ذهب الظمأ؛ كلمة الصائمين عند فِطرهم..
ذهب الظمأ؛ كأنها تشبه كلمة آخر من يدخل الجنة، كأنها كلمة الذي تطأ رجله الجنة بعد عذاب الدنيا كله، فيقول: "والله، والله، ما رأيت شقاءً قط، ولا رأيت بؤساً قط".
ذهب.. مضى.. نسيته.. لا أجد شيئا من ذلك.. ذهب الظمأ.
أيها المؤمنون ،،،
أهلّ علينا رجب، وبسرعة البرق مضى وانقضى.. -ورجب شهر حرام: دقائقه حرام.. ساعاته حرام.. أيامه حرام.. هو في مقدمة الأشهر الفاضلة، وهو مفتاح الستة أشهر الباقية من العام- وحلّ شعبان، ورمضان على الأبواب..
فأين الصوم؟ أين الصائمون؟
إنك حين تسأل؛ تسمع العجب في أمر تنصّل الناس من صوم هذه الأيام الفاضلة..
ستسمع مثلا: "أنا إذا صمت؛ أنام ولا أستيقظ"..
"أنا إذا صُمت؛ لا أُحسِن شيئا في اليوم كله"..
"أنا لا أقدر على العطش"..
"ظروفي.. ظروف العمل لا تسمح"..
"ظروفي الصحية تحول بيني وبين ذلك"..
وو..
وكأن الصوم ليس إلا للـــ"فُرّاغ"! وكأن الصوم ليس إلا لمن لا ظروف له!!
من منا لا ظروف له؟ ومن منا لا يمرض؟ ومن منا عمله غير شاق؟ ومن منا لا يظمأ؟ ومن منا لا يجوع؟ ومن منا لا يحب هذه المطعومات المشروبات لا سيما في الصيف؟ من؟؟
ومن أعجب ما تسمع أن مِن أفتن المفتونين مَن ينسب فطره إلى طاعة الله، يقول: "أستعين بالطعام على العبادة"!
وهل علم سلفنا من العباد -أيها العابد- إلا الصوم؟
إن الصوم مفتاح هذه العبادات، الجوع والعطش مفتاح القلب، عباداتك كلها من القلب، ولو أنك فعلتها مع الصوم لوجدت الإخبات الذي حُرمت منه مع الصوم، فالإخبات في العبادات صفة الذي يتعبد وهو صائم.
وتأمل قول من يقول: "أنا لا أصوم، بل أفُطر لله، وذلك لكي أركز في القرآن"!!
وهل طُُلب منك أن تواصل الصوم طوال حياتك؟
أنا أكلمك عن رجب وشعبان ورمضان، أنا أكلمك عن الاثنين والخميس، أنا أكلمك عن أيام البيض، أنا اُكلمك عن صوم يوم وفطر يوم.. فــ: لمن ستترك كل هذا؟
يا عبد الله،،،
إنك بفطرك هذا:
صائمٌ عن الجنة..
صائمٌ عن الآخرة..
صائمٌ عن الحسنات..
صائمٌ عن باب الريان..
صائمٌ عن الفردوس..
صائمٌ عن مناجاة الله: "..يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي" متفق عليه.
صائمٌ عن الاحتساب..
صائمٌ عن التضحية..
صائمٌ عن الذل مع الله..
صائم عن التزكية..
صمت عن الصيام، فذهب الإخبات.. ذهبت التضحية.. ذهبت التزكية.. ذهب الإخلاص.. ذهب السر.. وذهب الاحتساب..
يا عبد الله،،،
لا تزال ظمآن يا مسكين، لا تزال غير مرويّ يا محروم..
أيها المحروم من الصوم؛ إن هي إلا ساعات، ويعود إليك الظمأ، مثل الذي صام!!
أيها المحروم من الصوم؛ إن هي إلا ساعات، ويشرب الصائم بجوارك، ويذهب ظمؤه مثلك!!
من وجد الله؛ فماذا فقد؟ ومن فقد الله؛ فماذا وجد؟
يا عبد الله،،،
إنني لا أريدك أن تصنف مقالتنا هذه تحت عنوان "الصوم"، وإنما خذ منها ما سيأتيك عن التضحية والإخلاص والتزكية والاحتساب، ولا تضعها في خانة الصوم، لأن منا من يسرد الصوم سردا، ولا يتركه أبدا، لكن مع هذا لا تزال فيه من الأنانية، ولم يتعلم من مدرسة الصوم..
منا من لا تزال فيه قلة الاحتساب والرغبة في الدنيا، ولم يتعلم من مدرسة الصوم..
منا من لا تزال نفسه لم تذكر، ولم يتربّ في مدرسة الصوم..
منا من لا يزال سره حقيرا، مع ما يسرد من الصوم..
إذن فلنجعل مقالتنا اليوم لا عن الصوم، وإنما: "ذهب الظمأ".
ذهب الظمأ؛ أسوقها للأعزب الذي تراوده نفسه إذا خلا، كي يجعل منهجه قوله: "غداً أقول؛ ذهب الظمأ".. إذا لقيت الله، فزف إليك الحور فقل: "ذهب الظمأ".
ذهب الظمأ؛ أسوقها للذي استدان، وقلّ ماله، وعُرض عليه الحرام أو المشبوه كي يُمنّي نفسه بذلك اليوم، ويقول: "غداً أقول؛ ذهب الظمأ". ذهب الظمأ؛ أسوقها لكل محروم كي يُمنّي نفسه بالآخرة، ويقول: "غداً أقول؛ ذهب الظمأ".
(اللهم اجعلنا من هؤلاء الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا)
أيها الظمآن من زهرة الدنيا.. استبشر بيومٍ تقول فيه: "ذهب الظمأ".
يا لهذا الصوم!ويا لعِظمِ ما فيه من الأجر!إنه حقا وصدقا مدرسة.
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر يقول: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله" صحيح الجامع_4678.
ذهب الظمأ. أين الظمأ؟ ذهب. أين ذهب؟ انتهى مع أول شربة بل قبل أن يشرب يقول: "ذهب، أنا لا أجد ظمأ يا رب".
يا له من أدب عالٍ! فقبل أن يضع على فيه الماء، كأنه يقول لله: "تعبك راحة، ذهب الظمأ"، كأنه يقول لله: "ما رأيت في سبيلك مشقة قط، ذهب الظمأ".
ذهب الظمأ، وابتلت العروق.. العروق الظمآنة التي في جوفي ابتلت، وذهب الظمأ..
ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.. تأمل أنها سنة أن تقول: ثبت الأجر.
تصور -والقبولُ غيب- أن الله شرع لك وأنت تفطر أن تقول ما يفيد أنك مأجور، مقبول:ثَبتَ الأجر..
سُنة أن تقول: ثبت الأجر..
سُنة أن تعتقد أن الله لن يضيع ظمأك، ولن يضيع مخمصتك وجوعك.
ذهب الظمأ؛ ذهب.. انتهى.. انقضى.. لا أجد منه شيئا.. ذهب..