الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . إن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله هي السنة التي نقتدي بها والنور الذي يضيء لنا الطريق فنفهم أصول ديننا الحنيف . فهنالك الكثير من الأحاديث النبوية التي تعتبر مرجعا لنا في العلم والمعرفة , فما ذكر شيء أو نهى عن شيء إلا كان له أساسا علميا .... وسيكشف لنا العلم الحديث في المستقبل الكثير من كنوز علمه ووحيه . وقد اجتهدت في تفسير الإعجاز العلمي في سورة الحديد من الناحية الكيميائية في العام 2004 / 2005 . واليوم أقدم هذا التفسير من الناحية الكيميائية والفيزيائية في الإعجاز العلمي لكلامه صلى الله عليه وسلم " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى " . قال الله تعالى في كتابه الكريم " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّوَحْيٌ يُوحَى"سورة النجم آية رقم( 2، 3 ) .من الأدعية المأثورة عن الرسول عليه الصلاة والسلام " اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد هذا الدعاء نردده دائما و لكننا لا نعلم الحقيقة العلمية التي تكمن في كلماته ". فالماء الذي اختصه الله تعالى بقضية الخلق في قوله تعالى " وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ " سورة الأنبياء آية رقم (30) - له إعجازا آخر في قدرته على التنظيف و إذابة المواد و سأذكر بعض خواص الماء :- فهو يتكون من ذرتين هيدروجين مرتبطة مع ذرة واحدة من الأكسجين برابطة تساهمية قطبية هذه القطبية ( الناتجة عن فرق السالبية الكهربائية بين ذرات الهيدروجين و الأكسجين ) تعمل على تجميع جزيئات الماء بواسطة روابط هيدروجينية ضعيفة تكسبه خصائص فريدة عن المركبات المشابهة له في التركيب و تسبب تغيرات في خواصه الفيزيائية فدرجة غليانه مرتفعة 100° س و التوتر السطحي له كبير و غيرها من الخواص التي لا مجال لذكرها في هذا البحث ، و الشكل التالي رقم (1) يبن ارتباط جزيئات الماء في حالاته الثلاث ( ماء – ثلج – بخار ماء ) .
فالماء الذي اختصه الله تعالى بقدرة كبيرة على إذابة المواد و الذي يسمى" بالمذيب العام " له قدرة كبيرة على إذابة كثير من المواد الأيونية حيث أن جزيئات الماء القطبية تهاجم بلورة المركب إذا كان أيونيا فيعزل ايوناته المتجاذبة داخل الشبيكة البلورية و تنشأ قوى تجاذب بين جزيئات الماء القطبية و الأيونات حيث تتغلب على قوى التجاذب بين الأيونات في البلورة فتنتشر المادة المذابة بين جزيئات الماء – كما في الشكل (2) .
هذا الدعاء شبه الذنوب و الخطايا بالأوساخ التي ينظفها الماء، فكيف تحدث عملية التنظيف بالماء ؟ عندما تعلق البقع و الأوساخ بالثوب تحدث قوى جذب بين القماش و الأوساخ تسمى علميا بقوى الالتصاق و الماء الذي اختصه الله تعالى بقدرة كبيرة على إذابة المواد بسبب الخاصية القطبية و خاصية التوتر السطحي له و التي تساعده في التغلغل داخل خيوط القماش (بالخاصية الشعرية ) فيخترق البقعة و يبلل القماش و بالتالي يذيب الأوساخ بعزل ايوناتها عن بعضها فتضعف قوى التجاذب بينها إذا كانت من النوع الذي يذوب في الماء . أما إذا كانت البقع دهنية ولا تذوب في الماء فان الماء ينقطع على شكل كرات ولا يبلل سطح النسيج لان قوى الالتصاق بين الماء و البقع اقل من قوى التماسك بين جزيئات الماء. لذلك يمكن غسلها بالماء و الصابون حيث إن محلول الصابون يقلل التوتر السطحي للماء فينتشر محلول الصابون على الدهون و يتفاعل معها مكونا مستحلبا دهنيا و تزداد قوى التجاذب بين الماء و البقع فتترك الأوساخ السطح العالقة به .كما في الشكل ( 3 ) .
ولكن الدعاء أشار إلى طريقة أخرى للتنظيف وهي الثلج فكيف يكون الثلج وسيلة للتنظيف ؟ كلنا نعلم أن الماء عندما يتجمد يصبح ثلجا عند درجة الصفر المئوي و تتغير طريقة ارتباط الجزيئات فتصبح مثل حلقة البنزين ( انظر الشكل 4 ) . فهناك بعض الأوساخ التي لا تزول بالماء أو بالماء و الصابون و ذلك لان قوى الالتصاق بين هذه البقع و القماش تكون كبيرة مثل بقع الشمع أو العلك على القماش. فعند وضع قطعة من الثلج عليها فان البرودة تعمل على تقارب جزيئات هذه المادة ( تنكمش ) فتقل قوى الالتصاق بينها و بين القماش مما يؤدي إلى انفصالها ( و يمكن لكل منا تجربة ذلك في منزله ) . أما البرد فهو يتكون عند درجة حرارة اقل من الصفر المئوي فإذا كانت هناك أوساخ مستعصية فان البرد يعمل عل انكماش جزيئات هذه الأوساخ بدرجة اكبر من الثلج فتنفصل و تزول . هذا الدعاء الذي شبه الخطايا بالأوساخ التي يجب غسلها بالماء و التي لا تزول بالماء يزيلها الثلج و التي لا تزول بالثلج يزيلها البرد، حتى لا يبقى شيء من خطايا الإنسان . وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس مرات . ترى هل يبقى من درنه شيء قالو : لا لايبقى ( رواه البخاري ) . وهذا دليل آخر على أن الماء وسيلة تنظيف من الأوساخ والذنوب . وهنالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن الوضوء وأهميته في غسل الخطايا والذنوب . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات , قالو : بلى يا رسول الله , قال : اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط " رواه مسلم .
هذا الحديث يبين أن الخطايا يمحوها الله بماء الوضوء . وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال اذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطرة ماء فإذا غسل يديه خرج من يداه كل خطيئة كان بطشها بيداه مع الماء أو آخر قطرة ماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطرة ماء حتى يخرج نقيا من الذنوب . (رواه مسلم) وفي حديث آخر " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره . (رواه مسلم)
وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله من الفراسة والشفافية بحيث كان يرى الذنوب تتساقط مع قطرات الوضوء . فسبحان من علم النبي الأمي هذه الحقيقة العلمية . نستطيع القول إن الماء والثلج والبرد هي حالات فيزيائية للماء لها قدرة كبيرة على التنظيف ولكل منها ميكانيكية خاصة في التنظيف . أسأل الله تعالى أن يغسلني و إياكم من خطايانـا بالماء و الثج و البرد .