الإعجاز العلمي في الحديث النبوي:
"ما من كل الماء يكون الولد, وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء"
مقدمة:
في هذا الحديث النبوي كشف لحقيقة علمية تتعلق بخلق الإنسان في داخل أعماق الرحم, وهي مسألة علمية لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا في وقت متأخر, وذلك بعد التطور الهائل في علم الأجنة, واستخدام أحدث الأجهزة الطبية. ولقد أخبر بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في وقت مبكر, ليكون في هذا سبقاً علمياً لكل هذه الاكتشافات العلمية.
وفي هذا البحث سنعرض لهذا الحديث بشيء من الشرح, ونبين مطابقته للاكتشافات العلمية الحديثة, وبيان وجه الإعجاز العلمي في ذلك.
"ما من كل الماء يكون الولد" :
أخبر النبي r بهذا الحديث في سياق الإجابة على سؤال علمي بحت, وهذا السؤال يتعلق بالعزل, والذي كان أشهر موانع الحمل في ذلك الوقت, فعن أبي سعيد الخدري t قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال r: "ما من كل الماء يكون الولد, وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء".(1)
يقول العيني: « "إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء" وهذه الألفاظ كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر»(2), ويقول المناوي: «"إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء" فإذا أراد خلق الولد من المني لم يمنعه العزل, بل يكون وإن عزل, وهذا قاله لما سئل عن العزل فأخبر أنه لا يغني حذر من قدر»(3).
ففي هذا الحديث إخبار عن حقيقتين علميتين, الحقيقة الأولى تتعلق بتخصيب البويضة, وعدد المنويات التي تقوم بهذه العملية, والحقيقة العلمية الثانية تتعلق باحتمال وقوع الحمل مع العزل, وأنه لا راد لأمر الله تعالى. والعزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج(4).
وجاء في حديث آخر أن النبي سئل عن العزل فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون"(5), وفيه يقول النووي: «معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل؛ لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لابد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا, وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا, فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق»(6).
"ما من كل الماء يكون الولد" في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة:
كشف العلم الحديث أن عدد منويات الرجل في القذفة الواحدة يتراوح من مائتين إلى ثلاثمائة مليون منوي, وأن منوياً واحداً فقط هو الذي يقوم بتلقيح البويضة.
ويقول الدكتور ليزلي أرى في كتابه Developmenetal Anatomy (الطبعة السابعة): أن التجارب على الثدييات أثبتت أن واحداً بالمائة من المني فقط يكفي لتلقيح البويضة. ومن المقرر طبياً أن عشرين مليوناً من المنويات في القذفة الواحدة هي الحد الأدنى للإخصاب, ورغم أنه يقرر طبياً أيضاً أن هناك حالات حمل كثيرة بأقل من هذه الكمية, كما يمكن أن تحقن كمية المني الناقصة المنويات إلى الرحم مباشرة Artificia Insemination وهي الطريقة المسماة "بالتلقيح الصناعي", وهذه الطريقة تستخدم أحياناً لمن يشكون العقم ويكون السبب في ذلك قلة المنويات في مني الزوج(7).
فأول ما تخرج المنويات يكون عشرين بالمائة منها غير صالح للتلقيح, ثم يموت في المهبل عدد كبير منها, ثم يموت على عنق الرحم عدد آخر, ثم تذهب مجموعة منها إلى غير مكان البويضة فتهلك, ولا يصل في النهاية إلى البويضة إلا ما يقرب من خمسمائة منوي فقط, وهنا يقع اختبار وانتقاء واصطفاء آخر لمنوي واحد فقط من بين هؤلاء ليتم به تلقيح البويضة.
وفي البويضة كذلك اصطفاء وانتقاء, إذ يبلغ عدد البويضات في مبيض الأنثى وهي لا تزال جنيناً في بطن أمها ستة ملايين بويضة أولية, ولكن كثيراً منها يذوب ويموت قبل خروجها إلى الدنيا, ثم تستمر في اندثارها حتى إذا بلغت الفتاة المحيض لم يبق منها إلا ثلاثين ألفاً فقط. وفي كل شهر تنمو مجموعة من هذه البويضات, ولكن لا يكتمل النمو إلا لواحدة فقط, وفي حياة المرأة التناسلية لا يزيد ما تفرزه المرأة عن أربعمائة بويضة فقط, فهناك اصطفاء وانتقاء للمنوي, وهناك اصطفاء وانتقاء للبويضة أيضاً.
ليس هذا فحسب بل إن هنالك اصطفاءاً وانتقاءاً للحمل أيضاً, تقول مجلة Medicine Digest عدد يناير 1981م: أن 78% من جميع حالات الحمل تسقط طبيعياً, وأن ما يقرب من 50 % يسقط قبل أن تعلم المرأة أنها حامل؛ ذلك لأن الرحم يلفظ الكرة الجرثومية بعد علوقها مباشرة, فتظن الأم أن الدم الذي جاءها في موعد الحيضة أو بعده بقليل هو دم الطمث الذي كانت تنتظره ولا تعلم أنه دم سقط(
.
"وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء" في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة:
من وسائل منع الحمل وسائل قديمة معروفة مثل العزل, ومنها وسائل حديثة مثل حبوب منع الحمل, واللولب الذي يدخل إلى الرحم، والموانع الميكانيكية لدى المرأة والرجل, والمراهم واللبوس المهبلي (التحاميل), وأخيراً عملية التعقيم بقطع قناتي الرحم وربطهما حتى لا تتمكن الحيوانات المنوية من الوصول إلى البويضة.
يقول كتاب تنظيم الحمل Humamnferliliy control عن العزل أنها وسيلة شائعة منذ أقدم العصور, ويقول المؤلفان: «إن نسبة الفشل بهذه الطريقة تبلغ 22%»(9).
يقول الدكتور محمد علي البار: «ونحن نعلم الآن أن لكل وسيلة من وسائل منع الحمل نسبة تفشل فيها, فرغم هذه الموانع يحصل الحمل إذا قدر الله ذلك, بل لقد جاءتني إحدى المريضات وأخبرتني أنها أجرت عملية تعقيم بقطع قناتي الرحم وربطهما في لندن, ثم لم تلبث بضعة أشهر إلا وهي حامل, وذلك مقرر في الكتب والمجلات الطبية. وتصل نسبة فشل هذه العملية 55 % إذا كانت العملية عن طريق المهبل, ولكنها تهبط إلى واحد بالمائة إذا أجريت العملية عن طريق فتح البطن وبواسطة جراح ماهر. وسجل كثير من الباحثين نسبة فشل تصل إلى 3.7 % مع جراحين مهرة, بل لقد سجلت حالة حمل بعد عملية استئصال للرحم، وعليه فإن الحديث النبوي الشريف إعجاز كامل في تقرير هذه الحقيقة العلمية»(10).
وجه الإعجاز:
الحديث النبوي "ما من كل الماء يكون الولد" صريح في أنه ليس من كل الماء (المني) يكون الولد, وإنما من جزء يسير منه, وأنى لمن عاش قبل أربعة عشر قرناً أن يعلم هذه الحقيقة التي لم تعرف إلا في القرن العشرين إذا لم يكن علمه قد جاء من لدن العليم الخبير, وقد دلت على معنى هذا الحديث آية قرآنية كريمة, قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾[المؤمنون: 12], والسلالة من معانيها الخلاصة التي يتم استخلاصها من الشيء(11), فالمني حصلت له عملية استخلاص, فمن 200-300 مليون منوي لم يلقح البييضة إلا منوي واحد, وهذا متطابق مع ما اكتشفه العلم الحديث.
وأما الشق الآخر للحديث "وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء" فهو إعجاز واضح جلي لا يتصوره إلا من درس وسائل منع الحمل ونسبة النجاح فيها, فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن كل الموانع الموجودة في عصرنا ليست ناجحة 100%, وأنه توجد معها حالات حمل بنسب متفاوتة.
هذه الإشارات النبوية الرائعة والتي كانت بكل تأكيد غيباً لا يستطيع أحد أن يراه أو يحسه في العصور الأولى، فأكثر ما كان يعرفه الإنسان في عصر النبوة الأول عن الحمل والولادة، ما هو ظاهر منه يروه بأعينهم ويلمسوه بأيدهم, ولم يكن أحد منهم يعرف كيف تتم عملية التلقيح والإخصاب, كل هذا يشهد بأن كل ما كان يخبر به النبي r إنما هو وحي أوحاه إليه الخالق العليم.