ونحن نعيش على هذه الأرض نرى ونسمع بالكثير من الفواكه والخضروات منها ما قد نالته أيدينا ومنها ما لم تنله، ومنها ما يوصف كعلاج ومنها ما يوصف كطعام أو شراب أو غير ذلك، ولكن لو تأملنا في كل هذا سنجد أن الله تعالى هو خالق كل شيء رحمة بنا، ولحكمة منه سبحانه جعل في كل شيء من هذه الأشياء التي خلقها فائدة وسراً لا يكاد يعلمه الناس إلا بعد حين من الدهر وذلك بعد أبحاث ودراسات وتجارب يتوصل بها أصحاب الاختصاص إلى ثمرة تلك الجهود، ولعلنا في هذا البحث سنتناول ثمرة من الثمار التي خلقها الله سبحانه وأنشأها تحت الأرض وهدى عباده إليها وعلمهم كيف يتناولونها وهي الكمأة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الثمرة لم يتركها الخالق بدون ذكر بل أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فذكرها قائلاً: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"(1)، ولكن لماذا ذكرها المصطفى وهل هي فعلاً كما قال؟ وقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ وهل جاء اليوم الذي يثبت فيه أهل الاختصاص إعجاز هذا الحديث؟ فتعال معي نخطو معاً في رحاب الوحي والعلم لننهل من معينه فنزداد إيماناً وثواباً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإنه وكما قال الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق: يا أبن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الكمأة في اللغة:
الكمأة بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه مهموز(2)، والكَمْأَةُ واحدها كَمءٌ على غيرِ قياس وهو من النوادِرِ فإِنَّ القِياسَ العَكْسُ(3)، وقيل: الكَمْأَةُ هي التي إِلى الغُبرة والسَّواد، والجِبَأَةُ إِلى الحُمْرةِ والفِقَعةُ البِيضُ، وأَكْمَأَتِ الأَرضُ فهي مُكْمِئةٌ كَثُرت كَمْأَتُها وأَرضٌ مَكْمُوؤَةٌ كثيرة الكَمْأَة وكَمَأَ القومَ، وأَكْمَأَهم الأَخيرةُ عن أَبي حنيفة أَطْعَمَهُم الكَمْأَةَ، وخَرجَ الناسُ يَتَكَمَّؤُون أَي يَجْتَنُون الكَمْأَةَ، ويقال: خرج المُتَكَمِّئُون وهم الذين يَطْلُبون الكَمْأَةَ، والكَمَّاءُ بَيَّاعُ الكَمْأَة وجانيها(4)، وقيل: سميت بذلك لاستتارها, يقال: كمأ الشهادة إذا كتمها(5).
الحديث الوارد في الكمأة وشرح معناه:
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"(6).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من المن" قيل في المراد بالمن ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلواً ومنه الترنجبين فكأنه شبه به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفواً بغير علاج.
الثاني: أن المعنى أنها من المن الذي أمتن الله به على عباده عفواً بغير علاج قاله أبو عبيد وجماعة، وقال الخطابي ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان الترنجبين الذي يسقط على الشجر وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل فيقع على الشجر فيتناولونه.
ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعاً؛ منها ما يسقط على الشجر ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط بل كان أنواعاً منّ الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفواً ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد ومن الطل الذي يسقط على الشجر(7).
والمن مصدر بمعنى المفعول؛ أي ممنون به فلما لم يكن للعبد فيه شائبة كسب كان منّاً محضاً وإن كانت جميع نعم الله تعالى على عبيده منّاً منه عليهم لكن خص هذا باسم المن لكونه لا صنع فيه لأحد فجعل سبحانه وتعالى قوتهم في التيه الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وأدمهم السلوى وهي تقوم مقام اللحم، وحلواهم الطل الذي ينزل على الشجر، فكمل بذلك عيشهم، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من المن" فأشار إلى أنها فرد من أفراده، فالترنجبين كذلك فرد من أفراد المن وإن غلب استعمال المن عليه عرفاً ، ولا يعكر على هذا قولهم لن نصبر على طعام واحد لأن المراد بالوحدة دوام الأشياء المذكورة من غير تبدل وذلك يصدق على ما إذا كان المطعوم أصنافاً لكنها لا تتبدل أعيانها(
.
أما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاء للعين" فهذا من طبه صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بذلك إيمان اليقين ولكن ينبغي الرجوع في ذلك إلى ذوي الاختصاص المؤمنين لأن وصفة الطبيب لا يجوز استعمال أي مريض لها بدون مراجعته، بل الذي يقرره الأطباء ضرورة رجوع المريض نفسه إلى الطبيب الذي أعطاه الوصفة ليقرر له هل يناسب استعمالها الآن مزاجه فيكررها أم لا(9).
ولذلك كان بعض العرب يسميها جدري الأرض تشبيهاً لها بالجدري مادة وصورة؛ لأن مادته رطوبة دموية تندفع غالباً عند الترعرع وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة ومشابهتها له في الصورة ظاهر(10).
هي نوع من الدرنيات والجذور التي لا ورق لها ولا ساق تخرج في الأرض بدون زرع وتكثر أيام الخصب وكثرة المطر والرعد(11)، وهو نَبات يُنَقِّضُ الأَرضَ فيخرج كما يَخرج الفُطْرُ، وهو معروف من نبات الأرض والعرب تسمية جدري الأرض، فسماه الشارع مَنّاً أي طعاماً بغير عمل كالمن الذي أنزل على بني إسرائيل(12)، أما التفسير العلمي الذي عرف حتى الآن لتكون درنات الكمأة في الأرض، فهو أن البرق يضع تحت تصرف الغلاف الجوي الطاقة اللازمة لتشكيل العديد من الأكاسيد والمركبات الغذائية (مركبات الأزوت)، ويعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات، إما على صورة جافة بفعل الثقالة الأرضية (الجاذبية)، وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبات المطر، فتصل الطبقة السطحية للأرض بعد أن رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء والغذاء اللازمين لنمو فطر الكمأة وعائلة (جردة الكمأة)، ومن المحتمل أن يكون الدور الرئيسي للرعد في إرسال بعض الموجات الصوتية التي من شأنها أن تمزق أغلفة أنواع فطر الكمأة الكامنة، فتنشط بوجود الماء والتربة الرخوة وتبدأ عملية (الفقع) إلى سطح التربة (13).
وهي توجد في الأرض من غير أن تزرع ، والعرب تسمي الكمأة أيضاً نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض وهي كثيرة بأرض العرب وتوجد بالشام ومصر والعراق، وأجودها ما كانت أرضه رملية قليلة الماء ومنها صنف قتّال يضرب لونه إلى الحمرة، وهي باردة رطبة رديئة للمعدة بطيئة الهضم(14)، ويسميه أهل الخليج أو أهل الجزيرة العربية: (الفقع) وهو جمع لكلمة فقعه، وفي منطقة بلاد الشام، يسمونه "الكماه" تمييعاً للـ "الكمأة" وهو اسمه العربي الوارد في الحديث، ينمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق، فلا ورق، ولا زهر(15)، وهو نبات لا جذر له.
ولعل الأمطار المبكرة في شهري تشرين الأول والثاني والمصحوبة بالرعد ثم أمطار آذار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عنه البرق والرعد وأمطار عاصفية، والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من 3000 درجة مما يحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية(16).
أما محاولة زراعتها بتدخل الإنسان في ذلك، فقد باءت جميع المحاولات حتى الآن بالفشل، ويقوم مهندس زراعي في دير الزور (سوريا) الآن بمحاولة استزراع الكمأة ولا يزال في بداية التجربة، على الرغم من أنه يعمل فيها منذ سنوات، ويؤكد أن النتائج الأولى مبشرة(17).
أنواع الكمأة:
توجد عدة أنواع من الكمأة ولا يكاد تختلف عن بعضها كثيراً سوى اختلاف بسيط في ألوانها مثل الزبيدي ولونه يميل إلى البياض وحجمه كبير قد يصل إلى حجم البرتقالة الكبيرة وأحيانا أكبر من ذلك، والخلاسي ولونه أحمر وهو أصغر من الزبيدي ولكنه في بعض المناطق ألذ وأغلى في القيمة من الزبيدي، والجبي ولونه أسود إلى حمرة وهو صغير جداً، والهوبر ولونه أسود وداخله أبيض وهذا النوع يظهر قبل ظهور الكمأة الأصلية وهو يدل على أن الكمأة ستظهر قريباً، ويعتبر هذا النوع أردأ أنواع الكمأة ونادراً ما يؤكل(18).
المحتويات الكيميائية للكمأة:
خلق الله تعالى هذا الكون بتناسق عجيب وركب مكوناته من مواد هي مسخرة بإذنه لبني آدم حيث يحتوي كل نبات على عناصر معينة وفيتامينات ومعادن هي في تناسقها وكمياتها وتجانسها تشكل حكمة بالغة وآية لأولي الألباب، بحيث تبين من تحليل الكمأة احتواؤها على البروتين بنسبة 9%، والمواد النشوية بنسبة 13%، ودهون بنسبة 1%، لهذا فهو ذو مردود حراري متواضع، وتحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور، والصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، كما تحتوي على فيتامين ب، وهي غنية بهذا الفيتامين. كما تحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون، والأكسجين، والهيدروجين، وهذا ما يجعل تركيبها شبيهاً بتركيب اللحم، وطعم المطبوخ منها مثل طعم كلى الضأن، أضف إلى هذا رائحةَ الكمأة المحببةَ وطعمَه الأشهى، مما يغري الكثيرين بالإقبال عليه (19)،كما أنه عندما تم تحليل الكمأة تبين أنها مصدر مهم للبروتينات من بين نباتات الصحراء، وأنها تتكون من 77% ماء ، و 23 %مواد مختلفة ، منها60 % هيدرات الكربون ، و 7% دهون ، و4 % ألياف، و18% مواد بروتينية، و11% تبقى على هيئة رماد بعد الحرق، وتم التعرف على سبعة عشر حمضاً من الأحماض الأمينية في بروتينيات الكمأة(20).
كيفية العلاج بالكمأة:
اختلفت طرق ووسائل العلاج بالكمأة كما اختلفت طرق ووسائل أكله، فكل بلد له فلسفة خاصة في أكله أو العلاج به، غير إن المشتهر عنه أنه غذاء لذيذ وشهي، هذا ما تعارف عليه الناس من القدم إلا أن البعض استطاع أن يكتشف أنه سبب لعلاج بعض الأمراض بإذن الله فابن حجر رحمه الله يقول: «إن إدمان أكل الكمأة يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول والرطب منها أقل ضرراً من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها فلذلك كان ماؤها شفاء للعين» (21).
وقال ابن القيم نقلاً عن الغافقي: «ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة ويدفع عنها نزول النوازل»(22)، وقال النووي: «الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقاً فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به فنفعه الله به»(23).
كما نقل ابن حجر عن الخطابي قائلاً: «إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والعكس بالعكس»(24).
أما المراد بماء الكمأة فقد قال ابن الجوزي في المراد بكونها شفاء للعين قولان:
أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها قال ويصدق هذا أن بعض الأطباء قالوا أكل الكمأة يجلو البصر.
ثانيهما: أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع.
الثاني: أن المراد ماؤها الذي تنبت به فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربي به الأكحال، فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء، قال ابن القيم: «وهذا أضعف الوجوه، قلت وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً -أي وحدها من غير إشراكها بغيرها من المواد- نظر فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلاً وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة، وبهذا جزم ابن العربي فقال الصحيح أنه ينفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى، وقد جرب ذلك فوجد صحيحاً، نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي, وقال: ولا تستعمل صرفاً فإن ذلك يؤذي العين»(25).
وذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمداً فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ما سويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: اشهد أن صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم(26).
وفي الحقيقة أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، خاصة إذا ثبت أن أكلها بصورة ما لا يسبب الموت أو المرض، فإذا ثبت أن أكلها سبّب مرضاً بعد ذلك أو موت ففي هذه الحالة لا تكون تلك الثمرة أو النبتة سبب في ذلك المرض لثبوت السلامة أولاً، لأن العارض الجديد يكون بسبب خارجي عنها، فإذا عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، كان ذلك العارض هو السبب، فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة واستعمال المواد الكيميائية، وكل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله ويدفع الله عنه الضرر بنيته والله أعلم.
الكمأة في عصرنا هذا:
ذكرنا أن الكمأة تستعمل إما للأكل وهو الشائع وإما للعلاج وسنذكر هنا كلا الاستعمالين: حيث تستعمل الكمأة لعلاج هشاشة الأظافر وسرعة تكسرها أو تقصفها وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية، وقد أجريت العديد من الدراسات والأبحاث على مرضى مصابين بالرمد الحبيبي أو التراخوما - وهو التهاب مزمن ومعدٍ يصيب العين ويؤدي إلى تليف القرنية، مما قد يتسبب في فقدان البصر - فاستُخدم ماءُ الكمأة في علاج نصف المرضى، واستخدمت المضادات الحيوية في علاج النصف الآخر فتبين أن ماء الكمأة قد أدَّى إلى نقص شديد في تكون الخلايا اللمفاوية والألياف التي تنتج عن هذا الالتهاب، والتي تسبب العتامة في القرنية، بعكس الحالات الأخرى التي استخدمت فيها المضادات الحيوية، فهو يقلل من حدوث هذا التليف في قرنية العين وذلك بوقف نمو الخلايا المكونة للألياف، كما أنه في نفس الوقت يقوم بمعادلة التأثير الكيميائي لسموم التراخوما، ويمنع النمو غير الطبيعي للخلايا الطلائية للملتحمة في العين، ويزيد من التغذية لهذه الخلايا عن طريق توسيع الشعيرات الدموية بالملتحمة، ولأن معظم مضاعفات الرمد الحبيبي تنتج عن عملية تليف قرنية العين، فإن ماء الكمأة يمنع من حدوث هذه المضاعفات بإذن الله(27).
وفي المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين، ولقد تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، ثم تم تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة وعند الاستعمال تم حل المسحوق في ماء مقطر لتصل إلى نفس تركيز ماء الكمأة الطبيعي وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة ولقد عالج به حالات متقدمة من(الترخوما) فكانت النتائج إيجابية حيث تم تشخيصه عند 86 طفلاً، تم تقسيمهم إلى مجموعتين مجموعة عولجت بالأدوية المعتادة ومجموعة عولجت بعدما أضيف ماء الكمأة إلى تلك المعالجات حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة 3 مرات يومياً ولمدة شهر كامل وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين فالحالات التي عولجت بالأدوية المعتادة ظهر فيها تليف في ملتحمة الجفون أما التي عولجت بماء الكمأة المقطر عادت الملتحمة إلى وضعها السوي دون تليف الملتحمة (28).
كما تستعمل الكمأة كغذاء جيد حيث تبلغ قيمتها الغذائية أكثر من 20% من وزنها حيث تحتوي على كمية كبيرة من البروتين، ويصنع من الكمأة الحساء الجيد وتزين بها موائد الأكل ويجب أن تطبخ جيداً وأن لا تؤكل نيئة لخطورتها حيث تسبب عسر الهضم، كما يجب عدم أكلها من قبل المصابين بالحساسية(29).
وجه الإعجاز:
(سبحان الله) كلمة تدين بها الخلائق لخالقها، فمن رحمته بخلقه ولطفه بهم أن خلق لهم ما ينفعهم وأخبرهم بها لئلا يعجزوا أو ييأسوا، ولكن الجهل بالله وبكتابه أدى إلى أن طال الأمد فقست القلوب وتحجرت فاتخذته ظهرياً وهجره أهله فكان ما كان من هذا النسيان، ويوماً بعد يوم يكتشف هذا الإنسان أن له رباً رحيماً حكيماً يسر له أموره وقدر له سبل الهداية والنفع في آن واحد، وما موضوعنا الحالي إلا خير مثال على ذلك، فهو برهان على أمرين:
الأول: صدق ما أخبر به الحبيب المصطفى من كون الكمأة شفاءاً للعين وهذا يدل على أن محمداً رسول من الله للعالمين لا ينطق عن الهوى ولا يتكلم بالخرافات ولا هو ساحر ولا مجنون.
الثاني: البرهان الذي ثبت بهذا الخبر وهو العلاج بالكمأة وهو خبر ثبت صدقه وتحققت مصداقيته في زمن العلم والبحث والتجربة، وفي هذا آية ومعجزة للعالمين أنه كلام الخالق الذي أوحاه لنبيه في زمن بعيد جدا ًحتى يستيقن الناس أن الدين الحق الذي أراده الله لخلقه هو دين الإٍسلام فدعمه بهذه الأخبار والمعجزات.
فكان قوله هذا سبقاً علمياً وإعجازاً نبوياً، تحدى فيه الأطباء والباحثين، قبل أن تتطور العلوم ويكتشف الناس هذه الحقائق في العصر الذي تباهى الناس فيه بالعلم وركنوا إليه، وليتهم جعلوا منه طريقاً إلى الإيمان بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام.
المصدر: موقع جامعة الإيمان