أساليب معينة في طرائق حفظ القرآن
ذكر فضيلة الشيخ / جمال القرش حفظه الله
بعض الأساليب المفيدة في أساليب الحفظ الأمثل : يقول :
1- إخلاص النية لله عز وجل
وهو أن يكون مقصدك في حفظ القرآن وتعلمه وتعليمه طلب الأجر والمثوبة من الله ، وجعل العناية به من أجل الله تعالى ،
والفوز بجنته والحصول على مرضاته ، فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ وحفظ رياء أو سمعة .
قال الله تعالى : + مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ
(15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(16)" [هود 15-16]
وقَالَ تعالى: ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا " [الفرقان: 23 ] .
وقال رسول الله × : قال الله تعالى :
(( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) رواه مسلم .
فأي عمل لا يبتغى به وجه الله فهو مبتور أقطع ، لا فائدة فيه ، ولا ثمرة ، ولا جدوى منه ، بل يكون عليه يوم القيامة حسرة وندامة ، لأنه طلب بذلك العمل غير الله ، فليأخذه ممن صرف له ، فإن صرفه لبشر ليقال حافظ فسيقال له يوم القيامة حفظت ليقال حافظ ، وقد قيل ، فيجر فيسحب على وجهه في النار .
2- الصدق في الدعاء
قد ينال الحافظ الثواب الكامل ويبعث حافظًا لكتاب الله عز وجل بإخلاصه
، وإن لم يتم الحفظ ، وذلك إن كان صادقًا في رغبته ، مبتغيًا وجه الله عز وجل ،
عنْ سَهْلِ بنِ حنيفِ أَنَّ النَّبِيَّ
قَالَ : (( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ؛ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)) مسلم/ 1909 .
والحديث يبين أن يوم القيامة من سيبعث شهيدًَا مع أنه لم يشارك في ساحة الجهاد، وسبب ذلك هو صدق النية ، والإخلاص مع الله عز وجل ، نال بذلك أعلى الدرجات ، فإن كان ذلك مع أعلى درجات الجنان للشهداء ، أفلا يكون ذلك مع أهل القرآن .
3- الاستعانة بالله تعالى الإكثار من الدعاء سبب في إعانة الله على الحفظ وعدم نسيانه وأن يجعل
حفظكِ متقنًا ، وسهلاً وميسرًا ، فهو سبحانه وحده القادر على أن يجعل الصعب سهلاً ، والعسير يسيرًا ، + إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [يس:82] .
وقَالَ تَعَالَى: +إذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون" [آل عمران: 47] .
وقَالَ تَعَالَى: + فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " [يس:83] .
لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، لأنه الذي بيده ملكوت كل شيء ، وإليه يرجع الأمر كله، قَالَ تَعَالَى: + هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [غافر :65] .
فعلى العبد أن يستعين باللهِ ويلتجئ إليه وحدَهُ، ويُظهر الافتقارِ إليه والتبرؤ مِن الحوْلِ والقُوَّة .
- فالملكُ له، قَالَ تَعَالَى: + فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى " [النجم :25].
- والأمرُ له، قَالَ تَعَالَى: + لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ " [ الروم:4]
- والهدى له، قَالَ تَعَالَى: + يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ " [النور: 35].
- له خزائن كل شيء، قَالَ تَعَالَى: + وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" [المنافقون: 7].
- لا يكشف الضر إلا الله، قَالَ تَعَالَى: + وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ " [يونس : 107].
- ولا يكشف الكرب إلا الله، قَالَ تَعَالَى: + قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ " [الأنعام : 64] .
- ولا يكشف السوء إلا الله، قَالَ تَعَالَى: + أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ " [النمل : 62].
- ولا يشفي إلا الله، قَالَ تَعَالَى: +وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" [الشعراء :80] .
- ولا يرزق إلا الله، قَالَ تَعَالَى: + قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ " [سبأ :24] (1).
وعلى الطالب أن لا يستعجل الإجابة ، فذلك منهي عنه ومن أدام قرع الباب يوشك أن يفتح له .
ومن الأمور الجالبة لاستجابة الدعاء :
1- أكل الحلال
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (( أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا……، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! )) مسلم / 1015 .
2- الثقة بالله وحسن الظن به
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: قال الله عز وجل: (( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي))
ق . البخاري . رقم/ 7405. ومسلم /2675.
3-أفضل الدعاء :
أفضل الدعاء ما جاء به القرآن الكريم والسنة والمطهرة .
قَالَ تَعَالَى: + إنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " [الإسراء : 9 ] .
وَقَالَ تَعَالَى: + ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" [الإسراء: 83 ] .
وقَالَ تَعَالَى: + قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّون اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [آل عمران :31] .
4- فمن الأدعية القرآنية :
- + رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" [طه : 114].
- + رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير" [الممتحنة :10 ].
- + رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي" [طه : 25 –28 ].
- + رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" [الكهف :10] .
5-ومن الأدعية النبوية :
- اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي . م / 2725
- اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ . م / 2654 .
- رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي. د. ت . . صحيح الترمذي /3551.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا. م/ 2722
* * *
4- الهِمَّة العالية والعزيمة الصادقة
الإسلام دين يحث على الهمة العالية ، وطلب أعلى الجنان ، فليست الجنة فقط هي المطلب ، فالجنة درجات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ :
(( … فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ .)) البخاري/ 7423 .
فهذا الحديث دليل واضح على أن يكون المسلم ذا همة عالية ، فعليه أن يرغب في
الفردوس الأعلى أعلى الجنان ، ولا يكتفى بما هو دون ذلك .
إن الدافع القوي والرغبة الذاتية في حفظ القرآن الكريم ، وارتفاع الروح المعنوية والهمةأساس لحفظ القرآن الكريم ، إذ لا بد من الشعور بالسعادة أثناء التلاوة ، ولا يتجاوز الأمر كونه مجرد أمنية وحلم يقظة ، فالقرآن الكريم له حلاوة خاصة ، ولذة مصاحبة يدركها من يبحث عنها ويتحراها ، ولا بد أن يصاحب الدافع الذاتي هِمَّة عالية وعزيمة صادقة حتى لا تفتر بعد مدة قصيرة ، ولا يكل من النظر في كتاب الله سبحانه ، ولا يشبع من تلاوته .ويمكن أن يجد الإنسان هذه العزيمة الصادقة بمعرفته لعظمة القرآن ومكانة أهله، والفضل الجزيل لقارئه ومستمعه ، وخصوصية حملته ، فقد وصفهم الله تعالى بالخيرية ، ووعدهم برفع درجاتهم ، وكثرة حسناتهم ، وزيادة إيمانهم ، وجعله لهم هدى وشفاء ورحمة (1).
ومن صور المحفزات النبوية لحفظ القرآن الكريم ومدارسته :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال
: (( يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْءان اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا ))
رواه أبو داود/1464، و انظر صحيح الترمذي /2914 .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كان النبي : (( يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ )) رواه البخاري/ 1343 .
وعن عمر بن الخطاب قال: قال
: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ))
رواه مسلم/817 .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال : (( الْمَاهِرُ بِالْقُرْءانِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْءانَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) رواه البخاري /4937، مسلم/798 ،أي : أجر القراءة وأجر المشقة، أما الماهر بالقرآن فهو أرفع درجات وأعظم أجرًا لأنه يكون مع الملائكة السفرة الكرام .
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال : (( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،
لا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ )) رواه الترمذي/ 2910.
5- الفهم طريق الحفظ
تدبر الآيات وفهمها من أعظم ما يعين على الحفظ ، ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض ، لذلك فإنه ينبغي على الحافظ أن يقرأ تفسير بعض الآيات والسور التي يحفظها ، وعليه أن يكون حاضر الذهن عند القراءة ، ليستطيع أن يربط بين الآيات ، ويلاحظ ارتباط المعنى .
ويجب عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم وحده للآيات بل يجب أن يكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحياناً عن المعنى وأما من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيراً، وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه، خاصة عند القراءة الطويلة.
قال الإمام النووي: ثبت في صحيح مسلم- رحمه الله- عن تميم الداري قال: قال : (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) مسلم .
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق التلاوة، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة وأن يذبَّ، عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين، وأن يصدِّق بما فيه، ويقف مع أحكامه ويتفهم علومه، وأمثاله، ويعتبر بمواعظه، ويتفكر في عجائبه ويعمل بمحكمه، ويسلم لمتشابهه، ويبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، وينشر علومه . اهـ(1) .
- تقسيم النص القرآني إلى وحدات
وهذا يعني تقطيع الآيات بحسب المعنى ، وهو أن يتضمن كل مقطع ، معنى معين أو فكرة معينة ، يستطيع من خلالها أن يتتبع المعنى ، كأن يفصل بين آيات الرحمة والعذاب ، والجنة والنار ، وقصة ، وأخرى ، وتقسيم السورة ذات الموضوع الواحد كقصة يوسف عليه السلام ، فهي وإن كانت تدور حول موضوع كلي واحد وهو (يوسف عليه السلام) إلا أن هذه السورة يمكن أن تقسم بحسب الأحداث ، والمواقف التي تعرض لها نبي الله يوسف عليه السلام، كرؤية يوسف عليه السلام التي قصها على أبيه ، وإلقاءه في الجب ، …………… وهكذا ، فيكون لدى الحافظ بصيرة بالوحدات الجزئية ، وفكرة كل مقطع، فالبنيان لا يبنى كتلة واحدة ، وإنما من خلال قطع يوضع بعضها فوق بعض .
7-الحفظ المتقن للمقطع اليومي
لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً ، وذلك ليثبت في الذهن ومما يعين على ذلك أن تجعله شغلك طيلة الليل والنهار ، وذلك بقراءته في الصلاة ، وخاصة قيام الليل ، وكذلك أثناء ركوب السيارة ، أو عند الذهاب إلى جهة معنية ، بتكراره بصفة مستمرة حتى تصل إلى أعلى درجة في الحفظ لهذا المقطع ، لأن بمثابة بنيان تبني عليه ، فالذي يبني بنيان تعداده ثلاثة طوابق يجب عليه أن يعد أساسًا يتحمل ثلاثة طوابق ، والذي يعد بنيان تعداد طوابقه عشرة طوابق يجب عليه أن يعد أساسًا يتحمل عشرة طوابق .
8-عدم تجاوز سورة حتى يربط أولها بآخرها
بعد تمام حفظ سورة من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تماماً , وربط أولها بآخرها , وأن يجري لسانه بها بسهولة و يسر، ودون عناء فكر وكد في تذكر الآيات ، ومتابعة القراءة , ويجب أن يكون الحفظ كالماء , حتى لو شتت ذهنه عن متابعة المعاني أحياناً ، فإنه يسترسل من حفظه ، ويضع لنفسه ضوابط بأن يعيد الربع إذا زاد عدد الأخطاء عن خطأين ، ثم يتحدى بأن يعيد الجزء إذا أخطأ فيه أكثر من خطأين، ثم يتحدى أكثر بأن يعيد الجزء بكامله لو أخطأ فيه خطأ واحد ، ليصل بذلك إلى أعلى درجة ممكنة من الحفظ ، ولا شك أن وصول الحافظ إلى مثل ذلك الإتقان ، فإنه يزيد من ثقته بنفسه ، ويصقل موهبة الحفظ لديه ، ويشعر بإجادة تامة لحفظه , مما يدفعه إلى مواصلة حفظ باقي القرآن الكريم .
9- التكرار مع التغني
ينبغي أن يكون التكرار مع التغني، وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاع محبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك على الخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر، هذا إلى جانب أن التغني بالقرآن لا يجوز مخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: (( من لم يتغن بالقرآن فليس منا )) رواه البخاري .
أسأل الله العلي الكبير أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال