بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
للقرآن الكريم علاقة متينة بحياة الإنسان اليومية:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني عشر من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي، والدرس اليوم كيف نحيا بالقرآن ؟
أيها الأخوة، هناك فرق كبير كبير بين أن تتصور أن القرآن الكريم كلام رب العالمين وأنه أنزل على قلب النبي عليه الصلاة والسلام دون أن تشعر أن لهذا القرآن الكريم علاقة وشيجة متينة بحياتك اليومية، يعني مثلاً قد نفهم أن النبي عليه الصلاة والسلام شخصية كبيرة عملاقة فذة بالكمال بلغ ذروة المنتهى لكن كأنه عندك شخصية تاريخية، أما أن يعيش النبي عليه الصلاة والسلام بيننا ليحل مشكلاتنا هذا المطلوب، لن ننتفع بهذا الدين إلا إذا تصورنا تصوراً يقينياً أن الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيه حلّ لكل مشكلاتنا، وأن القرآن الكريم فيه توجيهات لحياتنا اليومية، ما لم ينتقل الدين من تراث إلى واقع، من تاريخ إلى توجيه حيّ لن نفلح.
القرآن الكريم ليس رواية تاريخية وإنما قانون إلهي لكل البشر:
أيها الأخوة الكرام، هذا التصور التراثي للدين خطير جداً، الدين تراث الأمة، ما علاقته بواقعها ؟ ما علاقته بمشكلاتها ؟ ما علاقته بالتحديات التي تواجهها ؟ ما علاقة الدين بما نعانيه من تخلف ؟ الحل هو أن نفهم هذا الدين فهماً يومياً، يعني الدين ليس تاريخاً، أكبر شاهد على ذلك أن الله عز وجل في القصص التي وردت في القرآن الكريم هناك إغفال وكأنه مقصود للتفاصيل، بعض العلماء قال: لو أن الله عز وجل أورد تفصيلات كثيرة وجزئيات وفيرة للقصص القرآني لتوهمنا أن هذه القصة تاريخية وقعت ولن تقع بعد اليوم، أصبح الدين تراثاً والقرآن كتاب تاريخ، نحن ما علاقتنا بسيدنا يونس حينما قال الله عز وجل عنه:
فنادى في الظلمات، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، البحر بعد مئتي متر في ظلام دامس ولو كان الوقت نهاراً، بطن الحوت ما فيه أي منبع ضوئي، والليل ليل: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء ).
أعطاك الله حالة الأمل بالنجاة مستحيل، الأمل بالنجاة صفر:
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (88) ﴾
( سورة الأنبياء).
أروع ما في الآية أنه الله قلبها إلى قانون قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء).
هذه الآية ليست رواية لقصة لنبي وقعت ولن تقع، هنا الخطر أن نفهم القرآن الكريم كتاب تاريخ، أن نفهم أن القرآن الكريم يحدثنا عن نبي سابق، سيدنا يونس، لا، القرآن الكريم يعطينا توجيهاً حيوياً معاصراً لعام ألفين وثمانية أنك أيها المؤمن إذا وقعت في ضائقة كن كهذا النبي الكريم، نادِ في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ومع أن احتمال النجاة كانت معدومة،
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (88) ﴾ من أجل أن يطمئنك ربنا جل جلاله أن هذه القصة لك وليست رواية تاريخية، قال: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
أخطر شيء أن ينقلب الدين إلى تراث نزهو به:
أنت حينما تقرأ قول الله عز وجل: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ﴾
( سورة القصص ).
يعني معقول أن الأم إذا خافت على ابنها تلقيه في اليم ؟ ماذا يستنبط ؟ أن هذا الصندوق في البحر بيد من ؟ بيد الله عز وجل، من يحركه ؟ الله عز وجل، من ساقه إلى شاطئ القصر ؟ الله عز وجل، من جعل هذا الصندوق يقف أمام عود من فروع شجرة على شاطئ النهر ؟ الله عز وجل، من ألهم امرأة فرعون أن تأتي إلى الشاطئ ؟ الله عز وجل، من ألقى محبته في قلبها ؟ الله عز وجل، أنت حينما تفهم أن يد الله تعمل وحدها تكون قد قرأت هذه القصة على أنها توجيه معاصر، توجيه لك أيها المؤمن في أي عصر، أخطر شيء أن ينقلب الدين عندك إلى تراث، شيء قديم نزهو به، نفتخر به، توجيه يومي، توجيه معاصر.
القرآن الكريم كتاب علينا أن نتلمس فيه حلاً لكل مشكلاتنا:
أيها الأخوة الكرام، ما لم يكن القرآن الكريم كتابنا، كتابنا في هذا الوقت، ما لم نبحث فيه عن حلول لمشكلاتنا نكون قد ابتعدنا عن حقيقته، ليس كتاب تاريخ، وليس وحي السماء الذي نزل قبل ألف وأربعمئة عام على قلب سيد الأنبياء وانتهى الأمر، هو كتابنا اليومي، الله الذي خلق السماوات والأرض، خلق الشمس الآن تشرق، خلق القمر الآن ينير، خلق الأمطار، خلق البحار، خلق السهول، خلق الصحارى، خلق الجبال، خلق النباتات، خلق الحيوانات، الأشياء فعالة، الشمس تشرق، القمر ينير، السماء تمطر، الأرض تنبت، الأشياء التي خلقها سابقاً لا تزال فعالة في حياتنا، والقرآن نور الأكوان وينورها وسينورها إلى يوم قيام الساعة، ما لم تؤمن أن الله خلق الأكوان ونورها بالقرآن، أخطر شيء مرة ثالثة أن تتوهم الدين تراثاً، أو كتاب نزل، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام شخصية عملاقة، مصلح كبير، عبقري، النبي يجب أن يعيش معنا ليحل مشكلاتنا، والقرآن كتاب يجب أن نتلمس فيه حللاً لكل مشكلاتنا، مثلاً: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق ).
يعني هذه الآية زوال الكون أهون على الله من أنك أيها المؤمن، أيها الشاب، وأنت في عام ألفين وثمانية، تعاني من مشكلة لا تجد عملاً ترتزق منه، لا تجد زوجة صالحة لك، لا تجد سبيلاً مفتوحاً أمامك فتتقي الله وتنتظر أن تنفذ هذه الآية عليك:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
( سورة الطلاق ).
المؤمن من أيقن أن قصص القرآن الكريم تتكرر إلى يوم القيامة:
أيها الأخوة، هذا الذي أتمناه أن يكون واضحاً في هذا اللقاء الطيب ليس القرآن الكريم كتاب تاريخ، حينما حدثنا القرآن الكريم عن قصص الأنبياء لا لتكون قصة بل لتكون حقيقة ماثلة بيننا، يعني الآن هناك قوى بغي، وهناك جيوش تملك أسلحة فتاكة، وهناك طيران، و هناك صواريخ و قنابل ذرية و قنابل جرثومية وعنقودية ونووية، وهناك حصار اقتصادي و أقمار صناعية ترصد كل حركة وسكنة على وجه الأرض، لما فرعون تبع سيدنا موسى في كل عصر هناك فرعون، فرعون معه أسلحة فتاكة، عنده حقد لا يعلمه إلا الله، عنده كبر، عنده غطرسة، لكل عصر فرعون، فرعون سيدنا موسى تبع هذا النبي الكريم مع شرذمة من أتباعه، قلت شرذمة لأنهم ضعاف، فقراء، خائفون، فلما كان وراءهم بأسلحته، بجبروته، بكبريائه، بطغيانه، بحقده، باستعلائه، بغطرسته، كما نعيش غطرسة الأقوياء اليوم وصلنا إلى البحر، البحر أمامنا وفرعون وراءنا احتمال النجاة صفر، لا يوجد أمل، تصور ألف شخص عزل وراءهم جيش، مدرعات، وطائرات، وصواريخ، وقنابل فسفورية، وقنابل عنقودية، ودقة بالإصابة مذهلة، وكل إنسان مرصود: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾
( سورة الشعراء ).
إن لم تؤمن أن هذه القصة تتكرر إلى يوم القيامة لست مؤمناً بهذا القرآن الكريم، هذه القصة تتكرر إلى يوم القيامة، إن شاء الله تسمعون من هؤلاء الذين قاتلوا أعتى جيش في المنطقة كيف أن الله عز وجل أكرمهم، وأعانهم، وقوى عزيمتهم، ملأ قلبهم أمناً وطمأنينة، وأنهم وقفوا أمام أعتى جيش في المنطقة، والله أسمع الآن قصصاً والله مثل الخيال، هذا القرآن الكريم كتاب الحياة، كتاب اليوم، إن لم تقرأ قصص القرآن الكريم على أن كل قصة في القرآن الكريم يمكن أن تتكرر الآن أنت لا تقرأ كلام الله، معنى ذلك أنك تقرأ كتاب تاريخ.
القرآن الكريم شفاء للنفوس:
الذي أريد أن أؤكده لكم أن القرآن الكريم كتاب الحياة فيه حلّ لكل مشكلاتنا، مثلاً ألا يتوارد إلى ذكرك أن يا رب دول قوية، بلاد جميلة خضراء، مياه غزيرة، ثروات كبيرة، كفار، ملحدون، عصاة، زناة، شاربو خمر، أمرهم هو النافذ، كلمتهم هي المسموعة، يا رب ما تفسير ذلك ؟ هناك حالة عندك اسمها شبهة تعيق إقبالك على الله، تقرأ القرآن الكريم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 ).
إذاً فيه شفاء للناس، أحياناً يا رب هؤلاء المستضعفون يقاتلون، تنهب ثرواتهم، تحتل بلادهم، يقتل شبابهم، ما حكمتك يا رب ؟ تفتح القرآن الكريم يقول لك الله عز وجل:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
( سورة القصص ).
فيه شفاء للنفوس.
قارئ القرآن لا يحزن:
أيها الأخوة الكرام، ورد في بعض الآثار: (( لا يحزن قارئ القرآن ))
[ الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال ].
كيف يحزن قارئ القرآن الكريم وهو يقرأ قوله تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه ).
﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة ).
كيف يحزن قارئ القرآن الكريم وهو يتلو قوله تعالى:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
( سورة الحجر الآية: 42 ).
كيف يحزن قارئ القرآن الكريم وهو يتلو قوله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 ).
كيف يحزن قارئ القرآن الكريم وهو يتلو قوله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾
( سورة التوبة الآية: 51 ).
كيف يحزن قارئ القرآن الكريم وهو يتلو قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 257 ).
على الإنسان ألا يفصل بين القرآن الكريم وبين الحياة التي يحياها:
ما لم يكن هذا القرآن الكريم كتاب حياتك، فيه التوجيهات التي تجعلك تسلك سبل السلام، السلام مع نفسك، والسلام مع من حولك، والسلام مع ربك، لا تعد من قراء القرآن الكريم، إياك أن تفصل بين القرآن الكريم وبين الحياة التي تحياها، مرة بلد عربي أرسل بضع مئات من كبار الضباط ليتلقوا تدريبات عسكرية على أسلحة حديثة في بلاد غربية، والمشكلة أنهم عادوا جميعاً على طائرة واحدة أسقطوا هذه الطائرة، يعني مئات الخبراء العسكريين على أحدث الأسلحة انتهوا بإسقاط طائرتين ماذا قال القرآن الكريم ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾
( سورة يوسف الآية: 67 ).
ينبغي أن يعود كل واحد برحلة، لو أنهم قرؤوا القرآن الكريم، كتاب يومي، كتاب الحياة، والله أيها الأخوة، أتمنى أنكم إذا قرأتم القرآن الكريم أن تسقطوا الآيات على واقعنا، يعني مثلاً خلاف بين المؤمنين طرف من المؤمنين يستدعي قوات أجنبية كالذي حدث في حياتنا خلاف بين دولتين إسلاميتين استدعى أن يأتي الغرب بكل جيوشه إلى المنطقة، أين قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9) ﴾
( سورة الحجرات ).
أين قوله تعالى ؟
القرآن الكريم الحل الأمثل لكل مشكلاتنا:
أقول لكم بصدق إن كل ما نعانيه من مشكلات لو استلهمنا القرآن الكريم في حلّها لكان الحل الأمثل لهذه المشكلات، لكن القرآن عندنا كتاب تراثي، كتاب تتبارك به، تتعبد الله بقراءته هذا هو المطلوب ؟ المطلوب أن تأخذ آياته على أنها حلول لمشكلاتك، بيان لحجم المشكلة، لذلك قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾
( سورة ق).
(( الصلاة نور ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ].
(( الصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو حجة عليك ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ].
زرت بلداً بعيداً جداً فوجدت أنهم يأكلون الفاكهة قبل الطعام، شيء طبيعي جداً، شيء مألوف جداً أنهم يقدمون الفاكهة أولاً ثم الطعام ثانياً، وأنا أعلم علم اليقين أن السكريات الطبيعية أي سكر الفواكه أسرع مادة غذائية تنتقل من الفم إلى الدم في عشر دقائق، أنت إذا دخلت إلى البيت وأنت جائع تناولت تمرة أو تمرتين، تفاحة أو تفاحتين، شيء سكري، وصليت الظهر تجلس إلى الطعام بوضع طبيعي جداً من دون شعور بالجوع الشديد، لأن الله عز وجل قال:
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ(21) ﴾
( سورة الواقعة ).
لما قدم الفاكهة على اللحم هذه إشارة.
القرآن الكريم إن طبقت أحكامه قادك إلى الجنة وإن لم تطبقها ساقك إلى النار:
والله أيها الأخوة، يمكن أن نستنبط آلاف التوجيهات، بل عشرات آلاف التوجيهات من القرآن الكريم، هناك أمراض وبيلة تصيب من يأكل الفاكهة قبل أن تنضج: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 141 ).
لذلك ابن مسعود رضي الله عنه يقول:
(( يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون قائداً إلى الجنة أو يشهد عليه فيكون سائقاً إلى النار ))
[ رواه الدارمي عن ابن مسعود ].
القرآن الكريم إن طبقت أحكامه قادك إلى الجنة، وإن لم تطبق أحكامه ساق الإنسان العاصي إلى النار، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:
(( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ أَجْراً، وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْراً، فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ، وَلا يَتَّبِعْكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اِتَّبِعْ الْقُرْآنَ هَبَطَ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ الْقُرْآنُ زَخَّ بِهِ فِي قَفَاهُ، فَقَذَفَهُ فِي النَّارِ. ))
[أخرجه الدارمي و البيهقي عن أبي موسى الأشعري].
(( ورب تال للقرآن و القرآن يلعنه ))
[ ورد في الأثر].
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))
[ أخرجه الترمذي عن صهيب ] .
القرآن الكريم حجة للإنسان أو حجة عليه:
بعض السلف يقول: ما جالس أحد القرآن فقام عنه سالماً إما أن يربح وإما أن يخسر، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) ﴾
( سورة الإسراء).
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو حجة عليك ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ].
ابن عمر يقول: كل حرف في القرآن الكريم ينادي أنا رسول الله إليك لتعمل بي وتتعظ بالمواعظ.
يقول الله عز وجل:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ﴾
( سورة محمد ).
حقّ تلاوة القرآن الكريم أن يتلوه الإنسان وفق قواعد اللغة العربية الصحيحة:
أيها الأخوة الكرام، القرآن ينبغي أن تتلوه حقّ تلاوته قال تعالى يصف المؤمنين فيقول: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 ).
قال بعض العلماء: حقّ التلاوة أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية الصحيحة، يعني الله عز وجل في آيات كثيرة من هذه الآيات يقول:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾
( سورة فاطر).
لأن
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ﴾
الفتحة على لفظ الجلالة جعلت هذه الكلمة مفعولاً به، والعلماء الفاعل، لو أنما قرأت إنما يخشى اللهُ، المعنى فيه فساد كبير جداً، إذاً لابدّ من أن تتبع قواعد اللغة في قراءته ثم لابدّ من أن تراعي أحكام التجويد، ثم لابدّ من أن تفهمه، أحياناً شخص يسمع قرآناً ولا ينتبه وسيق الذي كفروا إلى جهنم زمراً، يا رب تجعلنا منهم، لا يعرف ما يسمع، لابدّ من أن تقرأه وفق قواعد اللغة، وفق أحكام التجويد، وفق المعنى.
التدبر هو مطابقة حالتك النفسية على ما تقرأ من آيات القرآن الكريم:
بقي التدبر وهو محور درسنا، التدبر غير الفهم، والتدبر غير التلاوة الصحيحة، التدبر غير القراءة المجودة، التدبر أن تعرض هذه الآية وأن تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2) ﴾
( سورة الأنفال).
هل تضطرب نفسك إذا قرأت القرآن الكريم ؟ هل يقشعر جلدك ؟ هل تشعر بنشوة إيمانية ؟ فإن لم تشعر بشيء إذاً يوجد عندك مشكلة، الآن موضوع مطابقة حالتك النفسية على ما تقرأ هو التدبر، هناك سؤال دقيق جداً ؛ أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور الآية: 30 ).
هل أنا مطبق لها ؟
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) ﴾
( سورة الفرقان).
هل أنت مطبق لها، أنت حينما تفكر في كل آية تتلوها ما موقفك منها هذا هو التدبر، وبعد ذلك عليك أن تطبق، فالتلاوة حق التلاوة أن تتلوه وفق قواعد اللغة، وأن تتلوه وفق أحكام التجويد، وأن تفهم تفسيره الدقيق، وأن تتدبر آياته، أي أن تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟ ثم عليك أن تطبق أحكامه، فإذا فعلت هذه الأشياء الخمسة تكون تلوته حقّ تلاوته، لذلك قال تعالى:
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ (29) ﴾
( سورة الفرقان).
هذه لام التعليل، أي علة هذا الكتاب أن تتدبر آيات القرآن الكريم، قال بعض العلماء:
إن كنت تزعم حبي فلما هجرت كتابي أما تأملت ما فيه من مزيد خطابي
***
الدين منهج عظيم يحتاجه كل إنسان في حياته:
أيها الأخوة الكرام، الذي أتمنى أن يكون واضحاً إليكم في هذا اللقاء الطيب أن القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ، وأن الدين ليس تراثاً، وإنما الدين منهج نحتاجه في أي عام من أعوامنا، نحتاجه في إدارة شؤوننا، نحتاجه في أسرنا، في اختيار زوجاتنا، في تربية أولادنا، في اختيار أعمالنا، نحتاجه في الرخاء، نحتاجه في الشدة، نحتاجه في الصحة، في المرض، في إقبال الدنيا، في إدبارها، يحتاجه الكبار والصغار، الذكور والإناث، يحتاجه كل إنسان، أنت حينما تفهم القرآن الكريم على أنه كتاب فيه منهج لحياتك تبتعد عن فهم تقليدي سقيم على أنه كتاب مقدس تاريخي، لا، في حلّ مشكلاتك وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام، شخص التحق بالصلاة خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأحدث جلبة حينما التحق بهذه الصلاة، فلما انتهى النبي من صلاته قال له: زادك الله حرصاً، ولا تعد، أثنى عليه، هذا منهج لأي إنسان، للأب منهج، للأم منهج، ابنك تأخر، تعرفه ابنك باراً، تعرفه صادقاً، تعرفه أميناً، يا بني أنا معجب بصدقك، بأمانتك، لكن تأخرت أين كنت ؟ عندما قلت له: أنا معجب بصدقك وأمانتك طمأنته، تعرفه بإيجابياته ثم تلفت نظره، هذا توجيه هذا منهج، أقسم لكم بالله بإمكانكم جميعاً في كل شؤون حياتكم، في إدارة بيتكم، في علاقتكم بزوجاتكم، في علاقاتكم بأعمالكم، بمن هو فوقكم، بمن هو دونكم، لمن حولكم، أن تجعلوا من كلام الله منهجاً لكم، عندئذ يكون كلام الله هو المنهج وليس كتاب تاريخ وعندئذ يكون الدين حلاً لمشكلاتنا وليس تراثاً نعتز به.
الموضوع العلمي:
أيها الأخوة الكرام، ننتقل إلى الموضوع العلمي.
الحقائق الجديدة التي ظهرت عند زراعة القلب:
الحقيقة معظم العلماء كانوا قبل عام أربعة وثمانين، قبل زراعة القلب، كانوا يتوهمون أن القلب مضخة للدم ليس غير، تضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة، أي في اليوم الواحد ثمانية آلاف لتر، قلب أي واحد منا، الدم طبعاً يدور، لو كان لا يدور، الدم في مكان وهناك وعاء ثان للدم المضخ، القلب يضخ في اليوم الواحد ثمانية آلاف لتر، القلب يضخ بعمر متوسط (ستون سنة مثلاً) ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم، أو بناء التجارة الذي هدم في الحادي عشر من أيلول.
كان يظن أنه مضخة لكن بعدما زرع القلب، عندنا ثلاثمئة حالة زرع قلب في العالم، ظهرت حقائق جديدة، هذا الكلام ليس له علاقة بحكم زراعة القلب، موضوع ثانٍ، هذا اختصاص المجامع الفقهية، أما الموضوع العلمي عندما زرع القلب والزراعة تجاوزت ثلاثمئة حالة ظهرت حقائق لم تكن معروفة من قبل، يعني إنسان مثلاً متقدم في السن احتاج إلى قلب، هناك شاب مات بحادث أخذوا قلبه و أعطوه لهذا المتقدم في السن، هذا المتقدم في السن كان يحب الموسيقا الكلاسيكية صار يحب موسيقا الجاز، كان يحب أكلة معينة أحب أكلة أخرى، صار إنساناً آخر ، يردد كلمة لم يفهم معناها، لما رددها بشكل لا يحتمل اتصل بزوجة من أخذ قلبه قالت له هذه الكلمة كانت شيفرة بيننا معناها كل شيء على ما يرام، قصص كثيرة جداً، فتاة صدمتها سيارة في صدرها فماتت، أخذ قلبها فوراً زرع لفتاة ثانية، دائماً الثانية كانت تشكو ألماً في صدرها، قصص كثيرة جداً والحقيقة ممتعة.
القلب مركز الأحاسيس والأذواق والمشاعر:
لذلك تبين أن هذا القلب مركز الأحاسيس والأذواق والمشاعر، أنا الذي أعرفه جيداً أن الإنسان يتبدل كل خمس سنوات تبدلاً كلياً، يعني كل خمس سنوات ليس في جسمك شيء إلا ويتجدد، أقصر خلية تتجدد في الإنسان زغابات الأمعاء عمر الخلية ثمان وأربعون ساعة، أنت كل ثمانية وأربعين ساعة تتبدل البطانة الداخلية للأمعاء الدقيقة، أخطر شيء الامتصاص، وأطول خلية الخلية العظمية، عظامك تتبدل كلياً كل خمس سنوات وأقصر خلية تتبدل زغابة الأمعاء، يعني كلك من دون استثناء تتبدل كل خمس سنوات إلا دماغك، لو تبدل دماغك، والله كنت طبيباً، تبدل دماغه ذهبت المعلومات كلها، تنسى أولادك، قطعاً لو الدماغ تبدل راحت معه الذاكرة، راحت معه الخبرات، راحت معه المعلومات، مثلاً إنسان درس ثلاث وثلاثين سنة ثم بقي من دون أي معلومة، كل حياتنا خبرات متراكمة، كل حياتنا ذكريات، مهارات، الدماغ لا يتبدل واضح جداً لو أن الدماغ يتبدل لفقدنا معلوماتنا، وكل ذواكرنا، وكل خبراتنا، وكل تجاربنا، وكل مهاراتنا، وكل قدراتنا، هذا من فضل الله عز وجل.