بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهر رمضان منحة لتزكية النفوس وتنقيتها من الضغائن
لقد حلّ بالمسلمين موسمٌ عظيم، مخصوص بالتشريف والتكريم، أنزل الله فيه كتابه، وفرض صيامه، شهر القيام وتلاوة القرآن، زمن العتق والغفران، موسم الصدقات والإحسان، تتوالى فيه الخيرات، وتعمُّ البركات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم(أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتّح فيه أبواب السماء،وتُغلق فيه أبواب الجحيم،وتُغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خير من ألف شهر،من حرم خيرها،فقد حرم)أخرجه أحمد، والنسائي،وصححه الألباني،
أشرف الشهور وأزكاها عند الله، جعله تعالى ميداناً لعباده يتسابقون فيه بأنواع الطاعات والقربات،
شهر رمضان منحة لتزكية النفوس وتنقيتها من الضغائن والأحقاد، التي خلخلت العرى،وأنهكت القوى،
ومن استقبل رمضان بالآثام وهو عاقّ لوالديه، وقاطع لأرحامه، هاجرٌ لإخوانه، وأقواله فيها غيبة ونميمة، فهيهات أن يستفيد من رمضان، يقول المصطفى(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)رواه البخاري،
وأهون الصيام ترك الطعام والشراب، وكان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا،نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً،
في هذا الشهر يشمّر الجادون في طاعة ربهم، أداءٌ للصلوات جماعة في بيوت الله، قيامٌ بالليل، وقراءة للقرآن قراءة خاشعة بتدبر،صدقة بالمال ولو بالقليل،تفطير الصائمين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم(من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)رواه الترمذي،
اعتكافٌ في بيت من بيوت الله، أداءٌ لمناسك العمرة(عمرة في رمضان تعدل حجة)متفق عليه،
الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار،عند الإفطار،فللصائم عند فطره دعوة لا ترد،
وفي الثلث الأخير من الليل، ينزل ربنا ويقول)من يدعوني فأستجيب له زيادةٌ في بر الوالدين، والقرب منهم، والتودد إليهم، إحسانٌ إلى الزوجة والأولاد والأهل بالتوجيه الرشيد، والكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة، صلةُ الأرحام، والصدقة على المحتاج منهم، تفقد الجيران وزيارتهم، والتعرف على أحوالهم، مدُّ يد العون للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، هذا دأب الصالحين في شهر الخيرات،
وإن من أفضل الأعمال بعد إصلاح الإنسان لنفسه أن يقوم بالدعوة إلى الله والاجتهاد في هداية الناس، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم وسلوكهم،قال تعالى(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)فصلت،
وميادين الدعوة رحبة،كلمةٌ صادقة، وقدوةٌ حسنة، علماً وعملاً، تقوًى وأخلاقاً،قال الحبيب عليه الصلاة والسلام(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً)رواه مسلم،
فاعزم بصدق على الارتقاء نحو درجات الاستقامة والهداية، واستقبل رمضان بتطهير المال من الحرام، فالمال الحرام سبب البلاء في الدنيا ويوم الجزاء، فلا يستجاب معه الدعاء، ولا تُفتّح له أبواب السماء،
فبادر ،وانظر في نفسك، وابحث في بيتك، وتطهر من كل مال حرام، حتى تقف بين يدي الله بقلب خاشع،فيُسمع لك الدعاء،
وفي الأسحار، ولحظات أنين المنيبين يهفو بعض المحرومين إلى المحرمات، ليتخذ رمضان موسماً للعصيان، إطلاقٌ للبصر في المحظورات، وإرخاءٌ للأذنين للأغنيات، ومشاهدة الفضائيات، تتبعٌ لعورات المسلمات في الأسواق والطرقات، وفيهم أصحاب الجلسات الفارغة، لهوٌ ولعبٌ، هزلٌ ومرحٌ، لم يعرفوا للزمان قدراً، ولا لرمضان شرفاً، جلبوا لأنفسهم الشقاء، وأذاقوا أرواحهم العناء، أما علموا أن لا لذة في غير الطاعة، وأنَّ كل متعة بمحرم تؤدّي إلى حسرة وندامة،قال تعالى(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) طه،
واليأس والقنوط سلاح لإبليس ليمضيه في العاصي حتى يستمر على عصيانه، مهما عمل العبد من المعاصي والفجور، فالإسلام لا يأس فيه من رحمة الله، فالتوبة تهدم ما قبلها، والإنابة تجب ما سلفها، فمن كان مبتلى بمعصية، فرمضان موسم التوبة والإنابة، الشياطين مصفّدة، والنفس منكسرة، والله تعالى ينادي(قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)الزمر،
ويقول في الحديث القدسي(يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي،
إن من أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنباً لم يرج مغفرته من غير ربه، يقول لقمان لابنه(يا بني،عوّد لسانك،اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يردّ فيها سائلاً)أخرجه البيهقي،وإبن داود ،
وعلامة التوبة البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار،
في هذا الشهر قوافل من التائبين يقصدون عفو الله، فكن أحدهم، فما أجمل أن يكون رمضان بداية للتوبة والإنابة، فكم فيه من التائبين إلى الله، وكم من المستغفرين من ذنوبهم، النادمين على تفريطهم،
أيتها المرأة المسلمة، كوني في هذا الشهر المبارك مركز إشعاع، ومشعل هداية، حارسة للفضيلة، نابذة للرذيلة، معتزةً بدينك، شامخة بشرفك، صائنة عفافك، لا تستمعي إلى سقيم الأفكار، وقبيح الأقوال، الداعية إلى نبذ الستر والحياء، أو تقليد الكافرات والفاجرات، اللاتي نبذن صفات الأنوثة والخجل، واحذري أن تكوني من حبائل الشيطان في هذه الأيام الفاضلة، أو تتّصِفي بالتبرج والسفور، وابتعدي عن قرينات السوء، فسكنُ المرأة في قرارها، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق، والله تعالى يغار على حرماته، وبطشه شديد، فتزيَّني بزينة الدين، وتجملي بجمال الستر، فالعمر قليل، والحشر أمره عسير،
اللهم بلغنا رمضان شهر الصوم والغفران،وآنت راضى عنا،وأعنا فيه على الصيام والقيام.
منقوول