رسالة محبة إلى كل زوج[/b] هذه رسائل محَبّة نبض بها قلبي مشاعر حب، وترجمها لساني كلمات ودّ، وأملاها على قلمي البسيط فسطرها بمداد الأخوّة، وزرعها على أرض الورق حروفاً لتثمر علماً وعملاً.. هي رسائل أود أن تصل إلى أعماق النفوس عبر أثير الحب في الله، وأن تدخل كل بيت عبر أشعة النور في أرجاء كونه الشاسع، علّها تجد طريقاً إلى قلب القلوب.
إلى مَنْ جعله الله تعالى حُلم كل فتاة وأمنية كل بنت وخاطراً في قلب كل امرأة على وجه الأرض..
إلى مَنْ غرس الله حبه في نفس الأنثى وجعله فطرة تكبر معها يوماً بعد يوم فلا يطيب لها عيش بدونه..
إلى كل زوج منّ الله تعالى عليه بنعمة الزواج، فعفّ نفسه وصار به من المحصنين..
إلى مَنْ عاش الآية وعاين المعجزة وجنى الثمرة.. آية الزواج، ومعجزة المودة، وثمرة الرحمة..
أسوق هذه الرسالة إلى كل زوج، ويعلم الله كم أجلّ وأحترم حقوق الزوجية إذ إنها وصية نبينا خير البرية، وإنّ الجوانب الإيجابية الطيبة لتوجد في كل زوج وإن اختلف كمّها وحجمها، وهي تستحق كل تقدير وثناء، وهذا هو الأصل ولا يشذ عنه إلا القليل، لذا فإنني سأتناول في رسالتي بعض هذا القليل فليسامحني الأزواج فإنما الأعمال بالنيات، وإنني أتمثل ما جاء في كتاب الله تعالى (... إنْ أُرِيدُ إلاّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود/ 88)،
وقد هالني زيادة نسبة الطلاق ولفت نظري عزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج مما شارك في إرتفاع معدل العنوسة، بالإضافة إلى تفاقم المشكلات الزوجية وعدم إستقرار الحياة الأسرية في كثير من بيوتنا، وهذا مؤشر خطير وجرس إنذار يدعونا للبحث عن بعض الأسباب إن لم يكن كلها وهذا ما دعاني لكتابة هذه الرسالة، لذا فإنني في رسالتي هذه سأركز على بعض الجوانب السلبية فقط من باب التنويه عليها والتعريف بها ولفت النظر لبعض صورها بكل صراحة ووضوح، إذ لابدّ من تشخيص الداء حتى نعرف له الدواء، وهذا من أنجع طرق العلاج،
وهذه ليست جوانب مفترضة وإنّما هي واقعية سمعت معظمها من شكايا بعض الزوجات ورأيت وشاهدت ما يعانين ويكابدن وأكاد أحياناً أصعق ذهولاً من هول ما أسمع!
وللأسف هي نماذج حية من واقعنا المعاصر وما زالت موجودة تتجرع أسرنا وأولادنا مرارة حصادها، وتدفع مجتمعاتنا ثمنها باهظاً من عطائها وتقدمها ورفعتها واستقرارها، لأنّ الأسر إذا صلحت صلح المجتمع كله،
ولا يعني ذلك أن كل الأزواج بهذه الصفات السلبية التي أذكرها، فكم من أزواج كانوا ولا يزالون يعطون لزوجاتهم عطاء لا حدود له من الحب والعطف، والرحمة والمودة، والأنس والعفة، والنفقة والدعم ابتغاء وجه الله،
وكم من أزواج تسيء إليهم زوجاتهم وتظلمهم لكنهم يصبرون
ولا يردون السيئة بمثلها، بل يعفون ويصفحون طلباً لما عند الله،
وهؤلاء يصدق فيهم قول النبي (ص) "خيركم خيركم لأهله".
- أتذكُر أيها الزوج؟
أتذكُر أيها الزوج يوم أن فكرتَ في الزواج وسعيتَ بحثاً عن الزوجة المناسبة،
أتذكُر حين وفقك الله تعالى وهداك إليها ورأيتها، كم كنت سعيداً بها،
فسارعت لخطبتها.. وفي فترة الخطوبة تعرفتَ عليها أكثر داخل الإطار الشرعي، فلما تم العقد عرفتها عن قرب..
أتذكُر كم كنتَ لطيفاً في كلامك معها، تتجمّل في حديثك وتتصنّع وتطلب رضاها وتريدها أن تتمنّى عليك!
لقد رأت فيك ساعتها دماثة الخلق فأحبتك فتم الزواج المبارك بعد أن رضيت بك زوجاً وشريكاً لها طول حياتها، فالحمد لله مؤلف القلوب وجامع المحبين ورازق الألفة وواهب المودة.
فهل ما زلت أنتَ أنتَ لم تتغير فيك صفاتك الطيبة تلك بعد أن مرّ على زواجك منها شهور أو سنون؟
وهل صَقلتْ الأيام العِشرة بينكما فرسختها؟
هل ما زلتَ أنتَ أنت على خلقك وكلمك الطيب معها فلم يظهر لك وجه آخر؟
وهل ما زلتَ بفضل الله الزوج الصالح ذا الدين الذي يكرمها ولا يظلمها،
يزداد حبكما مع مرور الأيام ويشتد، وتقوى الصلة بين قلبيكما وتمتد،
حتى انصهرتما معاً في بوتقة واحدة وصرتما جسداً واحداً على سفينة الحياة
تخوضان بحرها معاً وسط الأمواج؟ إن كنت كذلك أيها الزوج الوفي فجزاك الله عن زوجتك خيراً.
- عهد وميثاق غليظ..
أتعرف أيها الزوج أن زوجتك قد أخذتْ عليك من العهد أوثقه، ومن الميثاق أغلضه منذ أقدمتَ على الزواج منها وتحقق القبول والإيجاب منكما على كتاب الله وسنة رسوله (ص)، فصار فرضاً عليك أن تحسن عشرتها، وقد ذكر الله ذلك في كتابه الكريم لعظم شأنه وأهميته فقال: (... وَأخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء/ 21)، وهذا الميثاق يتطلب منك أن تكون معها رجلاً راعياً لها أميناً محسناً عادلاً، فتمسكها بالمعروف أو تسرحها بالمعروف، وإلا فقد نقضت عهدك ونبذت ميثاقك أمام الله العلي الكبير.
- (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوف...)..
والعشرة بالمعروف هي مفتاح السعادة الزوجية وخلطتها السحرية التي لابدّ منها لكل زوج وزوجة، لذا فقد أمر الله تعالى الزوج بحسن العشرة لزوجته ولو كان يكرهها، فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء/ 19). قال القرطبي في تفسيره: والعشرة: المخالطة والممازجة، فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهنّ لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنّه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول يتغير بعضهم بعد الزواج فيرفعون عن وجوههم القناع الذي لبسوه بمجرّد مرور وقت عليه طال أم قصر؟! بل إن بعضهم لم يزده طول عشرته لإمرأته إلا نفوراً منها وبعداً عنها وحجته أنّها لم تعد جميلة ورشيقة كما يحب، وتراه هو نفسه لا يحافظ على قوام جسمه ورشاقته ثمّ يطلب منها ذلك وكأنّه لم يتزوج سوى لوحة جميلة لا يريد أن يبهت طلاؤها مع مرور الوقت! أما علم أنّ المرأة أحرص الناس على جمالها وحسن قوامها ما وجدت لذلك سبيلاً، لكنا نجد زوجاً يهددها بالزواج عليها كلما تغير جسمها أو زاد وزنها رغم ما تمر به من أحوال شتى من حمل وولاة ورضاع يساهم كله أو بعضه في ذلك، لكنّه يصر على أن يقارنها بغيرها وقد يصل الأمر أن يريدها كفلانة المطربة، أو فلانة الممثلة، أو كتلك الفتاة الراقصة التي يراها في (الفيديو كليب) تتمايل وتتراقص بدلال وفتنة مع كلمات وإيقاعات بعض الأغاني المبثوثة على الشاشة المرئية. وهذا للأسف منتشر في مجتمع الأزواج الآن وهو مما ابتلينا به.
وقد نسي هذا الزوج أنّه وقع في المحظور بإطلاق بصره فيما لا يحل له النظر إليه، وأذية زوجته بالتطلع لغيرها ومقارنتها بها، كما أنّه غفل عن حقيقة ما تقوم به تلك الزوجة المسكينة وما تحمل عنه من عبء البيت والأولاد والأسرة يقع كله أو معظمه على كاهلها لتخليه هو أو انشغاله عن مشاركتها، وأنّها كأي إنسان ينالها التعب والإعياء ويلحق جسدها التغير. أما هو فلا يهمه إن تغير جسمه أو زاد وزنه، ولا يأبه لرائحة فمه التي ينبعث منها أثر الدخان أو بقايا الطعام، ولا يحافظ على حسن مظهره في بيته لأنّه رجل كما يقول!
فهو لا يتجمل إلا لأصحابه وعمله، ونسي أنّ الحقوق بين الزوجين متبادلة، وأنّ الزواج شراكة بينهما وأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (... وَلَهُنّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228).
- أين الرعاية؟
وثمة صنف آخر من الأزواج جعل من نفسه على زوجته رقيباً ومحاسباً وشريكاً شحيحاً، وفضلاً عن شُحّه بالنفقة المالية الواجبة عليه، يصل به الشح منتهاه فتأبى نفسه أن تجود على مسامع زوجته بكلمات الودّ التي لن تكلفه شيئاً، ويتجمد لسانه أن يسيل بلعاب الحب ظناً منه أنّ هذا يسيء له كرجل أو أن كرامته لا تسمح له بذلك العبث كما يحلو له أن يسميه! ومنه مَن يهملها ويهجرها لإنشغاله الطويل ليلاً ونهاراً بحجة لقمة العيش ومشقة العمل، ومع ذلك تجده يمسك لسانه عن أبسط ما يجب عليه نحوها من كلمات الإعتذار الرقيقة لفوات حقها، أو عبارات الثناء عليها لصبرها، أو إظهار الشكر والامتنان لحبها.
ومنهم مَنْ يمسك عن معاشرتها في الفراش فلا يعفها، قد يكون كرهاً وزهداً فيها أو ضعفاً منه، وكلا الأمرين مرفوض، وقد يصل به الحال أن ينام في غرفة منفصلة عنها حتى لا تجرح رجولته كما يظن! والواجب على مثل هذا الزوج أن يأخذ بأسباب القوة الجنسية من التداوي بالحلال ليحصنها ويعفها عن الحرام، لكن البعض يأبى ذلك ظناً أنّ هذا من نواقض الرجولة بل قد يصل به الحال أن يخيّرها، فإما أن ترضى به كما هو ولا تطالبه بعلاج، فتتجرع مرارة الصبر عليه وربّما وسوس لها الشيطان فتطلعت لغيره، وإما أن تشرب كأس الطلاق السامة من يده رغماً عنها وإن كان باختيارها.
ومنهم مَنْ يريد طلاق زوجته بحجة أنّه لم يعد يحبها، وقد تغافل بذلك عن كثير من الجوانب الإيجابية في بقائه معها من حبها هي له ووجود الولد بينهما وضرورة رعاية الأسرة والحفاظ على إستقرارها، وقديماً همّ رجل بطلاق امرأته وقال: لا أحبها فقال له عمر بن الخطاب (رض): أوكُلّ البيوت بُنيتْ على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم؟
- لا تكن مُطفِّفاً في فهم القوامة..
نعم، أيها الزوج، يا من تزوجت حديثاً دون أن تعي مفهوم القوامة، ويا مَنْ تزوجت منذ زمن وفهمتها فهماً خاطئاً وأخذت معناها من مفاهيم مغلوطة وقدوات سيِّئة وعادات بالية بعيدة عن شرع الله.. تعلم فقه القوامة وتعرّف عليها على حقيقتها، فالعلم إنما يسبق العمل، وافهمها فهماً صحيحاً من كتاب الله تعالى القائل لك: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء/ 34).. لكن بعض الأزواج يظنون أنها مرادف للإستبداد بالرأي والتسلط والضرب والصياح والعناد وعدم الحوار، أو أنها درجة تخوّل للزوج الحرِّية المطلقة في التصرف دون مساءلة من زوجته وأهل بيته، فهو حرّ يفعل ما يريد لأنّه رجل! ووالله ما تلك برجولة، إنّما الرجولة الحقيقية عهد ووفاء، ورعاية ومسؤولية، وحب وإخاء، ومودة ورحمة، وتعاون وعطاء، وإيثار وتضحية، ونفقة وسخاء، وأنها تحمل الزوج على احترام زوجته وأمّ أولاده، والصبر عليها إذا أساءت، وعدم ظلمها أو البغي عليها إذا كره، فالبعض يسهر طيلة ليله يتسامر مع أصحابه، أو يقيم في بيته يتناجى مع شاشة الإنترنيت ويداعب أزرار الكمبيوتر وينام في أحضان التلفاز، تاركاً إياها وقد انتظرته طويلاً حتى غلبها النوم، لكنه يأبى أن يتركها لنومها بعد عناء يوم طويل شاق فيوقظها وهي تترنح كالمخدرة بسكرة النوم طالباً منها حقه الشرعي كما يقول! – كما حكت إحدى الزوجات شاكية – ولو ترك لها المجال لقالت بملء فيها: وأين حقي أنا عليك أيها الزوج؟ لقد نسي هو وأمثاله أن عليه أن يعطي كما يطلب وأن يؤدِّي ما عليه قبل أن يأخذ ما له، وأنّ القوامة الصحيحة هي التي تجعله ينظر إلى المرأة على أنها إنسان له مشاعر وأحاسيس يحب ويبغض ويفرح ويحزن، ويصح ويتعب، ويسعد ويتألم، وهي بشر ينقصه الكمال إذ يصيب ويخطئ، ويعتريه الضعف الذي يجبره الزوج بحسن خلقه وجميل عشرته، وقد نبه النبي (ص) لذلك فقال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر".
- "إنَّ اللهَ كانَ عَلِيّا كَبِيراً":
وقد حذر الله تعالى الأزواج من عاقبة البغي على الزوجات وظلمهنّ فقال لهم: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء/ 34). وفيه تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإنّ الله العلي الكبير وليّهنّ وهو منتقم ممن ظلمهنّ وبغى عليهنّ، وهو إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حَسن الاتصاف هنا بالعلو والكبر. فإنّ الله ذو علو على كل شيء، فلا تبغوا أيها الناس على أزواجكم إذا أطعنكم فيما ألزمهنّ الله لكم من حق سبيلاً لعلو أيديكم على أيديهنّ، فإنّ الله أعلى منكم ومن كل شيء، وأعلى منكم عليهنّ، وأكبر منكم ومن كل شيء، وأنتم في يده وقبضته، فاتقوا الله أن تظلموهنّ وتبغوا عليهنّ سبيلاً وهنّ لكم مطيعات، فينتصر لهنّ منكم ربّكم.
- لحظة من فضلك..
أيّها الزوج.. لقد اختارتك زوجتك وفضّلتك على كل رجل وتوسمت فيك الخير فكن أهلاً لذلك، واحرص على دوام الألفة والعِشرة الطيِّبة بينكما وإن من أسبابها:
- أن تظهر لها أنّها هي المرأة الوحيدة في قلبك التي اخترتها زوجة لك ولا تريد غيرها. لا تهددها بالزواج بأخرى وتجعل من ذلك تخويفاً وعقاباً لها كلما غضبت. حاول أن تعفها وتصونها وتثني عليها بكلمات طيبات هنّ لك عند الله صدقات كثيرة.
- لا تستنكف أن تُسِرّ إليها من حين لآخر أنك تحبها "والكلمة الطيِّبة صدقة".
- احترم أهلها وساعدها على برّهم، ووازن بين حقها وحق أُمّك وأهلك عليك "فأعط كل ذي حق حقه".