الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين، وبعد..
فإن الواجب في زكاة الفطر أن تؤدى على الوجه المشروع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى عليه عمل أصحابه من بعده،وهي أن تُخرج قوتا من غالب قوت أهل البلد ، بل لا يُعلم عن أحد من الصحابة أنه أخرج زكاة الفطر مالاً ، وقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس الى الصلاة ) ..
وفي الصحيحين من حديث ابي سعيد قال : ( كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب) ..
فهذه سنة محمد صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر،وانها إنما تخرج طعاما،من قوت أهل البلد،الذي يستعمله جمهورهم. ومعلوم ان المال النقدي في الوقت الذي فرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر كان موجودا متداولا بين المسلمين،والفقراءُ أيضاً موجودون متوافرون، ومع ذلك لم يذكره عليه الصلاة والسلام، ولم يأمر بإخراج زكاة الفطر مالاً،وهذا يدلك على أن مقتضى العدول عن فرض زكاة الفطر من كونها طعاماً إلى جعلها مالاً كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،ومع ذلك لم يأمر بإخراجها مالاً، فالقول – والحال كذلك - بجواز إخراج زكاة الفطر مالاً هو قولٌ خارجٌ عن الأدلة الشرعية، والأصول العلمية..
ومن جميل النظم قول القائل :-
وإخراج قيمتها اجتهاد باطل والنص فوق تهافت الحيران .
ولو أن أغنياء المسلمين يخرجون زكاة أموالهم ولا يمنعونها،لما بقي على ظهر الأرض مسلمٌ فقيرٌ،ولاكتفى الفقراء من ناحية المال مما يخرجه الأغنياء من زكاة أموالهم، ورحم الله الإمام أحمد، فقد سُئل–كما في المغني (2/671 - عن إخراج زكاة الفطر مالاً فقال : أخاف أن لا يجزئه،خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..اهـ
وقد نص أئمة العلم – خلافاً للحنفية – على عدم جواز إخراج زكاة الفطر مالاً،وإليك طائفةً من كلامهم .
* يقول ابن قدامة – رحمه الله - كما في "المغني" (2/674) : ..ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة على هذا الوجه وأمر بها ان تؤدى هكذا .. ولأن مُخرج القيمة قد عدل عن المنصوص،فلم يجزئه،كما لو أخرج الرديء مكان الجيد ..اهـ
* ويقول الإمام النووي – رحمه الله - كما في "المجموع" ( 6/71) : لا تجزيء القيمة عندنا،وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر ..اهـ
* ويقول ابن حزم – رحمه الله – كما في "المحلى" (4/238) .. ولا يجزيء شيء غير مما ذكرنا..ولا خبز ولا قيمة ،ولا شيء غير مما ذكرنا .اهـ
* ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - كما في (فتاوى الصيام والزكاة ) ص 96 : لا يجوز إخراجها نقوداً عند جمهور اهل العلم ، وإنما الواجب إخراجها من الطعام كما أخرجها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم - .
* وقد سُئل الشيخ الألباني – رحمه الله – كما في سلسلة الهدى والنور الشريط رقم(274) عن حكم جواز إخراج زكاة الفطر نقودا ، فقال – رحمه الله :
لا شك ان الذين يقولون بجواز إخراج صدقة الفطر نقودا مخطؤون لأنهم يخالفون نص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يرويه الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر قال
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من إقط ..) ، فعيّن الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الفريضة التي فرضها الرسول عليه الصلاة والسلام ائتمارا بأمر ربه،ليس نقودا إنما طعام مما يقتاته أهل البلد في ذلك الزمان اهـ.
* ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- كما في فتاويه (18/280) : فلا يحل لأحد أن يخرج زكاة الفطر من الدراهم، أو الملابس، أو الفرش، بل الواجب إخراجها مما فرضه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة باستحسان من استحسن ذلك من الناس، لأن الشرع ليس تابعاً للآراء . اهـ
وهذا باختصار،والحمد لله رب العالمين ...