ميدو المصري
عضو نشيط
عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 10/10/2012
| موضوع: {..رسولا من أنفسهم..} الأربعاء 10 أكتوبر 2012, 4:45 pm | |
| القرآن الكريم كتاب الله المبين، الذي لا يشبع منه العلماء، ولا يملُّ منه قارئه، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: { إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد} (الجن:1). تضمن من اللطائف والدقائق ما لا يحيط به كاتب ولا كتاب. ومن اللطائف التي تضمنها القرآن الكريم ما جاء في قوله سبحانه: { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} (آل عمران:164). فالآية تبين فضل الله على المؤمنين من العرب وغيرهم بقوله { إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}، أي: من جنسهم العربي؛ لأن ذلك آنس لهم مما لو كان رسولهم من الملائكة، ونعمة الرسالة إنما تحصل في الإبلاغ والإفهام، فالرسول يكلمهم بلسانهم، فيفهمون جميع مقاصده، ويدركون إعجاز القرآن، ويفوزون بمزية نقل هذا الدين إلى الأمم، وهذه المزيَّة ينالها كل من تعلَّم اللسان العربي كغالب الأمم الإسلامية. والمراد بـ { المؤمنين} هنا: المؤمنون يومئذ، وهم الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بقرينة السياق وهو قوله: { إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} أي: من جنس العرب، ومن بلدهم، ونشأ بينهم، يفهمون كلامه بسهولة، ويعرفون حاله بالصدق والأمانة، ولو كان من غير جنسهم، بأن كان ملكاً أو جناً لم يتأنسوا به، ولو كان من غير نسبهم، بأن كان أعجمياً لم يفهموا كلامه بسهولة. ويفيد التعبير بقوله سبحانه: { من أنفسهم} المماثلة لهم في الأشياء التي تكون المماثلة فيها سبباً لقوة التواصل والتفاعل، وهي هنا النسب، واللغة، والوطن. والعرب تقول: فلان من بني فلان من أنفسهم، أي: من صميمهم ليس انتسابه إليهم بولاء ولا بادعاء، وهذا وجه إطلاق النفس عليه، التي هي في معنى المماثلة، فكونه من أهل نسبهم - أي كونه عربياً - يوجب أنسهم به، والركون إليه، وعدم الاستيحاش منه، وكونه يتكلم بلسانهم يجعلهم سريعين إلى فهم ما يجيء به، وكونه منهم يعجل لهم التصديق برسالته؛ إذ يكونون قد خبروا أمره، وعلموا فضله، وشاهدوا استقامته ومعجزاته. ولذلك كان المؤمنون مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة، بحيث إن تلقيهم الدعوة كان على سواء في الفهم حتى استقر الدين. واللطيفة المهمة في الآية هي قوله تعالى: { من أنفسهم}، حيث جاء هذا التعبير غاية في الروعة؛ لما يدل على القرب والخصوص الحقيقيين؛ لأن قولنا: فلان من أنْفُس المؤمنين، يدل على أنه من خاصتهم، وأنه قريب جداً منهم، لا أنه منتسب إليهم انتساباً. وقد يكون مجازاً مراداً به التشريف. فالرسول صلى الله عليه وسلم أقرب المقربين إلى المؤمنين؛ ولذلك لما كان الحديث غير خاص بالمؤمنين في قوله تعالى: { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} (الجمعة:2)، لم يقل فيها: (من أنفسهم)، وإنما قال: { منهم}؛ لأن الكلام عن العرب عامة، لا عن المؤمنين خاصة. وقد قال بعض أهل التفسير بهذا الخصوص: "إن قولك: فلان من أنفس القوم، أوقع في القرب والخصوص من قولك: فلان منهم؛ فإن هذا قد يراد للنوعية، فلا يتخلص لتقريب المنزلة والشرف إلا بقرينة، أما قولك: من أنفسهم، فأخصُّ، فلا يفتقر إلى قرينة". وقد جاء التعبير بهذين الأسلوبين في آيتين أخريين: أولهما: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم} (التوبة:128)؛ إذ لما قصد التعريف بعظم النعمة به صلى الله عليه وسلم على المؤمنين من أمته، وجليل إشفاقه، وحرصه على نجاتهم، ورأفته ورحمته بهم، عبَّر بقوله: { من أنفسكم}. ثانيهما: قوله عز وجل: { ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه} (النحل:113)، فقد عبَّر بقوله: { منهم}؛ لمَّا كان المدعون على الضد من حال المؤمنين المستجيبين، ولمَّا - على الرغم من إنعامه عليهم - لم يوفَّقوا لمعرفة قدره، ولا للاستجابة لما جاءهم به من السلامة في الدنيا والنجاة في الأخرى. | |
|
ميدو المصري
عضو نشيط
عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 10/10/2012
| موضوع: وجعلنا له نورا يمشي به الأربعاء 10 أكتوبر 2012, 4:48 pm | |
| كثيراً ما يأتي القرآن الكريم بعبارة حسية؛ ليبين معنى مجرداً؛ وذلك أن العقل أقرب إلى فهم واستيعاب ما هو مادي محسوس، على خلاف ما هو نظري مجرد. وهذا ما نلحظه في المثال القرآني الذي بين أيدينا:
يقول سبحانه: { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} (الأنعام:122). فقد ضرب سبحانه هذا المثل ليتبين وجه الفرق بين المؤمنين المهتدين؛ للاقتداء بهم، والكافرين الضالين؛ للتنفير من طاعتهم، والحذر من غوايتهم.
ويقدم المثل الذي بين أيدينا أربع صور حسية، لا تخلو منها حياة الإنسان، ولكل منها تأثيره البالغ عليه؛ ففي الموت يفنى جسد الإنسان، وينعدم نهائياً من هذه الحياة. وفي الحياة يتجسد وجوده بكل ما ينطوي عليه، وذلك منذ تكوينه في بطن أمه وإلى نهاية عمره. أما النور فإن فيه دلالة على عيش الإنسان في حركته الدائمة، من الصحة والنشاط والعمل، ومن التأثر بما يحيط به، أو التأثير الذي يحدثه في هذا المحيط. وأما الظلام فهو على عكس النور؛ لأنه يعني السكون، وعدم وجود المقومات التي تمكنه من الحركة أو التأثير، فهو من أهم معوقات الإنسان عن العطاء الذي يمكن من تفاعل الحياة في مختلف جوانبها.
وأهم ما يريد هذا المثل القرآني أن يوجه إليه المسلم، هو التمييز بين الكفر والإيمان، مع إثبات صورة عجيبة في أذهاننا، وهي إعادة ميت إلى الحياة، وسعيه بين الناس بأفضل مما كان عليه قبل موته. فالمقصود من هذا المثل القرآني الإنسانُ الكافر، الذي يكون بمثابة الميت في كفره، فيهديه ربه إلى الإيمان، وفي هذه الهداية تكون حياته الحقيقية.
وكثيراً ما تستعار (الحياة) للهداية وللعلم، ومنه قول الشاعر:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امـرأ لـم يحيى بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور
وقد وصف سبحانه الكفار بأنهم أموات في قوله: { أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} (النحل:21)، وأيضاً في قوله: { لينذر من كان حيا} (يس:70)، وفي قوله: { إنك لا تسمع الموتى} (النمل:80)، وفي قوله: { وما يستوي الأحياء ولا الأموات} (فاطر:22)، فقد جعل سبحانه الكفر موتاً والكافر ميتاً، وبالمقابل جعل الهدى حياة والمهتدي حياً، وإنما جعل الكفر موتاً؛ لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة والتردد، فهو كالموت الذي يوجب السكون، وأيضا الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك، والهدى علم وبصر، والعلم والبصر سبب لحصول الرشد في الدنيا، والفوز في الآخرة.
ولكي يظل المهتدي على هداه لا يزيغ عنه ولا يحيد، فإن الله يجعل له نوراً دائماً يستضيء به في درب هذه الحياة، وهذا النور هو القرآن المبين، الذي هو الصراط المستقيم، وهو الشفاء لما في الصدور من أمراض وعلل. فالقرآن هو النور الهادي الشافي. وقد جاءت تسمية القرآن بـ (النور) في أكثر من آية في القرآن الكريم، كقوله تعالى: { وأنزلنا إليكم نورا مبينا} (النساء:174). فالقرآن نور يحمله المؤمن في قلبه، وعلى لسانه، وبين يديه، ويمشي به في الناس آمناً مطمئناً، مقبلاً غير مدبر، منفتحاً على الحياة، غير هياب لم يعترضه من عقبات.
والظلمة عكس النور، وقد وردت في القرآن الكريم تسمية الجهل بالظلمة، مثلما وردت تسمية الإيمان بالنور، قال تعالى: { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257) فيكون الكافر هو الجاهل الضال، القابع في ظلمات الجهل، لا يبصر علماً، ولا يهتدي سبيلاً.
وتمثيل المؤمن بالحي، والكافر بالميت ورد في مواضع عديدة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: { وما يستوي الأحياء ولا الأموات} (فاطر:22)، وقال سبحانه: { إنك لا تسمع الموتى} (النمل:80)، وقال عز وجل: { لينذر من كان حيا} (يس:70). ومن هنا كان التعبير عن الكفر، والجهل، والضلال بـ (الظلام) الذي هو العمى والتيه. وسمى القرآن الكريم الكافر بـ (الأعمى) الذي تغطي (الظلمة) بصره وبصيرته، كما قال تعالى: { هل يستوي الأعمى والبصير} (الأنعام:50). ولذلك كان الإيمان ضد الكفر، وكان المؤمنون غير الكافرين في كل شيء.
ومن المفيد هنا أن نستحضر كلاماً لسيد قطب حول هذا المثل لأهميته، يقول رحمه الله: "إن هذه العقيدة تنشئ في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نوراً بعد الظلمات. حياة يعيد بها تذوق كل شيء، وتصور كل شيء، وتقدير كل شيء بحس آخر، لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة. ونوراً يبدو كل شيء تحت أشعته وفي مجاله جديداً، كما لم يبد من قبل قط لذلك القلب الذي نوره الإيمان.
إن الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأبدية، التي لا تفنى ولا تغيض ولا تغيب. فهو موت، وانعزال عن القوة الفاعلة المؤثرة في الوجود كله. وهو موت وانطماس في أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية...والإيمان اتصال، واستمداد، واستجابة، فهو حياة.
إن الكفر حجاب للروح عن الاستشراف والاطلاع، فهو ظلمة، وختم على الجوارح والمشاعر، وتيه في الجهل والضلال. وإن الإيمان تفتح ورؤية، وإدراك واستقامة. فهو نور بكل مقومات النور.
إن الكفر انكماش وتحجر، فهو ضيق، وشرود عن الطريق الفطري الميسر، فهو عسر، وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن، فهو قلق. وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة وظل ممدود.
وما الكافر؟ إن هو إلا نبتة ضالة، لا وشائج لها في تربة هذا الوجود ولا جذور. إن هو إلا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود، فهو منقطع الصلة بالوجود. لا تربطه به إلا روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود. في أضيق الحدود. في الحدود التي تعيش فيها البهيمة. حدود الحس وما يدركه الحس من ظاهر هذا الوجود".
وفي المحصلة، فإن العبرة في هذا المثل أن يطالب المسلم نفسه بأن يكون حياً عالماً على بصيرة في دينه وأعماله وحسن سيرته في الناس، وقدوة لهم في الفضائل والخيرات، وحجة على فضل دينه على جميع الأديان، وعلو آدابه على جميع الآداب. | |
|
انور صالح ابو البصل
الادارة العليا
عدد المساهمات : 7858 تاريخ التسجيل : 26/10/2011 الموقع : https://anwarbasal.yoo7.com العمل/الترفيه : ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
| موضوع: رد: {..رسولا من أنفسهم..} الأربعاء 10 أكتوبر 2012, 4:50 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاكم الله الجِنَان ... ورضي عنكم الرحمـــن
بارك الله فيكم
ودمتم و دام نوركم ساطع في جميع أنحاء المنتدى
| |
|