انور صالح ابو البصل
الادارة العليا
عدد المساهمات : 7858 تاريخ التسجيل : 26/10/2011 الموقع : https://anwarbasal.yoo7.com العمل/الترفيه : ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
| موضوع: محمد حسنين هيكل: ثورة يوليو.. خمسون عاماً: هل كانت الثورة لازمة؟ الأحد 28 أبريل 2013, 9:32 pm | |
| محمد حسنين هيكل: ثورة يوليو.. خمسون عاماً: هل كانت الثورة لازمة؟
1- جيش مجروح وشعب موجوع
من الظواهر العصية على الفهم وغير القابلة للتصديق أن الجيش العائد من فلسطين مع بداية سنة 1949 كان بذاته علامة الاستفهام الكبرى التى ظهرت لأول مرة على الأفق السياسي. وكان بذاته العنصر المجهول الذي يحتمل أن يكون الأشد تأثيرا على معادلة السلطة في مصر ابتداءً من تلك اللحظة، ومع ذلك فإن علامة الاستفهام الكبرى لم تعثر على إجابة لها. كما أن العنصر المجهول الذي تخوف منه الجميع، وصل إلى حيث فعل فعله بعد ثلاث سنوات (يوليو 1952) دون عائق جدي يعترض أو يمنع!
ولم يكن ما هو حاصل في قلب الجيش العائد من فلسطين سرا خافيا على أحد، بل لعل التخوف منه بالتحديد كان الداعي الذي وصل بقلق السفارة البريطانية في مصر إلى الإلحاح بشدة لافتة على عودة حزب الوفد إلى السلطة، تحقيقا لنوع من الاستقرار الشرعي تتطلبه الظروف المستجدة، وكل ما فيها يدعو إلى التوجس ومن ثم التحوُّط المسبق. وهنا فإن التقارير البريطانية عن تلك الفترة تحفل كلها بطلب عودة الوفد إلى الحكم، وبعدها يمكن أن يتسع المجال للتفاوض في أمر معاهدة سنة 1936 التي أصبحت قابلة للتعديل في جانبها السياسي منذ سنة 1946 أي بعد أربعة عشر عاما على توقيعها (ولم يكن جانب التحالف العسكري فيها قابلا للتغيير لأن سريان مفعوله كان مطلقا بغير أجل).
ولم يكن الملك “فاروق” غافلا عن خطر الجيش العائد من فلسطين واحتمالات اتصاله بالغضب المتراكم في مصر والشحنة الحرجة التي يمكن أن تتفاعل بهذا الاتصال بين جيش مجروح وشعب موجوع، حتى إذا لم يكن الاتصال مباشرا واقتصر على مجرد التواجد في نفس المناخ!
وفي الواقع (وكما يظهر في تقارير الحرس الملكي ضمن محفوظات قصر عابدين) فإن الملك كانت لديه وسائل علم بما يجري داخل الجيش من ثلاثة مصادر يمكن الوثوق فيها:
- المصدر الأول هو “المخابرات العسكرية” للجيش المصري، وكانت تابعة للفريق “محمد حيدر” (باشا) مباشرة، وكان “حيدر” يرسل التقارير وافية إلى القصر، وكان الملك كما يبدو من بعض العلامات والإشارات على هوامش التقارير يهتم بالجزء الأمني فيها.
- والمصدر الثاني هو القلم المخصوص في وزارة الداخلية وهو المسئول عن متابعة النشاط السياسي في الداخل، وكان يكتب تقريرا يوميا للقصر تحت توقيع ومسؤولية رئيسه اللواء “محمد إمام إبراهيم”، ولم يكن القلم المخصوص يكتب عن أمن الجيش عموما، فذلك ليس اختصاصه، ولكن اهتمامه بالتحديد تركز على نقط التلاقي بين عناصر عسكرية وعناصر مدنية (بالذات الإخوان المسلمين والشيوعيين)، وكانت تقارير القلم السياسي للإنصاف تدل على جهد كبير، يظهر فيها ما يدل على أن القلم المخصوص نَبَّه إلى خطر مؤكد من عودة جيش جريح في فلسطين إلى مناخ سياسي “مضطرب” في القاهرة، (نتيجة لكل ما وقع سنة 1948 ابتداءً من إضراب البوليس، إلى حرب فلسطين، إلى حل الإخوان المسلمين إلى اغتيال رئيس الوزراء “محمود فهمى النقراشى” إلى اغتيال مرشد الإخوان المسلمين الشيخ “حسن البنا” بأمر مباشر من رئيس الوزراء وبواسطة هيئة مكتبه بما فيه حرس الوزارات).
- وكان المصدر الثالث هو تنظيم “الحرس الحديدي” التابع للدكتور “يوسف رشاد” المقرب من الملك (والطبيب الخاص له) وهو تنظيم أقسم أفراده يمين الطاعة للملك والإخلاص غير المحدود لذاته، إلى جانب تعهد بالانتقام من أعدائه السياسيين وتصفيتهم، ثم حماية شخصه بالأجساد والأرواح إذا اقتضت سلامته أو مصلحته، وكان على الدكتور “يوسف رشاد” أن يحوِّل هذا كله إلى توجيهات وخطط.
وكان ضباط الحرس الحديدي بطبيعة الأمور وسط الجيش، بل وكان بعضهم في فلسطين سواء بدافع الحماسة الوطنية أو بدافع جس نبض القوات المسلحة ومتابعة أحوالها، بما في ذلك “المزاج” السائد وسط سلك الضباط (وضباط الصف الذين ركز عليهم الشيوعيون، في حين ركز الإخوان على الضباط).
وقد اطلعت على تقرير من ورقتين بملاحظات كتبها اليوزباشي “مصطفى كمال صدقي” (من ضباط الحرس الحديدي المقربين في ذلك الوقت) تعهدت له السيدة “ناهد رشاد” قرينة الدكتور “يوسف رشاد” بأنها سوف تُسلمهما للملك بنفسها وفي يده، وأكدت هي لي فيما بعد (أكتوبر 1952) أنها انتهزت فرصة وجود الملك بمفرده مرة وسلمته مظروفا فيه ما كتبه “مصطفى” بخط يده، واستحلفته أن يقرأه بعناية ووعدها!).
ومعنى ذلك أن الأطراف المشاركة في معادلة السلطة المصرية (السفارة البريطانية والقصر الملكي والوفد) كانت مع بداية سنة 1949 ترى “النُذُر” على الأفق وتدرك أن مجال الخطر المستجد بالظروف هو حالة “السخط” في القوات المسلحة العائدة من فلسطين، وأن التهديد يحل حين يتلاقى السخط العائد من فلسطين مع الغضب المتراكم في القاهرة.
ومع أن السفارة البريطانية كانت هي التي بدأت الاتصالات التمهيدية الأولى لتحقيق الائتلاف الكفيل بمواجهة المخاطر بين القصر (وهو رمز شرعية الدولة)، وبين الوفد (وهو ممثل أغلبية الشعب)، إلا أن الواقع الفعلي اقتضى تغييرا وتبديلا لتسهيل الحركة وتجنب الحساسيات. ومقتضى التغيير والتبديل أن يدخل القصر فيها مباشرة مع الوفد وتغيب السفارة البريطانية مؤقتا. وكان ممثل القصر الذي تقدم لأداء الدور هو “كريم ثابت” (باشا) المستشار الصحفي للملك، معتمدا في فتح الأبواب على علاقته بالمليونير “أحمد عبود” (باشا) الذي كان يقوم وقتها بدور “الراعي الموجه” للاتصالات والترتيبات المؤدية إلى عودة الوفد. ومع أن “فؤاد سراج الدين” (باشا) كانت له آراء شديدة القسوة في “كريم ثابت” أصلا وفصلا، شخصية ومسلكا إلا أن “واقعية” “فؤاد سراج الدين” تغلبت على أحكامه، وكذلك وجد نفسه يشارك في اتصالات وترتيبات انتقلت من “تشابمان أندروز” (الوزير المفوض للسفارة البريطانية) إلى “كريم ثابت” (المستشار الصحفي للملك فاروق) وقصدها عودة الوفد إلى السلطة، ومطلبها إنشاء سد منيع أمام احتمالات مجهولة ناشئة من عودة جيش مجروح في فلسطين إلى أحوال وطن موجوع بِعِلل تراكمت على طول عشر سنوات ثم خلفت هموما تناقضت مع آمال وتطلعات زحمت أجواء العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية!
وكان الملك “فاروق” وهو يتفاوض (عن طريق كريم ثابت) على صفقة يعود بها الوفد للمشاركة في الحكم، يدرك أنه مقبل على التغيير (الانقلاب) الدستوري الرابع في خمسة عشر عاما قضاها على العرش! (أي بمعدل تغيير (“انقلاب”) دستوري كل أربع سنوات تقريبا).
لكن ذلك التغيير (الانقلاب) الذي شرع يمهد ويرتب له الآن كان أصعبها على مشاعره “المؤسسة” على عداء الوفد، وكان عزاؤه أمام نفسه وأمام الآخرين أنه هو الذي يجيء بالوفد هذه المرة إلى الحكم وليس دبابات الجيش البريطاني.
كان التغيير (الانقلاب) الدستوري الأول الذي قام به “فاروق” هو الإقالة الأولى في عهده لوزارة “مصطفى النحاس” (باشا) أواخر سنة 1937، ولم يكن قد مضى على توليه العرش غير شهور قليلة، وقد راح الملك “فاروق” بعد إقالة “النحاس” (باشا) وهو وقتها صبي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يمارس سلطته عن طريق وزارات قصر ليس لها سند غيره ولا مصدر للشرعية خارج إرادته الملكية. وحدث أنه في تلك الأوقات انتهز الفرصة ليعلن بنفسه وبصوته لأول مرة على موجات الإذاعة المصرية منهاجه في الحكم ومذهبه، موجها الخطاب إلى: “شعبي العزيز” قائلا:
' إنني مع إعجابي العظيم بوالدي طيب الله ثراه وتغمده برحمته، قد أكون خالفته في بعض طباعه، لكني قد احتفظت بأبرز هذه الطباع، فأنا مثله لا يستطيع أن يؤثر على أحد إذا تبينت صواب أمر، واعتمدت بعد تقليب وجوه الرأي أنه في صالح شعبي أفرادا وجماعات. وأن ثقتي في نفسي وتوكلي على الله هو الذي يلهمني تصريف الأمور ويوجهني الوجهة التى أختارها”.
وفى تاريخه عن مقدمات الثورة المصرية، يرصد الأستاذ “عبد الرحمن الرافعي هذا البيان ويعلق عليه بقوله “كان ذلك هو الإعلان عن انحراف “فاروق” نحو الدكتاتورية والغرور والطغيان”، فتلك لم تكن كلمات صبي في التاسعة عشرة من عمره وإنما كلمات وضعها على لسانه رجال من حاشيته الملكية راحوا يعلمونه احتقار الدستور واعتبار نفسه حاكما بأمره فوق شعب مصر!”.
والواقع أنه تطبيقا لهذا البيان جاء الملك بوزارات يرأسها من اختارهم من رجاله: “على ماهر” ثم “حسن صبري” ثم “حسين سري”.
وكانت تلك مرحلة حكم فيها القصر منفردا.
كان التغيير (الانقلاب الدستوري) الثاني هو 4 فبراير 1942 حين تحركت الدبابات البريطانية من ثكنات قصر النيل، متوجهة لحصار قصر عابدين تفرض “مصطفى النحاس” (باشا) زعيم الوفد رئيسا لوزارة تجيء إلى الحكم رغم أنف الملك.
ثم كان أنه من 4 فبراير 1942 وحتى 8 أكتوبر 1944 حَكَمَ الوفد معتمدا على السفارة البريطانية وحدها، ومع أنه صاحب الأغلبية في البرلمان، فقد كان درس التجربة الدستورية في مصر ظاهرا للعيان، ومؤداه أن الأغلبية البرلمانية ليست كافية وحدها لإبقاء حزب في الحكم ولا لإخراجه.
وكذلك لم يتردد الملك حين رفعت السفارة البريطانية يدها عن حماية وزارة “النحاس” (باشا) في إقالة هذه الوزارة وملاحقة رئيسها وأعضائها بالتهم والكثير من هذه التهم صحيح. ولم يتراجع الملك عن تقديم “النحاس” (باشا) إلى المحاكمة إلا أمام إنذار مباشر من رئيس الوزراء البريطانى “ونستون تشرشل” نفسه، الذي قال له صراحة “إن الخدمات التى قدمها “النحاس” (باشا) للجهد الحربي البريطاني سنوات الحرب الصعبة، تجعل حمايته واجبا أخلاقيا على الحكومة البريطانية”.
وكان التغيير (الانقلاب الدستوري) الثالث الذي قام به الملك “فاروق” هو إقالة وزارة “النحاس” (باشا) يوم 8 أكتوبر 1944، وفى هذه التجربة فإنه لم يحكم بوزارات قصر، وإنما حكم برؤساء وزارات من أحزاب الأقلية، أظهرهم ثلاثة من السعديين: “أحمد ماهر” (باشا) حتى اغتيل ثم “محمود فهمى النقراشى” (باشا) حتى اغتيل هو الآخر ثم “إبراهيم عبد الهادي” (باشا) حتى طُرد من الوزارة طردًا (مع فترة انقطاع في رئاسة “النقراشى” (باشا) للوزارة جاء فيها “إسماعيل صدقي” (باشا) لم تطل عن سنة واحدة) لكن السنوات الخمس من 1944 وحتى سنة 1949 كانت رعاية ملكية لوزارات أقلية من السعديين والأحرار الدستوريين وحزب الكتلة (مكرم عبيد) والحزب الوطني أحيانا.
وكانت عهود تلك الوزارات هي التى أوصلت الملك مباشرة إلى حافة الخطر، وعند هذه الحافة تخلى وابتعد خاف وحاول أن يهرب.
وفى مخاوف الملك على عرشه بعد توقف معارك حرب فلسطين، والاحتمالات الناشئة من عودة جيش مجروح إلى شعب موجوع، فإن الملك وجد أنه جرب كل توليفة ممكنة في الحكم، ولم تبق أمامه غير وصفة واحدة.
جرب أن يحكم وحده ولم تكن النهاية سعيدة مساء يوم 4 فبراير 1942، وجرب أن يتخلى عن السلطة للوفد عامين ونصف العام، وكانت التجربة ذات مرارة لا تطاق من أول يوم فيها (8 أكتوبر 1944)، ثم جرب أن يعطي الحكم لوزارات أقلية (أواخر سنة 1948) ثم نظر تحت قدميه ورأى الهاوية رأي العين.
ثم توصل إلى أن خياره الوحيد الباقي هو التعاون مع “الشيطان الوفدي”، وهنا كانت اتصالات ومفاوضات مستشاره الصحفي “كريم ثابت” مع سكرتير عام الوفد “فؤاد سراج الدين”، تحت إشراف “أحمد عبود” (باشا) ومعاونة “حسين سري”.
وفى المحصلة العملية تلك الأيام أن القصر كان مُرهقا خائفا ويريد أن يبتعد ويهرب.
وفى نفس الوقت فإن حزب الوفد كان مُرهقا هو الآخر لكنه على عكس الملك يريد أن يقترب ويشتهي العودة للحكم بعد غياب خمس سنوات وجدها قاسية على زعامته وعلى قياداته وعلى أنصاره!
2- الحسابات الملكية لا تتحقق!
كانت الاتصالات والترتيبات بين المستشار الصحفي للملك “كريم ثابت” (باشا) وبين السكرتير العام للوفد “فؤاد سراج الدين” (باشا) في حضور “أحمد عبود” (باشا) ومشاركة صديقه “حسين سري” (باشا) تجري على أرضية غير ممهدة بسبب تجارب تعيسة سبقت بين القصر والوفد، وكذلك فإن كلا من الطرفين راح يكتشف مشهدا بعد مشهد أن الطرف الآخر لديه “مستجدات” و”طوارئ” لم تكن معروفة لديه من قبل.
كان القصر قد رتب موقف مفاوضه الرئيسي “كريم ثابت” (باشا) درجة بعد درجة:
نقطة البداية أن الملك “فاروق” لم يعد لديه مانع من مشاركة الوفد في السلطة لمواجهة “مخاطر تهدد الجميع”.
وعلى هذا الأساس فإن الوفد مدعو للمشاركة في وزارة ائتلافية ترأسها شخصية محايدة تحظى برضى “النحاس” (باشا)، ولتحقيق هذا الغرض فإن القصر على استعداد لطرح أسماء عدد من الساسة المستقلين تربطهم علاقة طيبة بالوفد أولهم “حسين سري” (باشا).
أن الملك لا يمانع في إجراء انتخابات برلمانية، لكنه في حالة حصول الوفد على أغلبية، يفضل أن يرى على رئاسة الوزراء شخصية وفدية غير “النحاس” (باشا)، والداعي أن علاقاته القديمة بالملك بعد 4 فبراير تركت “ما لا تستطيع الأيام أن تمحوه”، فإذا عاد الآن إلى رئاسة الوزارة بعد انتخابات لا يمانع الملك أن يحصل الوفد فيها على أغلبية” ثم وقعت أزمة بسيطة فإن هذه الأزمة ربما استدعت مخزون المشاعر القديمة وهي بذلك تفتح الجراح التي التأمت، وفي ترويج القصر لهذا المنطق فقد جرى استدعاء سوابق لمجالس نيابية كانت للوفد فيها أغلبية برلمانية دون أن يكون رئيس الوفد بالضرورة رئيسا للوزراء، والمثال الأشهر على ذلك أن “سعد زغلول” (باشا) نفسه اكتفى برئاسة مجلس النواب في برلمان له فيه أغلبية كاسحة.
وفى رغبة القصر لتسهيل الأمور أكثر وأكثر فإن “كريم ثابت” كان مخولا باقتراح أن القصر سوف يرحب في حالة حصول الوفد على أغلبية برلمانية أن تكون الوزارة برئاسة “فؤاد سراج الدين” نفسه، وهو موضع الثقة من “النحاس” (باشا) وهو زعيم الحزب بلا منازع، وكذلك من السيدة قرينته (وهي الجهة الأقوى تأثيرا على الزعيم تلك الأيام).
على الناحية المقابلة عرض “فؤاد سراج الدين” موقف الوفد (وموقفه الشخصي) من عروض القصر بالترتيب التالي:
نقطة البداية أن الوفد يتمنى أن يفتح الملك معه صفحة جديدة لا علاقة لها بكل ما سبق، وسوف يجد الملك من الوفد “إخلاصا حقيقيا” لا يستطيع أي حزب سياسى في مصر أن يقدمه ل “مولانا”؛ لأن الآخرين جميعا يحبون مصلحتهم أكثر مما يحبون “جلالته”، فإخلاصهم له نابع من اعتمادهم عليه كي يكلفهم بالحكم، وهم في ذلك الوضع يحملونه بأخطائهم وأوزارهم لأنهم بلا سند أمام الناس غير “جلالة الملك”.
إن اقتراح تشكيل وزارة ائتلافية يدخل فيها الوفد، موضوع لا يستطيع “رفعة الباشا” قبوله، ليس فقط لأنه مخالف لكل تقاليد الوفد طول تاريخه، ولكن فوق ذلك لأن “النحاس” (باشا) يعرف أن أي وزارة ائتلافية هي محاولة للتوفيق، مؤدية لا محالة إلى الخلاف لأن طبيعة الحياة السياسية في مصر لم تتوصل إلى توافق مقبول من الجميع على أهداف محددة يقوم عليها ائتلاف وزاري، ومعنى ذلك أن الوزارة الائتلافية سوف تكون باستمرار في حالة احتكام إلى القصر، وذلك يقحم القصر في الخلافات الوزارية، وقد يؤدي كذلك إلى استعادة أجواء قديمة شابت علاقات الوفد بالقصر، وذلك احتمال من المستحسن تجنبه، خصوصا أن “رفعة الباشا” جاهز لأن يثبت هذه المرة إخلاصه العميق للقصر، وهو يريد أن يتوج حياته السياسية “برابطة مقدسة” بين حزب الأغلبية وبين العرش لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي المصري.
أن الوفد على استعداد للمشاركة في وزارة ائتلافية إذا كانت مدتها محدودة وهدفها محددا، بإجراء انتخابات برلمانية حرة (يثق الوفد أنه سوف يحصل على الأغلبية فيها)، ولذلك فإن الحزب على استعداد للاشتراك في وزارة يرأسها “حسين سري” (باشا)، تكون مهمتها إجراء هذه الانتخابات في ظرف ستة شهور، ثم تترك مكانها لوزارة أغلبية حزبية، والوفد يريد في هذا الصدد ومرة أخرى أن يكرر أن “مولانا” لن يندم مطلقا على فرصة أخرى وأخيرة يثبت فيها أنه الأكثر إخلاصا للذات الملكية والأقدر على خدمته.
وفى حالة فوز الوفد بالأغلبية فإن رئاسة الوزارة يصعب جدا أن تذهب إلى رجل آخر غير “مصطفى” (باشا) فإن أي رجل غيره لا يستطيع أن يحصل على ولاء جميع الوفديين، ولا على المصداقية أمام جماهير الحزب، ولا حتى على ثقة “زينب هانم” كما ألمح “سري” (باشا) أثناء كلامه.
وهنا كان سؤال “كريم ثابت” المباشر لفؤاد سراج الدين:
“هل تريد أن تقول لي أن “زينب هانم” لا تستطيع أن تقنع زوجها برئاستك أنت للوزارة؟”.
ورد “فؤاد سراج الدين” ودون مهلة يصوغ بها رده في ألفاظ تُغطى أو تُزَوِّق:
“هي نفسها أول من يرفض أن يتولى الوزارة أحد غير “مصطفى” (باشا).
ويلح عليه “كريم ثابت”: “ولا حتى أنت”؟
ويرد “فؤاد سراج الدين” بنفس السرعة: “خصوصا أنا”.
فيما بعد (ديسمبر 1953) روى لي “حسين سري” (باشا) ونحن في بيته وكان ملاصقا لمسكني في شارع شجرة الدر في الزمالك، وكنا عائدين معا في نفس الاتجاه من حفل استقبال في قصر الطاهرة بمناسبة زيارة قام بها الملك “حسين” للقاهرة، وهي أول زياراته لمصر بعد ثورة يوليو ما مؤداه “أنه ذلك اليوم في بيت “أحمد عبود” فوجئ عندما سمع من “فؤاد سراج الدين” أن قرينة رئيس الوفد تعارض رئاسته للوزارة “خصوصا” على حد ما قال”.
| |
|
نحب الصالحين
الادارة العليا
عدد المساهمات : 1712 تاريخ التسجيل : 16/03/2013 العمر : 44 الموقع : تونس
| موضوع: _da3m_15 السبت 15 يونيو 2013, 6:59 am | |
| موضوع في قمة الخيااالطرحت فابدعتدمت ودام عطائكودائما بأنتظار جديدك الشيق لك خالص حبي وأشواقيسلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنااعذب التحايا لكلكـ خالص احترامي | |
|